إسرائيل والحرب على غزة: أبعاد التصعيد ودوافع الاستمرار
صالح الشرّاب العبادي
20-03-2025 10:03 AM
بعد فترة من التهدئة النسبية والتي كانت قوات الاحتلال خلالها على تماس مباشر مع مواصلة الاختراقات المتتالية ، عادت إسرائيل إلى شن عمليات عسكرية في قطاع غزة، في خطوة تعكس تعقيدات سياسية وعسكرية عديدة ، هذه العودة إلى الحرب لم تكن مجرد تصعيد عسكري عادي، بل جاءت نتيجة مجموعة من العوامل المتشابكة، داخليًا وإقليميًا ودوليًا.
رغم مرور أشهر على العمليات العسكرية، لم تتمكن إسرائيل من تحقيق انتصار واضح على المقاومة الفلسطينية، وظلّت الأهداف المعلنة للحرب بعيدة عن التحقق، مما دفعها إلى استئناف العمليات القتالية في محاولة لفرض واقع جديد ، وتحقيق الاهداف السياسية والعسكرية التي لم تتحقق في مرحلة الحرب الاولى .
أثارت قدرة حماس على الصمود واستمرارها في العمل العسكري والسياسي حالة من الغضب داخل الأوساط الإسرائيلية وكان لظهورهم واستعراضهم اثناء عمليات تبادل الأسرى في المرحلة الاولى للهدنة بالزي العسكري والأسلحة والتنظيم بمثابة معركة إعلامية نفسية ، حطمت معنويات الجيش الإسرائيلي وقادته ، وخاصة في صفوف اليمين المتطرف، الذي يرى في استمرار المقاومة بهذا الشكل هزيمة سياسية وعسكرية كبرى يجب محوها بأي ثمن.
مع عودة دونالد ترامب إلى السلطة، برزت مجموعة من القرارات التي أثرت بشكل مباشر على الوضع في غزة، منها:
• المطالبة بتسليم الأسرى دفعة واحدة، وهو ما ينسف أي محاولات إسرائيلية لتوظيف الملف سياسيًا.
• الدفع باتجاه تهجير الفلسطينيين من غزة، مما يضع ضغطًا على المقاومة لرفض هذه المخططات.
• تغيير نهج التعامل مع الحوثيين وإيران، ما قلل من الدعم الإيراني لحماس، وسهّل على إسرائيل استئناف الحرب.
• تجاهل إدارة ترامب لأي التزامات قطعتها إدارة بايدن فيما يتعلق باتفاقيات وقف إطلاق النار.
• تتسامح إدارة ترامب مع خرق إسرائيل للاتفاقيات السابقة، بل تدفعها نحو فرض شروطها بالقوة، خاصة فيما يتعلق بملف الأسرى والمفاوضات مع حماس.
مع تراجع الدعم الإيراني لحماس نتيجة التصعيد الأمريكي في اليمن والخليج ، وانحسار اذرعها في لبنان وسوريا ، رأت إسرائيل أن الظروف مواتية لتجديد العمليات العسكرية ضد غزة، خاصة أن المقاومة أصبحت معزولة نسبيًا عن الدعم الخارجي.
وجدت إسرائيل أن الولايات المتحدة والغرب لا يمانعون في توسيع نفوذها في سوريا، مما منحها هامشًا أكبر للعمل عسكريًا دون مخاوف من ردود فعل دولية حاسمة.
إلى جانب الحرب في غزة، واصلت إسرائيل عملياتها في الضفة الغربية، بهدف ضرب المقاومة وإضعاف أي دعم داخلي لها، مما يشير إلى سياسة ممنهجة تهدف إلى استنزاف الفصائل الفلسطينية في أكثر من جبهة.
تحاول إسرائيل فرض شروطها في أي مفاوضات لتبادل الأسرى، بالضغط على المقاومة من خلال العمليات العسكرية، وإجبارها على القبول بتسويات تخدم المصالح الإسرائيلية والأمريكية.
