"الإخوان" وأحمد الشرع وارتباك المرحلة الضبابية
هزاع البراري
20-03-2025 01:15 PM
قد تبدو الجوامع والقواسم التأسيسية والفكرية بين " الإخوان المسلمون " ومنظمة أحمد الشرع متعددة الأسماء كثيرة وجوهرية، وكانت لفترة قريبة ذات نهج متطابق إلى حد بعيد مع فكر الجماعة ونهجها، غير أن حضوره الجهادي التكفيري الذي تمت عنونته بـمرحلة " الجولاني " كانت السمة الأبرز حضورا، منذ تنقله بين القاعدة وداعش ومن بعدها جبهة النصرة التي أسسها وتزعمها في سوريا وصولا إلى جبهة تحرير الشام، ومع سقوط دمشق المدوي، غاب فجأة " الجولاني " لنجد أنفسنا أمام " أحمد الشرع " في انعطافة حادة وسريعة، وهي ليست مجرد استدارة شكلية من أجل تهدئية الخواطر وتسكين المخاوف، بل محاولة مدروسة لإعادة الإنتاج لكنها تبقى كحال الوجبات سريعة الإعداد غير صحية على المدى المتوسط ومضرة على المدى البعيد، فلقد بقيت المكونات ذاتها لكن طريقة الطهو تغيرت.
الإخوان المسلمون تلقوا نبأ سقوط نظام الأسد وتقدم الشرع بأناقته الأوروبية و"برمجياته" التركية بإرتياح وفرح كبير، وربما اعتبرت أن معركتها الطويلة مع النظام السابق والتي امتدت لعقود طويلة حسمت أخيرا لصالحها، وأن الرعاية التركية هي بشكل أو بأخر رعاية إخوانية، وأن الشام دانت لهم أخيرا، لكن هذا الفرح بقي مغمسا بقلق تعقيدات المرحلة الزمنية، وفوضى عارمة في الإقليم الناتجة عن إفرازات حرب غزة وضرب حزب الله في مقتل، وتعدد مراكز القوى في سوريا وتشابك وتصادم مصالح الحلفاء والفرقاء في سوريا أيضا، مما يسجعل من مساحة الفرح بالفوز ضئيلة وغير مضمونة العواقب، فالأصابع الغربية والأمريكية ومن خلفها الإسرائيلية واضحة البصمات وإن وقفت تركيا أردغان في الواجهة العريضة، وهذا ما جعل فرحة " لإخوان " مشوبة بالقلق والحذر، وإن كانت أمريكا في مراحل كثيرة وحساسة وقفت مع " الإخوان " وتحالف معهم في مفاصل معينة.
دشن الشرع مرحلته الجديدة بسلسلة من الإجراءات والتصريحات التي أصابت " الإخوان " بحالة من عدم اليقين وربما عدم الراحة، فلقد أعلن صراحة أنه سوريا لن تدخل في صدام أو حرب مع إسرائيل في الوقت الذي تقدمت فيه الدبابات الإسرائيلية إلى ما هو قريب من مشارف دمشق، ناهيك عن القصف والتدمير شبه اليومي الذي تقوم به إسرائيل داخل سوريا، كما أعلن توقف سوريا عن دعم واحتضان المقاومة، وكذلك موقف معادي تماما لإيران وحزب الله، وهذا موقف معاكس لموقف الإخوان من غزة وحزب الله وإيران، وهي مواقف صادمة بالنسبة لهم ومثل ذر الرماد في عيونهم، وإن كانوا لا يعلون ذلك ولا يعبرون عنه، لكنهم يراقبون بتوجس كبير، وهم يشهدون حالة شبه إنقلابية إن لم تكن إنقلابا كامل الأركان على فكر " الإخوان " ونهجهم، بل من الواضح رغم بعض التلكؤ أن الشرع يسعى لدولة مدنية وليس دولة دينية تقوم على أسس الشريعة الإسلامية، وهي إحدى أهم أهداف وأدبيات الجماعة المعلنة، وهذا زاد في قلق وريبة " الإخوان " الذين أحسوا لأيام قصيرة أن دمشق دانت لهم، وكأنها بدأت مبكرا التنصل منهم ومن توجهاتهم، وأنها تواصل المسير بالإتجاه المعاكس يوما بعد يوم ولو بخطى متعثرة أحيانا.
استقبل الشرع في شهر آذار الجاري وفدا من الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين برئاسة الشيخ علي القرة، ولم ينشر عن هذه الزيارة المهمة الكثير ولم يصدر بيانا عن الرئاسة السورية، لكن الزيارة تأخذ أهميتها أيضا لطبيعة العلاقة التاريخية بين سوريا وجماعة الإخوان المسلمين، واعتقد أن توقيت الزيارة وطبيعتها شبه السرية إذ لم يرشح شيئا عن طبيعة المحادثات التي جرت، كلها تؤكد على حالة الإلتباس وعدم اليقين وعدم الإرتياح المتوارية لدى " الإخوان " اتجاه تحولات الشرع وانفتاحه على الأنظمة العربية والغربية، ونهجه البرغماتي السافر الذي لا يريح الجماعة، التي كانت أبرز المتربحين جماهريا من الحرب على غزة وأكثر الخاسرين مما آلت إليه الأوضاع في غزة نفسها وفي لبنان وسوريا، وبدء انكماش الحقبة الإيرانية بوتيرة متسارعة، فماذا تفعل الجماعة إزاء كل هذا؟ أعتقد أن ليس لديها ما تفعله سوى التظاهر بعدم الخسارة، مواصلة مراقبة المستجدات بحذر شديد.