طرق مصطلح "الكازينو" آذان الأردنيين بقوة منذ ما يزيد على (5) سنوات وهو مصطلح نشاز, غريب على البيئة العربية والإسلامية فضلاً عن الأردنية الهاشمية, ويحمل هذا المصطلح ظلالاً مختلطة من الأعمال القذرة والمحرمّة والمنافية للضمير الإنساني الطبيعي, ويتناقض مع تعاليم كل الأديان السماوية, فهو عبارة عن مركز يجتمع فيه لصوص العالم والمقامرون والمرابون والطاعنون في الفساد والخداع, والعمليات المشبوهة من غسيل الأموال وتجار المخدرات, ومحترفو السقوط والإسقاط, وربما يحوي أيضاً حلقات لعقد الصلة بين المقامرين والسماسرة وساسة دول الإقطاعيات التي يرتع فيها الفساد, وتسعّر فيها شهوة الحصول على الصفقات المشبوهة والتي تضيع فيها مقدرات الشعوب المنكوبة والمستغفلة.
الشعب الأردني كلّه يعلم أنّ الكيان الإسرائيلي يحرّم إقامة (كازينو) على أرض فلسطين, ولذلك تسعى المافيات الصهيونية وبعض الشخصيات الفاسدة في المنطقة إلى إقامة كازينو على الأرض الأردنية, على اعتبار أنّه لا قيمة لرأي الشعب ومعارضته في ظل انعدام الديمقراطية في الدولة الأردنية, وأنّ المسؤولين يستطيعون تمرير أي قرار تحت بند كلمة السر السحرية (توجيهات عليا).
لقد تمّ استغفال الشعب الأردني باتخاذ القرار بإقامة هذه المؤسسة المشبوهة, وتشير محاضر لجان التحقيق في مجلس النواب إلى الطريقة المضللة والمشوبة بالخداع والتدليس من أجل تمرير القرار, فضلاً عن أنّ أي رجل عاقل رشيد من الشعب يدرك حجم المعارضة الشعبية لإقامة مثل هذا (الوكر), فإذا كان لا يدرك فعلاً فهو لا يستحق أن يكون من عداد الأردنيين الذين يتحملون المسؤولية العامة, وإذا كان يدرك ويعلم حجم النقمة الشعبية ومع ذلك أقدم على هذه الفعلة, فلا يستحق أيضاً تولية المسؤولية العامة لهذا الشعب.
الشيء اللافت في هذا الموضوع أنّ إقامة الكازينو تتضمن مخالفة دستورية واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار, ولا يجوز التمسك بقانون السياحة وقرار المجلس الوطني للسياحة في ظل المخالفة الدستورية, إلاّ في استمراء الخروج على الدستور الذي أصبح سمة للمرحلة الأخيرة, ومنهجية إدارة الدولة!!.
لقد استمع الشعب الأردني إلى مداخلة رئيس الوزراء أمام مجلس النواب وقال بوضوح أنّه تم اتخاذ قرار رسمي صادر عن مجلس الوزراء بإقامة (الكازينو) بطريقة مؤسسية صحيحة لا تشوبها شائبة, وأنّ الحكومة نفسها اتخذت قراراً بإلغاء (الكازينو) وبنفس الطريقة المؤسسية, إذا كان الأمر كذلك فلماذا توجّه التهمة (لوزير السياحة) فقط ويُبرأ مجلس الوزراء, والحقيقة أنّ مجرد تحقق النصاب في مجلس النواب (86) نائباً صوتوا على توجيه التهمة للوزير المختص, ينطوي ذلك قطعاً وبشكل آلي على توجيه التهمة لمجلس الوزراء كله, اعتماداً على القاعدة الدستورية أنّ مجلس الوزراء يتضامن بجميع أعضائه حول أي قرار صادر عن المجلس, وقد أكّد رئيس الوزراء مؤسسية القرار.
والشعب الأردني لم يطلع على حقيقة لماذا وافق مجلس الوزراء أولاً, ولماذا ألغى ثانياً, وهل أنّ الخزينة لم تتكبد شيئاً من إلغاء هذه الاتفاقية وكيف?, وقد حاولت حكومة الذهبي إعطاء الجهة المتقدمة (50) دونماً مطلّة على البحر الميت, وأنّ حكومة سمير الرفاعي حاولت بيع الشركة (117) دونماً في منطقة البحر الميت بسعرٍ متدنٍ, وفي كلتا الحالتين ستتحمل الدولة مبلغاً مالياً من الخزينة.
كيف تمّ التعامل مع الشرط الجزائي المثبت في الاتفاقية, الذي ينص أنّ على الدولة الأردنية أن تتعهد بتحمّل التعويض الناشئ عن الإخلال بعقد الاتفاقية من نفقات التخطيط والتصميم والتطوير والإنشاء والتحويل, فضلاً عن الربح الفائت على الكازينو لمدة (50) سنة, وقد قدّر هذا التعويض بمبلغ (1400) مليون دولار.
إنّ قضية (الكازينو) أكبر بكثير ممّا ظهر حتى هذه اللحظة, ولقد شكلت سابقة خطيرة بتاريخ الدولة الأردنية, ونصوص الاتفاقية تحوي من الإذلال والإذعان ما لا يتقبله العقلاء فضلاً عن الأحرار. إنّ من يقرأ اتفاقية الكازينو يشعر أنّه أمام عقد وصاية على الدولة الأردنية أشبه بصيغ الاستعمار المذلة. إنّ قضية الكازينو فتحت أعين الأردنيين على حقبة مليئة بالخفايا والخطايا التي جعلت من الوطن مسرحاً للعبث والفساد, تمّ فيها إضاعة المقدرات ونهب المال, والسطو على الخزينة العامة, ما تحتاج إلى عقودٍ إلى إصلاحه وإعادة بنائه.
rohileghrb@yahoo.com
rohileghrb@yahoo.com
(العرب اليوم)