"أجمل ما يمر على النفس أن تحمل بثيابك وملامحك رائحةُ أرضٍ أو وطن."
الإنسان نتاج قصة وتجربة وفكرة، والنفس هي الموطن الأول للإنسان، الأرض التي ينبت فيها الفكر، وتتشكل فيها القيم، وتسكنها التجارب بكل ما تحمله من أثر، بعضهم يخشى التكرار، وبعضهم يخشى التغيير، "ليس المهم أن يمر العمر، بل كيف يمر"
الحياة مزدحمة بأشخاص لا يضيفون شيئًا، بأحاديث لا تنتهي، وبمجالس تغرق في سرد الحكايات التي لا جدوى منها، البعض يعيش على تكرار الكلام ذاته، وتجده إنسانًا يكرر ذاته وأيامه وأفكاره وحتى صرعاته، يسرد قصصًا لا تسمن ولا تغني، يستهلك طاقته في نقاشات لا طائل منها، ويجرّ غيره إلى هذه الدوامة التي تستهلك العمر بلا معنى، فهل يُعقل أن نقضي أعمارنا نصارع هذه الدوائر المفرغة، بعد كل ما بذلناه من جهد لنفهم أنفسنا ونتقدم؟
ليس من العقل أن نتوقف عند كلمة تافهة، أو جاهلة، أو محدودة الثقافة، ولا أن نضيع وقتنا مع من يرى العالم من زاوية ضيقة، في الوقت الذي لدينا فيه من المعارك ما يكفي من أجل الحياة، إذن هو انتقاء لما هو أهم؛ أن تتوقف عن الاهتمام بما يقوله أو يظنه الآخرون، أن تسأل نفسك: من يسمع؟ الحياة مليئة بالمسؤوليات، وعليك أن تختار بعناية أين تضع طاقتك.
اللامبالاة ليست عدم الاكتراث بكل شيء، وليست برود المشاعر أو الانفصال عن الواقع، بل هي فن إداري للنفس، يقوم على التركيز على ما هو مهم فعلًا، وتجاهل ما يستهلك طاقتك بلا فائدة، إنها القدرة على إدراك أن بعض الأمور لا تستحق الجهد، وأن بعض الكلمات لا تستحق الرد، وأن بعض المعارك ليست معاركك من الأساس، أن تفهم أن ليس كل موقف يحتاج إلى تفاعل، وليس كل استفزاز يستحق استجابة، وأن وعيك بذاتك وقيمتك أهم من اللهاث وراء إثبات نفسك في كل موقف.
حين تتقن فن اللامبالاة، تدرك متى تتحدث ومتى تنسحب، متى تبذل جهدك ومتى تحافظ عليه، متى يكون الصمت حكمة ومتى يكون الكلام ضرورة، هناك من يسعى لجرك إلى معارك لا تخدمك، وهناك من يحاول إقناعك بأنك ملزم بالاستماع، بالمجادلة، بالرد، لكن الحقيقة أنك لست ملزمًا بأي شيء، إلا بما يضيف إليك، إلا بما يجعلك أكثر وعيًا واتزانًا.
حين تفهم ذلك، تصبح أكثر قدرة على اختيار موقعك في هذا العالم، تدرك أن لكل إنسان دائرته، ومجاله، وبيئته الخاصة، وأنك قادر على رسم حدودك الخاصة، أن تكون حيث يجب أن تكون، لا حيث يُراد لك أن تكون، ليس كل شيء يستحق أن تُلقي إليه نظرة، وليس كل حديث يستحق أن يُسمع، والأهم، ليس كل ما يحدث في هذا العالم ينبغي أن يكون له موطئ قدم في داخلك.
أول خطوة في فن اللامبالاة هي تحديد أولوياتك في الحياة، مما يساعدك على تركيز طاقتك على ما يعزز نموك الشخصي، تجنب الانخراط في نقاشات عقيمة أو تفاعلات لا تضيف لك، وتعلم أن السكوت أحيانًا يكون أقوى من الرد، ابتعد عن الأشخاص السامين، وعن المواقف التي تستنزف طاقتك النفسية، الأهم من ذلك، لا تأخذ كل شيء شخصيًا، فكل شخص يتصرف بناءً على تجاربه ومشاعره الخاصة، وعندما تتوقف عن تأويل الأمور بشكل شخصي، ستتمكن من العيش بسلام داخلي ووعي أكبر. الاربعاء 19/3/2024