آليات تعزيز الثقة بين الحكومة و المواطن
أ.د. هيثم العقيلي المقابلة
16-03-2025 08:31 PM
تهدف الحكومات الى خدمة المواطن ضمن أهداف قريبة و أخرى بعيدة الأمد ضمن حدود السيادة الوطنية و الامكانيات المتوفرة لها. بالتالي فإن الحكومة تطمح لبناء و تعزيز الثقة بين المواطن و مؤسساتها.
الحقيقة أن الحكومة الحالية تعتبر من الاكثر مهنية و تركيز على الافعال اكثر من الوعود. لكن استعادة ثقة المواطن تحتاج الى اقتسام المعلومة و الحوار من خلال رسائل تبعثها الحكومة تخاطب العقل الباطن للمواطنين لتحسين الصورة النمطية السلبية التي شكلتها سنوات سابقة و اعلام موازي شعبوي ركز على طرح السلبيات.
ما يحدث أحيانا أن أفرادا او مؤسسات قد لا تستطيع تسويق قرارتها و أقوالها و أفعالها للمواطنين و ذلك لغياب الفهم العميق لآلية تفكير الجماهير القائمة على العواطف و العناوين مقارنة بالنخب القائمة على المنطق و التفاصيل مما يخلق أحيانا فجوة لا لزوم لها تقلل من قيمة انجاز الحكومات في وعي المواطن و تضعف جسور الثقة.
أطرح هنا بناءا على فلسفة برمجة العقل الباطن و التفكير الاجتماعي بعض الآليات التي تساعد على تغيير رؤية المواطن للحكومة حتى لا يترك للتيارات الشعبوية او العدمية التي تدفع لتفكير المواطن بتغيير حكومته او انتظار زوالها.
المجال الصحي: يتعامل كل مواطن مع القطاع الصحي بشكل مباشر او غير مباشر يوميا تقريبا لنفسه او اطفاله او اقربائه و بالتالي فإن اي تحسن على نقاط تماس المواطن مع القطاع الصحي تنعكس عليه مباشرة و تعتبر أقسام الطوارئ هي الفيصل في تقييم الرضا و الثقة بين المواطن و الحكومة حيث أن العيادات و العمليات المجدولة لها تأثير محدود في العقل الباطن للفرد. هنالك إجراءات و تحديثات محدودة الكلفة قادرة على القفز برضا المواطن و بتكلفة لا تتجاوز 3 ملايين دينار لكل محافظة (ما عدا عمان) و يمكن جدولة تلك التحسينات على عدة سنوات. في المقابل فإن الحكومة الاردنية تنفق بشكل ممتاز على القطاع الصحي حاليا و لا نرى أثرا قويا في رضا المواطنين.
المجال الثقافي: تم اختزال عمل وزارة الثقافة في مظاهر الثقافة في حين أنها هي المعنية ببناء رؤية متكاملة تخاطب آلية تفكير الافراد بحيث تعزز الوسطية و التفكير النقدي العقلاني و تعزز الوحدة الوطنية. اختزال الثقافة بالنوادي و الجمعيات الفنية و الأدبية غيب تأثيرها عن الغالبية العظمى الغير معنية بذلك. في حين أن الطريق الثاني هو استخدام الفنون و وسائل التواصل لمخاطبة العقل الباطن للافراد ليخدم الاهداف التي تسعى اليها الحكومة. حيث أن اغلبية الشعب ليست قارئة بعمق فإن دور الفنون خصوصا الفيديوهات القصيرة و وسائل التواصل لم يعد ترفيهيا فقط بل هو الية التواصل المباشرة مع المواطنين لتغيير رؤيتهم للواقع كما تراه الحكومة و بما يعزز الهوية الوطنية للمواطنين من شتى الاصول و المنابت بحيث يتم التركيز و تعظيم ما يجمع و ليس ما يفرق.
القطاع الشبابي: على الرغم ان المشكلة الاساسية للشباب هي البطالة و هذه طرحت فيها سابقا اقتراحات محددة و لكن لا يجب ان نهمل ان الشباب عندهم مشاكل تعتبر بنظرنا بسيطة و لكنها تمثل لهم الكثير و هذه يمكن حلها بسهولة من خلال مكتب خاص لتواصل الشباب بحيث يتعامل مع الشباب و يحل المشاكل العادية اليومية من خلال بعض الاتصالات و هذه ستنعكس على رضا الشباب بشكل حتى اقوى من حل مشكلة البطالة لانها تخاطب المشاكل البسيطة التي تعني الشباب يوميا.
إن الدراسات في تطور السلوك البشري و آلية عمل العقل الباطن و الواعي حددت أن عاملي الثقافة (آلية التفكير) و الاقتصاد (آليات الانتاج) هي ما تحدد حياة المواطن اليومية و مستوى الثقة و الرضا مع الادارة السياسية المتمثلة بالحكومات. لذلك فإن الشعور بعدم الرضا سيفرض ثلاثة طرق لتعامل المواطن و المجتمع مع ذلك الشعور الذي يسبب عدم توازن معرفي و ضغط على العقل الباطن فإما أن ينتهي بتغيير رؤية المواطن لواقعه أو يميل الى السلبية و اللامبالاة أو يميل لتغيير الواقع بالقول او الفعل. حيث ان عقلنة تفكير المواطن بحيث يغير رؤيته للواقع ضمن امكانيات دولته و مواردها المحدودة و الاخطار و الاطماع التي تحيط بها هو الطريق الامثل لحفظ الاستقرار و الامن فهنا تصبح قدرة الحكومة لتفعيل ذلك و تعزيز الثقة بينها و بين المواطنين.