facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




أمانة عمان وصناعة البطيخ والشمام


صالح سليم الحموري
16-03-2025 03:57 PM

استفزني اليوم خبر أن "أمانة عمان تفتح باب طلبات تصاريح بيع البطيخ والشمام ". ففي عالم الاقتصاد الحديث وحكومات المستقبل، لم تعد المدن الكبرى تقتصر على دور الجهة المانحة للموافقات والتراخيص، ولم يعد دورها يقتصر على التفاعل السلبي مع المتغيرات، بل أصبحت محركات للنمو الاقتصادي وقوى دافعة للتحول الاجتماعي والتنموي.

أمانة عمان الكبرى، باعتبارها القلب النابض للعاصمة الأردنية، تواجه اليوم تحديًا استراتيجيًا جوهريًا: كيف تتحول من مجرد جهة تنظيمية تصدر التصاريح إلى قوة محفزة لاقتصاد منتج ومستدام؟ كيف يمكنها أن تكون عنصرًا فاعلًا في خلق الفرص، ودعم الصناعات المحلية، وتطوير حلول اقتصادية مبتكرة بدلًا من الاستمرار في نمط الإدارة التقليدية التي لم تعد تلبي متطلبات المدن الذكية والمستقبلية؟
لقد حان الوقت لإعادة تعريف دور أمانة عمان، ليس فقط كمنظم، ولكن كـ مُمكّن اقتصادي وصانع تغيير، فبدلًا من منح تصاريح بيع البطيخ والشمام، أليس من الأجدى التفكير في كيفية دعم صناعات غذائية متكاملة تستفيد من الإنتاج المحلي وتخلق فرص عمل جديدة؟ أليس من الأجدر أن تكون هناك رؤية اقتصادية للمدينة تستثمر في الابتكار، والاستدامة، وتمكين المشاريع الصغيرة بدلًا من الاكتفاء بتنظيم الأسواق الموسمية؟

المدن الكبرى حول العالم تبتكر وتتصدر مشهد الاقتصاد العالمي، بينما لا يزال البعض غارقًا في التصاريح والموافقات، فمتى تنتقل عمان من إدارة الروتين إلى قيادة التنمية الحقيقية؟

في التجربة الصينية، التي تحولت من دولة زراعية فقيرة إلى واحدة من أقوى الاقتصاديات في العالم، كان السر في تغيير نموذج التفكير من التركيز على الاستيراد والاستهلاك إلى الإنتاج والصناعة. المدن لم تكتفِ بإدارة الشوارع والمباني، بل أصبحت مسؤولة عن بناء اقتصاد منتج يشجع على الاستثمار الصناعي وخلق فرص عمل مستدامة.

فهل يمكن لأمانة عمان أن تتعلم من هذه التجربة؟ كيف يمكن أن تتحول من دورها التقليدي كجهة تنظيمية إلى جهة تمكّن وتدعم؟ هنا تأتي فكرة صناعات قائمة على "البطيخ والشمام" كنموذج رمزي، يعكس الحاجة إلى التفكير في استراتيجيات اقتصادية جديدة بدلًا من الركون إلى دور تنظيمي محدود.

البطيخ والشمام ليسا مجرد فواكه صيفية، بل يمثلان نموذجًا مصغرًا لاقتصاد يمكن تطويره إذا توفرت له البنية التحتية المناسبة، والتشجيع الصحيح، والتحفيز الذكي. في الماضي، كان الفلاحون الأردنيون ملوك إنتاج هذه المحاصيل، وكانت عمان سوقًا إقليمية لها.

ولكن مع تغير الظروف الاقتصادية، وتراجع دعم الإنتاج المحلي، أصبحنا أكثر اعتمادًا على الاستيراد بدلًا من الإنتاج.

