بعيدا عن الوطنيات و الشعور الوطني غير المقترن بواقع حقيقي، ولندخل في الفلسفة الادبية البحتة ، قد يكون الوطن غرفة ، أو سطح بناية ، أو شارعا يعج بذكريات الطفولة ، قد يكون الوطن قبرا لأب ، أو عناقا لأم أو وردة تضحك كل ربيع أو أو أو..
كل الافكار الفلسفية للوطن ترتبط دائما بشعور الأمن ، شعور الراحة الفيّاضة التي تغمر الانسان ، شعور أن ينام و هو مطمئن ، يستيقظ على وقع صوت فيروز لا على ضرب الصواريخ ، ينام و هو مدرك أن جهاز اكسجين والدته سيعمل طيلة الوقت ، فلا قطع للكهرباء ، و لا اقتحامات لحرمات البيوت.
شعور الوطن عميق و فلسفي و متعدد الاوجه ، قد يكره البعض الاردن بلا اسباب ، قد يقول آخرون (لا بحر في عمان) فبالتالي لا جمال بها ، قد و قد و قد..
لكن لن يجرؤ أحدا أن يصوّر الاردن بصورة الحرب ، و مهما قرأنا من تغذيات راجعة لسياح زاروا الاردن لن نقرأ كلمة شعرنا بالخوف ، هذا الشعور من السكينة كافٍ أن يجعلنا ممتنين لهذا الوطن مهما اختلفنا معه ، مهما كان شعورنا تجاهه و تجاه رموزه.
أوطان كثيرة انهارت ، انصهرت في آتون المعارك العبثية ، رؤساء كثر جرّوا بلادهم لحروب ، غزوا جيرانهم ، تسبّبوا بغباء سياسي و عنجهية تنم عن خلل نفسي في انهيار حضارات و ضياع ثروات و ثورات لا تتوقف و مذابح و مجازر.
هذه اللغة الدموية مجهولة في الاردن ، فالذاكرة الشعبية إن تذكّرت ايام صعبة فستعود لتلك التي قاوم بها الاردن المعتدين ، السنوات التي دافع الاردن بها عن كينونته أمام من ظنوا انفسهم أقوى منه ، أو تمادوا في التوقعات و الآمال.
نحن اليوم لا نرفع علم الاردن عبثا ، أو ترفا ، أو حبّا بالاستعراض و لفتا للانتباه ، بل نرفعه لنحييه ، لنشكره ، لنغمره بشعور الامتنان ، فأن نكون في حالة سلام متوحّد في شام مضطرب ، نعيش رغد الاستقرار و ترف الطمأنينة ، هذه نعمة لا تقدّر بثمن.
فلذلك من لا يرى في هذا العلم وهذه الارض ملاذا له ، يظن أن فوضى الاعلام قد تذيب في الاردني انتماءه للأرض و حماة الاردن و قيادته ، فبكل بساطة ، يستطيع أن يتنازل عن جنسيته ، أن يخلع رداء الاستغلال و يذهب إلى حيث تُروى غريزته في الحرب و الدم ، فهذه الأرض وُجدت لتنعم بالسلام ، و هذا الوطن بناه رجال لا يعرفون سوى الحكمة ساعة الشدة.