رغم الدمار الواسع، عاد النازحون إلى المناطق التي تضررت بفعل الحرب، مما يعكس استمرار دعمهم للمقاومة، هذا الأمر دفع إسرائيل إلى تكثيف العمليات العسكرية بهدف تحطيم معنويات السكان والحدّ من تأثير المقاومة داخل المجتمع الفلسطيني.
لم يتمكن المستوطنون من العودة إلى مناطق جنوب فلسطين وغلاف غزة بسبب استمرار التهديدات الأمنية، ما دفع إسرائيل إلى استئناف الحرب في محاولة لفرض واقع أمني جديد ، واعادة شي من الثقة الامنية للمستعمرين بالعودة إلى غلاف غزة .،
عانى الجيش الإسرائيلي من خسائر كبيرة، سواء في الأرواح أو في المعنويات، بعد أن فشلت العمليات السابقة في تحقيق الأهداف المطلوبة ، العودة للحرب تهدف إلى إعادة الثقة للجنود والقادة بأن إسرائيل لا تزال قادرة على فرض إرادتها عسكريًا، اضافة ان اسرائيل استغلت فترة الهدوء النسبي لإعادة تسليح جيشها وتجديد مخزونها من الأسلحة والذخائر القادمة من الولايات المتحدة والغرب، مما منحها القدرة على استئناف الحرب بقوة أكبر، بعد فترة من إعادة التنظيم العسكري والسياسي، ترى إسرائيل أن العودة للحرب توفر فرصة لاختبار التكتيكات الجديدة وإعادة بناء قدرات الجيش لمواجهة التحديات المستقبلية ، وخاصة بعد رفضه الانسحاب من محور فيلادلفيا الذي أثار حفيظة القيادة المصرية التي تستعد قواتها لأي مواجهة مستقبلية.
تحظى إسرائيل بدعم غربي قوي، سواء من الولايات المتحدة أو بريطانيا، بهدف القضاء على حماس وإضعاف المقاومة الفلسطينية بشكل عام، وهو ما يشجّعها على الاستمرار في العمليات العسكرية دون قلق من العواقب الدولية.
بعد استقالة إيتمار بن غفير الذي باستقالته كاد ان يقوض ائتلاف نتنياهو والذي رفض العودة الى السلطة إلا إذا بالعودة إلى الحرب حيث تصاعدت الخلافات داخل الحكومة، الأمر الذي انصاع له نتنياهو بهدف توحيد ائتلافه السياسي من خلال إعادة الحرب إلى الواجهة، ما يعزز موقفه كقائد قوي قادر على اتخاذ قرارات حاسمة ، فكان ذلك وعاد بن غفير للسلطة بعودة الحرب .
يريد نتنياهو فرض شروطه في أي مفاوضات قادمة من خلال استمرار العمليات العسكرية، مما يجبر المقاومة على التفاوض من موقع ضعف، ويعزز فرص إسرائيل في تحقيق مكاسب سياسية.
لم يتمكن نتنياهو من إقناع المجتمع الإسرائيلي بأن الحرب الأولى حققت أهدافها، لذلك يحاول من خلال جولة جديدة من القتال تقديم صورة مختلفة عن الوضع العسكري، وإثبات أن إسرائيل قادرة على تحقيق “نصر حاسم”.
تشكل الحرب وسيلة أساسية لنتنياهو لضمان بقائه في الحكم، حيث يستغلها لحشد التأييد الداخلي والتغطية على الأزمات السياسية والاقتصادية التي تواجه حكومته.
فشلت الدول الوسيطة، مصر وقطر، في الضغط على إسرائيل للالتزام ببنود الصفقة مع تراجع امريكي واضح من الضمان لها ، مما أعطى تل أبيب حرية أكبر في العودة إلى الحرب دون قيود دبلوماسية، إضافة إلى إصرار اليمين المتطرف إلى فرض شرط اساسي وهو العودة للحرب في اي زمان ومكان ، وهذا الشرط صيغ مع الادارة الامريكية .
