درب زبيدة .. تاريخ لا يندثر (صور)
عبدالرحيم العرجان
17-03-2025 11:46 AM
برعاية واهتمام صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن فهد بن مقرن بن عبدالعزيز نائب أمير منطقة حائل انطلقت هذا العام قافلة درب زبيدة إحتفالا بيوم التأسيس بأرض اللغة ومضرب المثل بالكرم والجود ببقعة تعلق بها قلب كل من زارها وعاشر أهلها حيث قال فيها كبير المستشرقين د. جورج فالين في العام 1845 " نسيت العالم كله في حائل" .
حفاوة الوصول:
استقبلنا اللواء الدكتور عبدالعزيز العبيداء رئيس مجلس إدارة جمعية دروب القوافل بحائل بحفاوة وترحاب كبيرين بمجلسه العامر بالبدة بقلب المدينة التاريخي، حيث شارك هذا العام ما يقارب 300 من المهتمين والهاوين والمحترفين جمعهم البحث في التاريخ واكتشاف مكامن أسرار الطبيعة والعودة إلى التراث والرياضة بقافلة ضمت كل مكنونات سياحة المغامرة من مسير راجل وعدائين وفرسان وهجانة ورياضات جوية وسيارات الدفع الرباعي والدراجات الهوائية والنارية من يافعين ومنهم من تجاوز الثمانين من العمر وقد قلد بسيف على إنجازه بتنظيم بأعلى المستويات ومراعاة كافة شروط سياحة البر والمغامرة وكرم الضيافة.
إحياء الدرب
منذ تسعة سنوات وسعادة اللواء العبيداء ورفاقه من إدارة وأعضاء الجمعية والمتطوعين يعكفون جاهدين على إعادة إحياء الدرب المنسوب إلى أمه العزيز زبيدة إبنت جعفر ابن أبي جعفر المنصور عبدالله بن محمد بن علي بن عبدالله بن العباس بن عبد المطلب عم الرسول صلى "766 – 831م" حفيدة مؤسس الدولة العباسية المولود بالحميمة في جنوب المملكة الأردنية الهاشمية زوجة الخليفة هارون الرشيد السيدة التي عرف عنها التقوى والعلم ورجاحة الرأي وبعد الفكر والفطنة حيث كلفت كبار المعمارين بإعادة إعمار الطريق الواصل مابين الكوفة ومكة والمدينة وتأهيله بنظام حصاد مائي اعتبر تأسيسا لإحيائه من تمديد للقنوات المائية وانشاء البرك وحفر الآبار والسدود كما لم تنسى بناء الـ حاميات والحصون وأماكن إيواء لتأمين عابريه من قاصدين بيت الله الحرام للحج والعمرة والعلم وتم تزويد الدرب بالمشاعل واحجار الميل التي ثبتها شقيق جدها الخليفة العباسي أبو العباس السفاح لئلا يضلوا في غياهب الصحراء الموحشة ليكون واحدا من أهم المشاريع التنموية قبل ما يقارب 12 قرن خلت، إلى أن ضعف الإهتمام به إثر سقوط بغداد بيد المغول، فشح التمويل وضعفت إدارته بالتدريج ليهجر بعد اختراع السيارة وتعبيد الطرق بالإسفلت بعد أن كان طريقا عامرا بالقوافل وحملة البريد.
الصوت القديم
وعلى مدى ثلاثة أيام قطعنا مع الرفاق 80 كلم إنطلاقاً من محطة فيد التاريخية على نفس درب الحجيج يختلجنا شعور حال من سبقونا مهللين ومكبرين ركوبا وسائرين بأرض السلام وقاصدين العلم والمعرفة، يخيل لك بمشهد قوافل الحرير والطيب والبخور، وتعتلي أصوات وصيحات الجند عائدين وفاتحين لا يفرقنا عنهم سوى ملابس المدنية واختلاف حقبة الزمن، وفي الأفق جبال سمراء وأرض اكتساها خضرة ربيع الشتاء مرورا بعدد من المحاطات التاريخية المحافظ عليها من هيئة التراث والتي تبلغ بمجملها 58 نقطة كانت قد استضافت قادة وأمراء وتجار وزاهدين بطلب العلم وخلفاء ومؤرخين، ولنا أيضا بالمثل محطة رئيسية ومتعشى يتوسطها بيت شعر انتصبت فيه دلال القهوة وفاح منها رائحة الهيل ومواقد النار وأطباق التمر بالسمن وجلسات الثقافة والسمر ببرنامج تم إعداده بعناية قدمت فيه ندوات فكرية وصدح بالشعر كما تحدث المشاركين كلا حسب اختصاصة وتشاركنا بالسامر فرحة بكل أخوية من تراث حائل كنا حفظنا منه "عساك يا حايل تسيلين والعشب ينبت في شغاياه، قلبي قعد ما بين ضلعين أجا وسلمى والمغواه" فكما كان الدرب بالأمس ينقل ثقافات وخبرات ويعززها عاد لها بحدث اليوم احتفالا بالتأسيس بمشاركة من 18 دولة.
