المسألة الدرزية في الجنوب السوري وتداعياتها أردنيّا
حسن جابر
17-03-2025 12:28 AM
منذ الساعات الأولى لسقوط نظام الأسد في سوريا، انتهزت إسرائيل ما اعتبرته لحظة مناسبة، وتبنت استراتيجية جديدة شمال الجولان السوري، حيث عززت من وجودها العسكري بكسر خط الهدنة لسنة 1974، وباشرت العمل على إنشاء بنية تحتية عسكرية تعزز وتديم من هذا الوجود المسلح، ومؤخرًا، اتجهت الحكومة الإسرائيلية نحو تبني نهج مختلف يتمثل في التصريح برفض وجود قوات وزارة الدفاع السورية الجديدة جنوب دمشق، والترويج لسياسة استقطابية تهدف إلى تعبئة القوى الاجتماعية الدرزية، وذلك لتعميق حالة الانقسام والتشظي ما بين المكونات السورية من بوابة الطائفية، و”حماية الأقليات” كمدخل لشرعنة وجودها العسكري في سوريا.
وفيما يظهر أنه محاولة لكبح التطور الإيجابي في الواقع الجديد في سوريا، وفرص تحولها لدولة فاعلة بصورة معاكسة للدور الهش الذي ساد زمن نظام الأسد، وقطع الطريق أمام النفوذ التركي الجديد في سوريا، تتضح أبرز أهداف إسرائيل في الجنوب السوري، والذي تجسده في احتلال الأراضي السورية تحت غطاء السعي لإقامة منطقة عازلة شمال وشرق الجولان المحتل.
أمام ما سبق، يثير الانقسام في الموقف الدرزي من الرئاسة السورية الجديدة حالة من القلق والخوف في ظل التحركات الإسرائيلية الأخيرة في الجنوب السوري، خاصة بعد الإعلان عن تشكيل مجلس عسكري جديد في السويداء يناكف السلطة المركزية في دمشق، والتصريحات المتكررة لشخصيات دينية مهمة ومرجعية في المجتمع الدرزي خاصة الشيخ حكمت الهجري، والتصعيد الأمني في جرمانا، بالإضافة لمظاهرة 6 مارس/آذار والتي عاكست التيار في دمشق ورُفعت فيها صور موفق طريف المرجعية الدرزية في إسرائيل، ومؤخرًا محاولة اغتيال الشيخ سليمان عبد الباقي قائد تجمع أحرار جبل العرب المنفتح على دمشق.
وأخيرًا تصريحات الشيخ حكمت الهجري التي يرفض فيها الإعلان الدستوري الموقع مؤخرًا، بالإضافة لزيارة وفد مكون من نحو 100 شخصية من دروز سوريا للجولان، وهي مؤشرات متعددة تضفي المزيد من التعقيد والحساسية على المشهد الحالي في الجنوب السوري.
وحيث يتوزع مركز الثقل بين القوى الاجتماعية المتصدرة لتمثيل الطائفة الدرزية في سوريا، ما بين عدة أطراف رئيسية دينية وعسكرية وسياسية ومجتمعية؛ يزداد القلق من تعميق الانقسام الدرزي لصالح إسرائيل، وهو ما يثير التساؤلات حول ارتداد ذلك على وحدة واستقرار سوريا، وبدوره على الأمن الوطني الأردني بشكل خاص، انطلاقًا من تعريف الجنوب السوري واستقراره كمصلحة عليا في المجال الحيوي للأردن، وكحلقة وصل رئيسية لمواصلة الانفتاح والتفاؤل المستمر منذ سقوط نظام الأسد الذي أرهق الأردن تاريخيًا، ومصير فرص البناء على التحول الإيجابي الأخير في سوريا.
المجتمع الدرزي أمام مفترق طرق
بتاريخ 24 فبراير/شباط، أعلنت مجموعات درزية مسلحة في السويداء تشكيلها لـ “المجلس العسكري في السويداء” بقيادة طارق الشوفي[1] وسامر الشعراني[2]، في خطوة تزامنت مع تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول حماية الدروز في جنوب سوريا. أثار هذا الإعلان جدلًا وانقسامًا داخل السويداء، حيث اعتبره البعض مجلسًا غير شرعي، ونفى الشيخ حكمت الهجري دعمه له. لاحقًا، أصدر المجلس بيانًا أكد فيه عدم وجود نوايا انفصالية، مشددًا على هدفه في حماية الطائفة ووحدة سوريا، وسياسيًا يظهر تكامل هذا المجلس العسكري مع تيار سوريا الفيدرالي السابق برئاسة الشوفي أيضًا، والذي تأسس في ديسمبر/كانون أول 2023.
