العمل المرن: من الحضور والانصراف إلى خفض التكاليف والازدحام المروري
رامي خريسات
20-03-2025 12:16 PM
في ظل التطورات التكنولوجية المتسارعة التي يشهدها العالم، أصبح نموذج العمل المرن خيارًا إستراتيجيًا تتبناه الدول والمؤسسات على حد سواء. يجمع هذا النموذج المبتكر بين العمل المكتبي التقليدي والعمل عن بُعد، مما يوفر مزايا عديدة تشمل تعزيز الإنتاجية، خفض التكاليف التشغيلية، وتحسين بيئة العمل بشكل عام، بالإضافة إلى تحقيق توازن أفضل بين الحياة المهنية والشخصية للموظفين.
تأتي أهميته من تأثير الازدحام والإرهاق النفسي والتكاليف المادية على الموظفين، مما ينعكس سلبًا على تعاملهم مع الزملاء والعملاء، ويؤدي إلى البطء في إنجاز المعاملات وزيادة الشعور بالتوتر. كما أن ساعات العمل الطويلة تقلل التركيز وترفع معدلات التغيب والاحتراق الوظيفي (Burnout)، مما يؤثر على جودة الحياة الأسرية ويحدّ من ممارسة الأنشطة. وتشير الدراسات إلى أن الموظفين الذين يتمتعون بتوازن جيد بين العمل والحياة يعملون بجهد أكبر بنسبة 21 %.
الفوائد الاقتصادية لنموذج العمل المرن:
1. تحسين الإنتاجية وخفض التكاليف التشغيلية: يسمح تقليل ساعات العمل المكتبية بزيادة التركيز وتقليل الإرهاق، مما يعزز الأداء العام. كما يقلل استهلاك الموارد مثل الكهرباء والمياه والمحروقات، مما يخفض النفقات التشغيلية
2. تقليل الازدحام المروري وتكاليف النقل: يخفف الضغط على البنية التحتية، ويخفض استهلاك الوقود وتكاليف صيانة المركبات، مما يتيح توجيه الوفورات نحو مجالات أخرى مثل التعليم والاستهلاك الأسري. مما يدعم النمو الاقتصادي.
3. تحسين الصحة النفسية والإنتاجية: تقليل التنقل الطويل بشكل يقلل التوتر والإجهاد، مما يؤدي إلى أداء وظيفي أفضل، وقد يترجم ذلك إلى مكافآت وزيادة في الدخل المستقبلي.
4. استقطاب المواهب وتقليل البطالة الجزئية: يجعل بيئة العمل أكثر جاذبية للكفاءات، حيث تقدم الشركات المميزة العمل عن بُعد كميزة ضمن عروضها الوظيفية، كما يدعم هذا النموذج الشركات الناشئة ويسرّع التحول الرقمي.
يمكن تطبيق النموذج على القطاعين العام والخاص بطرق مختلفة، مثلاً العمل 6 ساعات في المكتب وساعتين عن بُعد، أو عمل ساعتين عن بُعد وفق جدول أسبوعي مرن بما يناسب الموظف وبالتنسيق مع إدارته، أو السماح بيوم عمل كامل عن بُعد أسبوعيًا بالتناوب بين الموظفين، أو غيرها وفق طبيعة بيئة العمل، ويمكن اختباره على فريق صغير أولًا، مع استطلاع آراء الموظفين حول تأثيره على التوازن بين العمل والحياة ومدى رضاهم عنه ومساهمته في ولائهم للمؤسسة.
أثبتت تجارب العديد من الشركات، لا سيما في قطاعي التكنولوجيا والإبداع، أن العمل المرن يجعل الموظفين أكثر التزامًا وأقل تشتتًا، كما يُسهم في تقليل الإجازات المرضية وتعزيز الولاء الوظيفي ويحقق توازنا أفضل بين الحياة والعمل. وتؤكد الاتجاهات الحديثة أهمية اعتماد مؤشرات الأداء كأساس للنجاح في العمل المرن، بدلاً من التركيز على نظام الحضور والانصراف الصارم.
الغد