عملت إسرائيل على التأثير في الخطاب الإعلامي الغربي، حيث نجحت في إقناع العديد من المؤسسات الإعلامية بتصوير حماس على أنها تهديد وجودي، مما ساهم في خلق بيئة داعمة للحرب داخل الرأي العام الغربي.
تستمر إسرائيل في التحلل من أي التزامات دولية، مستفيدة من دعم الولايات المتحدة وحلفائها، خاصة بعد عودة ترامب، مما يجعلها تتصرف دون خوف من أي محاسبة دولية.
رغم ما شهدته المرحلة الأولى من الحرب من دمار واسع ومجازر بحق المدنيين، لم يتحرك المجتمع الدولي لاتخاذ إجراءات حاسمة ضد إسرائيل، ما عزز قناعتها بإمكانية تكرار السيناريو نفسه دون تبعات حقيقية.
التنصل من المسؤولية عن فشل 7 أكتوبر
بعد الهجوم الذي نفذته حماس في 7 أكتوبر، تعرض نتنياهو لانتقادات واسعة من داخل إسرائيل، سواء من المعارضة أو حتى من داخل حكومته. فشل الاستخبارات والجيش في التنبؤ بالهجوم والتعامل معه جعله في موقف حرج، مما دفعه إلى محاولة إثبات أنه قادر على استعادة السيطرة عبر الحرب، وتحويل الأنظار عن مسؤوليته في الإخفاق الأمني.
يسعى نتنياهو إلى إحكام قبضته على الجيش والمؤسسات الأمنية ، و تطويع الجيش والقيادة العسكرية والامنية لتكون تحت سيطرته الكاملة، بعد أن تخلص من خصومه واحدًا تلو الآخر، وكان آخرهم رئيس جهاز الشاباك. هذا التوجه يعكس رغبته في إحكام السيطرة على المؤسسة العسكرية، وضمان ولائها الكامل له في مواجهة أي تهديدات سياسية داخلية قد تطيح به من الحكم.
استغلال الموقف العربي والدول العربية والتناقضات في المواقف ، التي ترى بعضها ان ازالة حماس هو الطريق إلى انتهاء الحرب حيث ان هناك مناكفات سياسية عربية ومواقف متناقضة ودعم فردي لطرفي السلطة والمقاومة الامر الذي تستغله إسرائيل في اظهار المقاومة حماس انها عدو مشترك طالما بقي موجوداً وخاصة ان العداء لحماس هو يعتبر عداء لايران ..
عودة إسرائيل إلى الحرب على غزة ليست مجرد رد فعل عسكري، بل هي نتاج تداخل عوامل سياسية وعسكرية واقتصادية، سواء داخل إسرائيل أو على المستوى الإقليمي والدولي. وبينما تسعى إسرائيل لتحقيق أهدافها بالقوة، تبقى المقاومة عاملاً رئيسيًا في قلب المعادلة، مما يجعل الصراع مرشحًا لمزيد من التصعيد في المستقبل.
على المؤسسة العسكرية، وضمان ولائها الكامل له في مواجهة أي تهديدات سياسية داخلية قد تطيح به من الحكم.
استغلال الموقف العربي والدول العربية والتناقضات في المواقف ، التي ترى بعضها ان ازالة حماس هو الطريق إلى انتهاء الحرب حيث ان هناك مناكفات سياسية عربية ومواقف متناقضة ودعم فردي لطرفي السلطة والمقاومة الامر الذي تستغله إسرائيل في اظهار المقاومة حماس انها عدو مشترك طالما بقي موجوداً وخاصة ان العداء لحماس هو يعتبر عداء لايران ..
عودة إسرائيل إلى الحرب على غزة ليست مجرد رد فعل عسكري، بل هي نتاج تداخل عوامل سياسية وعسكرية واقتصادية، سواء داخل إسرائيل أو على المستوى الإقليمي والدولي. وبينما تسعى إسرائيل لتحقيق أهدافها بالقوة، تبقى المقاومة عاملاً رئيسيًا في قلب المعادلة، مما يجعل الصراع مرشحًا لمزيد من التصعيد في المستقبل.