كما يتكامل مع المجلس تشكيلات عسكرية أصغر تأسست مؤخرًا في فبراير/شباط 2025، تحت مسميات: “قوات النبي شعيب” و”بيرق سليمان بن داود”[3]، في حين ساد تصور عن وجود قنوات تواصل قد ترقى للتنسيق مع قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، حيث انتشرت مزاعم حول ارتباط المجلس العسكري بالفصائل الكردية بسبب تشابه شعاراته مع قوات سوريا الديمقراطية، لكن لا توجد أدلة قاطعة على هذا التعاون، إلا أنه نفي العلاقة بالكلية يبقى متعذرًا منطقيًا، فيما يظهر أن هذا التنسيق قد تراجع إن لم يكن انتهى بإعلان توقيع اتفاق التفاهم ما بين أحمد الشرع ومظلوم عبدي.
تتجاوز الأزمة الدرزية الحدود السورية، إذ أدى تصاعد الخلاف والتدخل الإسرائيلي إلى استنفار في المختارة، مقر الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط، وأُعلن عن اجتماع طارئ للمجلس المذهبي الدرزي، خرج منه جنبلاط باتهام شيخ عقل الدروز في إسرائيل، موفق طريف، بمحاولة احتكار التمثيل بدعم صهيوني، محذرًا من خطورة الوضع ومقارنًا إياه باتفاق 17 مايو/أيار 1983. ورغم تركيزه على لبنان وسوريا، استثنى الدروز في فلسطين باعتبار أن لهم وضع خاص في خطابه ولن يتحدث عنهم. وتشير معطيات إلى أن استنفاره يتجاوز تصريحات نتنياهو الأخيرة بشأن دروز سوريا.
المجتمع الدرزي في سوريا بين قيادات
يعتبر المجتمع الدرزي في السويداء من أبرز المكونات التي تلعب دورًا مهمًا في نسيج المجتمع السوري، حيث تعتبر المحافظة المركز الأهم لهذه الطائفة، بالإضافة للانتشار في ريف دمشق وأجزاء متفرقة أخرى في المحافظات الشمالية، كما ينتمي الدروز للرابطة الأوسع في الشرق الأوسط حيث يتوزع هذا المكون في كل من إسرائيل والأردن ولبنان، وهو ما يعقد من طبيعة المرجعية الروحية العابرة للحدود، وتزيد من فرص الاستمالة والاستقطاب الخارجي أو التسييس، بالإضافة لاعتبار سكان السويداء من المسلحين، وتنتشر عدة قوى اجتماعية تقوم عمليًا بفرض الأمن والسلم الأهلي في المحافظة.
سبق سقوط نظام الأسد احتجاجات عارمة في المدينة تسبب في إشعالها عدة عوامل رئيسية مردها تراجع أفق الحريات العامة وتردي مستوى المعيشة والفقر، ومع إسقاط نظام الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024؛ وجد الدروز أنفسهم أمام مفترق طرق قد يحدد مصير الطائفة في سوريا الجديدة، حيث انفتحت الإدارة الجديدة على المكونات ووصلت عدة وفود من مختلف المحافظات بدمشق والتقت بأحمد الشرع قائد الإدارة الجديدة حينها -قبل تنصيبه رئيسًا انتقاليًا في 30 يناير/كانون الثاني 2025-، وكان من الفئات الدرزية المنفتحة على دمشق كل من حركة رجال الكرامة ولواء الجبل وتجمع أحرار جبل العرب بشكل خاص، وأبدت هذه القوى الاجتماعية المسلحة تعاونًا كبيرًا مع المركزية في دمشق، كما لم يتم إغفال الإطار الإقليمي للمسألة الدرزية، حيث استقبل أحمد الشرع وليد جنبلاط في دمشق بعد أسبوع من سقوط النظام مبكرًا، وتحمل العلاقة درجة مهمة من التفاهم حيث صرح الأخير بنيته زيارة دمشق مجددًا.