ضوء الفجر
وفي كل يوم تقع في غرام سحر الغروب عند مغيب قرص الشمس بين سلاسل الجبال وقد اعتلاها مظليين متخللين السحاب وعودة الشروق من الفضاء المفتوح وأشعتها تتحاور منعكسة بفعل الندى على الرمل البازلتي وردي اللون، لا يقلا جمالا عن صفحة السماء وكواكبها بسحر البادية الذي تغنى به كبار الشعراء وديار امرؤ القيس ليست بعيدة عنا، وعين ماء أمر بحفرها الخليفة عثمان بن عفان كما أورد ابن خرداذبه المكان في كتابه المسالك والممالك واليعقوبي والقاضي وكيع ومر ابني جبير وبطوطة وكلهم أعلام الترحال والتوثيق.
ولتنظيم إدارة القافلة تم تقسيم المشاركين إلى مجموعات لكل منها قائد بلون ملابس مختلف تعرف من خلاله يتولى متابعة حركة المشاركين والطعام والشراب ومناطق المبيت ونقل الأمتعة والحرص على السلامة، ناهيك على كرم الضيافة والجود في أرض أحفاد حاتم الطائي مضرب المثل عبر الزمان.
وكان لنا في المسار دروس بالتراث من بعض الرفقاء،
تعرفنا كيف يغلى الحليب بحجر المرو الأبيض وكيف يستهدي إلى ثمار الكماء الطيب وأين ينبت ومعرفة سلالات الإبل حين كنا نمر عليها وأسماء المناطق والنباتات والكثير منه يتشابه مع ما تجود به أرض بلادنا مع اختلاف التسمية للبعض منها.
سحر الجيولوجيا
بالاضافة إلى شواهق الجبال وما علت أكتافها من رمال ذهبية ذرتها الرياح تبارى عليها محترفين قيادة سيارات الدفع الرباعي مع إتاحة المجال للمشاركين بتجربة تسلق الكثبان بسرعة بعد ارتداء الخوذة وحزام الأمان لضمان السلامة، ومن مشاهدات الدرب التي حضينا بها فوهة أحد البراكين والجبل المخروق قرب توز الذي يعتلي قمته جسر حجري ، وعن الأصل الجيولوجي استشرنا الخبير الأستاذ. خالد المومني بمشاهداتنا حيث قال : إن حائل تقع على الحافة الشمالية الشرقية من الدرع العربي – النوبي ( صخور ما قبل الكامبري) تكون فيه صخور نارية جوفية في الغالب من الجرانيت يتخللها بعض الهضاب والفوهات البركانية وشرق حائل تتكشف فيها صخور الرف العربي، وأكبر الفوهات البركانية هناك فوهة الهتيمة.
لإحياء التراث
ويشار إلى أن الدرب يبلغ طوله 1400 كلم سواده الأعظم يمر في المملكة العربية السعودية عابرا الحدود الشمالية من العثامين مرورا بالقصيم وحائل إلى المدينة ومكة بميقات ذات عرق متخللا مهد الذهب ووادي العقيق، كان قد وثقة كبار الرحالة العرب والمستشرقين وأفردوا له فصول في كتبهم ومراجعهم، حيث تعكف المملكة على إدارجه ضمة قائمة التراث العالمي الإنساني "اليونسكو" وهو بحق يعد إرث تاريخي كان ممرا بريا يصل إلى بلاد الرافدين والهند والسند وخرسان، ويجتمع فيه كامل مقومات سياحة المغامرة والمعرفة والإكتشاف لتنوعه الجيولوجي والفطري من غطاء نباتي وتعدد موائل الحياة البرية والأثر التاريخي الذي لم يندثر ضمن مناطق مأهولة محافظة على عمقه التاريخي وسلامته دون شوائب بشقيه المادي والغير مادي.