أمام هذه الحالة، يتبنى التيار الدرزي الآخر موقفًا معارضًا لمركزية دمشق، ويتمركز هذا التيار روحيًا حول الشيخ حكمت الهجري بشكل رئيسي، حيث أخذت مواقفه منحنى تنازلي منذ سقوط النظام، بدءًا بالتأكيد على وحدة سوريا عقب السقوط، وصولًا للتسريبات الأخيرة التي تفيد بلقاء خلدون الهجري، القريب من الزعيم الديني في السويداء حكمت الهجري وممثّله في الخارج، بمسؤولين أمريكيين في واشنطن خلال شهر فبراير/شباط الماضي. وجرى اللقاء بصفته “ممثّلاً سياسيًّا للشيخ حكمت الهجري”، حيث قدّم خطة لتنفيذ تمرّد مسلّح ضد حكومة أحمد الشرع، تقوده قوات مرتبطة بحكمت الهجري في السويداء، بمشاركة قوات سوريا الديمقراطية في شرق البلاد ومجموعات علوية من الساحل السوري، وبدعم إسرائيلي، وفقًا لما طرحه خلدون الهجري خلال تلك الاجتماعات، فيما لا يزال الموقف الأميركي غير موافق على هذه الأطروحات بشكل رسمي[4].
كما أدت كلمة مرئية مسجلة للشيخ الهجري إلى رفع تصعيد الأوضاع، وفيها صرح بأن: “لا وفاق ولا توافق مع السلطات في دمشق”، مشددًا على موقفه الرافض للسلطة الحاكمة. وخلال لقائه بعدد من الأشخاص، أكد الهجري التزامه بالعمل لما هو مناسب للطائفة الدرزية، واصفًا حكومة دمشق بأنها “متطرفة ومطلوبة للعدالة الدولية”. وأشار إلى أن المرحلة الحالية تُعدّ حاسمة، قائلاً: “نحن في مرحلة نكون أو لا نكون”، مضيفًا أن أي تساهل في هذا الأمر غير مقبول، باعتباره حقًا مشروعًا للطائفة. وفي تعليق له على أحداث الساحل السوري الأخيرة، أعرب عن أسفه تجاه أبناء السويداء الذين، حسب وصفه، “يبيعون دماء وكرامة أهلهم في الساحل”[5].
فيما يتضح أن هناك تباينًا بين مشيخات عقل الدروز الثلاث في السويداء حكمت الهجري، وحمود الحناوي، ويوسف جربوع، حيث تشير لقاءات تلفزيونية ظهرت من خلالها هذه المشيخات إلى حالة من التفاوت في الرؤية تجاه الحكومة الجديدة وتجاه دور المحافظة في سوريا الجديدة، إلا أن الأكثر وضوحًا هو وجود تنسيق مرتفع يجمع دمشق مع القوى الاجتماعية الدرزية كرجال الكرامة وغيرها، في حين تتجلى الإشكالية الأبرز في كون هذه القوى تفتقر للبعد الروحي الديني للقدرة على التأثير واسع النطاق في المجتمع الدرزي، حيث تستمر الشخصيات الرئيسية لهذه القوى ببث التطمينات عبر المقابلات التلفزيونية حول استمرار التنسيق والتفاهم مع دمشق، دون تأكيد الوصول إلى اتفاق، إلا أن التحدي يظهر في مدى القدرة والنفوذ في عموم الشارع الدرزي.
الدور الإقليمي في تسوية المسألة الدرزية
تظهر عدة أوراق قوة ومداخل للحكومة السورية الجديدة، ولدول الجوار السوري لكبح الجماح الإسرائيلي في الجنوب السوري، ومنع انتقال كرة النار نحو فرص الاستقرار السياسي والانتعاش الاقتصادي والتماسك المجتمعي في سوريا، لا سيما مع حجم القضايا العالقة الكبيرة كالانتقال السياسي وإدماج المكونات، والتي تحتاج وقت طويلًا لبحثها وتسويتها بطبيعة الحال، إلا أن الأهداف الإسرائيلية في إدامة سوريا ممزقة وضعيفة، وشرخ النسيج المجتمعي يتطلب حراكًا عربيًا دوليًا عاجلًا، خاصة أن القضايا من هذه النوع المتصلة بالهويات الفرعية ومسائل المكونات المجتمعية إن لم تعالج؛ ستفضي إلى تداعيات سلبية وبعيدة المدى، وقد ينبثق عنها معضلة استقرار تتركز بلا تسويات لفترات طويلة من الزمن.
تتجلى قضية الطائفة الدرزية والجنوب السوري كمفاجأة ذات بعد سلبي للأردن بشكل خاص، لا سيما أنها تتزامن مع الفرص الواعدة في المشهد الجديد في سوريا ولبنان كبدائل منطقية لتعزيز الواقع الاقتصادي الأردني أمام التحولات الأميركية والضغوط المفترضة في القضية الفلسطينية إذا ما تكرر سيناريو “صفقة القرن” مع عودة ترامب. هذه الفرص تتجلى سواء عبر الربط الكهربائي، وتصدير السلع والخدمات، وصولًا إلى الاستفادة من فرص إعادة الإعمار التي لن تحدث دون استقرار حقيقي في الأراضي السورية، مما يضع مجموعة من الخيارات أمام الأردن للعب دور قد يفضي باتجاه تهدئة أو حل الأزمة:
1- الوساطة البناءة لنزع فتيل الأزمة: تبرز أهمية الوساطة الأردنية لنزع فتيل الأزمة ومنع تطورها للنزاع ما بين دمشق والدروز، فمن الأطراف المؤهلة على لعب دور وساطة بالغ الأهمية؛ الأردن ثم لبنان، وبما يتكامل مع المواقف الرسمية إلى الدور المباشر لخفض التصعيد، ويتضح من الخبرة التاريخية في الأردن الذي تربطه أواصر علاقات تاريخية مع الدروز في سوريا، تندرج تحت حُسن الجوار والترابط العشائري مع الدروز في شمال الأردن، والاحترام الكبير الذي تكنه القوى الاجتماعية الدرزية للأردن، وهو ما يعتبر مدخلًا لاستمالة المكونات الدرزية غير المتوافقة مع دمشق، وإضعاف التوجهات المعارضة للاندماج والتي يتكرر فيها اسم الشيخ الهجري، وهنا تتضح عدة مصالح يمكن اعتبارها أوراق قوة للأردن في المشهد السوري، عوضًا عن الاستغلال الإسرائيلي لمسألة الدروز وحالة الاستقطاب المستمرة. وربما يؤدي التفكير بجدية في فتح معبر حدودي ثالث مع سوريا في السويداء إلى دعم هذا الطرح، وتليين الموقف الدرزي مع دمشق، خاصة إذا ما تم التأكيد على أن هذا التقدم يتم بالتنسيق مع الرئاسة السورية لإدامة مركزية دمشق في الجنوب السوري، ولمنع فتيل الأزمة الدرزية.
2- الضغط باتجاه الحقوق الدرزية مع السلطة في سوريا، لا سيما أن التأكيد على حقوق المكونات وخاصة الدروز بالهوية الثقافية الخاصة بهم سيخفض من حدة التوتر القائم حاليًا، كما أن تدعيم فكرة تسليم الأمن المحلي في السويداء للقوى المحلية بتنسيق وإشراف دمشق وتحديدًا رجال الكرامة ولواء الجبل وفق شعار وزارة الدفاع السورية، بالزي الرسمي والمركبات الخاصة بالوزارة يعتبر الخيار الأنجح في هذه المرحلة، فمن جهة يؤكد على الدور المركزي للحكومة السورية، ومن جهة أخرى يخفض من مستوى حساسية المدنيين والمكونات المحتقنة تجاه وزارة الدفاع.
بالإضافة لذلك، تتضح أهمية الإدماج السياسي لاحتواء المكون الدرزي في إطار النظام السياسي الجديد في دمشق، فقد يؤدي إعادة التفكير في مناصب عليا لبعض القيادات الدرزية المعتدلة (في مواقفها إزاء الإدارة الجديدة في دمشق) داخل السلطة التنفيذية على مستوى الوزارات أو الدور الاستشاري، إلى تعزيز التنوع في الإدارة والحكم خلال المرحلة الانتقالية على أقل تقدير، وخفض انتشار سرديات “اللون الواحد” التي راجت مؤخرًا.
3- تعزيز التفاهم مع المرجعيات الروحية: مع افتراض وجود طموح سياسي لدى الشيخ حكمت الهجري يتجاوز البعد الروحي الديني، فمن المهم التفاهم مع هذا الطموح واحتوائه في هذا المرحلة، وهنا تبرز أهمية اللقاء المباشر الذي إن جمع قيادات الحكومة الجديدة في دمشق مع الشيخ الهجري؛ سيؤدي إلى بحث ماهية رؤيته ومدى القدرة على تنفيذها أو التفاهم عليها لمنع التصعيد المستمر، وقطع الطريق أمام الاستغلال الإسرائيلي للمشهد الحالي في سوريا.
أما في حال تعذر هذا التفاهم؛ فربما يؤدي رفع وتيرة التنسيق مع كل من الشيخ يوسف جربوع والشيخ حمود الحناوي إلى تعزيز التفاهم مع دمشق، وخفض مستوى وقدرة الشيخ الهجري على التأثير في الشارع الدرزي، لا سيما أن هذه المشيخات أقرب للقوى الاجتماعية المنفتحة على دمشق، وهو ما ينبغي البناء عليه.
3- تسوية القضايا العالقة مع الفصائل في درعا: إن الفصائل العسكرية المسلحة في درعا تتوسط جغرافيًا ما بين القنيطرة حيث باتت تنشتر قوات الاحتلال الإسرائيلي وما بين السويداء، ويقصد بالتنسيق المباشر هو أهمية تسريع عملية انضمام هذه الفصائل وفق مبدأ الصهر لا الادماج في وزارة الدفاع السورية، وأبرز هذه الفصائل هو اللواء الثامن بشكل خاص، وبقية الفصائل كاللجان الشعبية والمركزية السابقة.
فمن المفترض أن يؤدي الانصهار التام لفصائل درعا برؤية منسجمة لخلق منطقة عازلة تطبقها دمشق في درعا، بحيث تقطع الطريق على إسرائيل والمنفتحين عليها من الدروز، فالاعتبار الجيوسياسي يلعب الدور الأبرز في تعقيد رؤية الاحتلال الإسرائيلي في السويداء تحديدًا، ومنع تحول الجنوب السوري لمحطة إسرائيلية ستفشل الوحدة السورية، وتزيد من الخناق على الأردن، وقد تفشل التجربة السورية ككل، إذ لا يتبعد انتقال المشهد للأطراف الأخرى في سوريا.
خاتمة
ختامًا، إن مستقبل المرحلة الجارية من عُمر سوريا يرتبط بشكل مباشر في الواقع الأردني أكثر من أي وقت مضى، فإذا ما استجد واقع جديد في الجنوب السوري تلعب فيه إسرائيل دور المخرب؛ فإن ذلك يعني تطويق الحدود الأردنية جيوسياسيًا بالقوات الإسرائيلية بجوار التهديد الكبير من إسرائيل غربًا في الضفة الغربية وخطر تهجير الفلسطينيين، كما سيعمق من حالة عدم الاستقرار في الجنوب السوري وهو ما يعني المزيد من انعدام الأمن على الحدود الأردنية مباشرة، حيث سيؤدي أي تصعيد في الجنوب السوري “الهش أمنيًا” إلى ارتدادات مباشرة على الأردن قد تبدأ بالعمل العسكري ولن تنتهي عند تصور ارتفاع حدوث لجوء تبعًا للإشكاليات الأمنية المتصورة.
كما أن هذا التوغل الإسرائيلي المفترض تصاعده في الجنوب السوري، سيؤدي لتطويق جغرافي للحدود الأردنية، وبالتالي لن يحرم الأردن من الفرص الواعدة كما تقدم فحسب؛ بل سيقطع كذلك فرص تفعيل عمق استراتيجي مهم للأردن شمالًا، إذ لا ينحصر هذا المحور بمصادر المياه في سد الوحدة أو بالربط الكهربائي أو فرص إعادة الإعمار المؤجلة، والتي يتعين على الأردن المنافسة بها أمام لاعبين رئيسيين في سوريا في مقدمتهم تركيا بطبيعة الحال؛ ولكن الفرص تمتد أيضًا لتشمل فتح التجارة بتسهيلات لم يشهدها الأردن منذ نصف قرن من الزمن، كالربط التجاري بأوروبا عبر الأراضي السورية، وكذلك الطرق نحو الموانئ السورية واللبنانية شرق المتوسط.
بذلك، تتضح أهمية ودوافع التواصل والتنسيق المستمر للأردن مع دمشق، وبحث فرص دور الوساطة البناءة حال طلبت من الأردن بشكل أو بآخر، سواء مع الشخصيات الدرزية، أو مع الفصائل المسلحة في درعا، إذ أن هذه المرحلة الجديدة في سوريا تتطلب أدوارًا تأهيلية من دول الجوار السوري ومنها الأردن بطبيعة الحال، خاصة أن تبني النهج الانعزالي والبقاء دون فعل سيفاقم من حجم التعقيد في الجوار الأردني، أو قد تنتج تسويات مؤقتة وهشة قد تتم بمعزل عن الرؤية الأردنية، لذلك ترتفع أهمية الاشتباك السياسي والدبلوماسي مع المشهد الحالي في الجنوب السوري، وهو ما قد تعول عليه الحكومة الجديدة في سوريا في هذه المرحلة الحاسمة.
معهد السياسة والتنمية