لكي تتحول أمانة عمان إلى محرك اقتصادي حقيقي، لا بد لها من تبني فكر المدن المنتجة، حيث لا تقتصر وظيفتها على منح التراخيص والتنظيم الإداري، بل تمتد إلى دعم المشاريع الإنتاجية وتشجيع الصناعات المحلية. تخيلوا مدينة لا تكتفي بفرض رسوم على الأسواق، بل تستثمر في إنشاء مناطق صناعية صغيرة ومتوسطة داخل حدودها، بحيث تصبح هذه المساحات مصانع إنتاج فعلية بدلًا من مجرد مستودعات لتخزين السلع المستوردة.

لكن الدور لا يقتصر على الفكرة وحدها، بل يحتاج إلى استثمار ذكي في البنية التحتية الصناعية، بحيث يتم تقديم حوافز استثمارية للمزارعين والمصنعين المحليين لدفع عجلة التصنيع الزراعي. يمكن للأمانة، على سبيل المثال، أن تدعم إنشاء صناعات تحويلية زراعية تعزز من قيمة المنتجات المحلية، وتساعد في بناء شبكات نقل وتخزين حديثة تُمكّن الأردن من تصدير منتجاته الزراعية بكفاءة، بدلًا من الاعتماد على الاستيراد المكلف.

ولأن الزراعة لا تقتصر على الحقول، بل يمكن أن تتحول إلى اقتصاد مستدام، فإن تحفيز الصناعات الغذائية المحلية يمثل خطوة جوهرية في هذا التحول. لماذا يكتفي المزارع ببيع محصوله خامًا، بينما يمكن للأمانة أن تدعم حاضنات أعمال زراعية تساعد في تحويل الإنتاج إلى سلع ذات قيمة مضافة؟ تخيلوا لو أن الفواكه المحلية تحولت إلى عصائر طبيعية، مربيات، أو حتى منتجات مجففة تحمل علامة "صنع في عمان"، كم من الفرص الاقتصادية يمكن خلقها من خلال دعم بسيط في التمويل والتدريب؟

لكن النجاح في هذا المسار لا يتحقق دون شراكات استراتيجية مع القطاع الخاص، لا يمكن لعمان أن تنهض بمفردها، بل يجب أن تسعى إلى توقيع اتفاقيات مع الشركات المحلية والدولية لإنشاء مصانع تعليب وتغليف حديثة تدعم المنتج المحلي، وتفتح أمامه آفاقًا جديدة في الأسواق الإقليمية والعالمية. وبالتعاون مع الجامعات والمراكز البحثية، يمكن تطوير تقنيات زراعية حديثة تجعل الإنتاج أكثر كفاءة واستدامة، بدلاً من الاعتماد على الطرق التقليدية التي قد تعيق القدرة على المنافسة.

أما التحول الأكبر، فهو في إعادة التفكير في ريادة الأعمال الزراعية، لماذا لا تمتلك عمان سوقًا رقمية مدعومة من الأمانة، تربط المزارعين مباشرة بالمستهلكين دون الحاجة إلى وسطاء، مما يمنحهم تسعيرًا عادلاً ويعزز من استدامة إنتاجهم؟ ولماذا لا تطلق الأمانة مبادرات تعليمية لنشر ثقافة الزراعة الحضرية والصناعات الصغيرة بين الشباب، بحيث يصبح هذا القطاع جاذبًا للاستثمار، بدلاً من كونه قطاعًا يواجه الإهمال والانكماش؟

الفرص كثيرة، والتغيير ممكن، لكن الأمانة بحاجة إلى رؤية جديدة تتجاوز مجرد إدارة الأسواق إلى خلق اقتصاد حقيقي يدعم الإنتاج المحلي، ويوفر فرص عمل، ويحول عمان إلى نموذج للمدن المنتجة في المنطقة.

التحول الاقتصادي ليس مجرد قرار سياسي أو إداري، بل هو تحول في العقلية وطريقة التفكير. إذا استمرت أمانة عمان في التعامل مع التنمية الاقتصادية بعقلية الجهة المنظمة فقط، فلن تتغير المعادلة كثيرًا. لكن إذا تبنت دورًا رياديًا، ورأت نفسها كـمحفز للتنمية وليس مجرد جهة مانحة للتصاريح، فإن عمان يمكن أن تحقق قفزة نوعية وتصبح نموذجًا يحتذى به في دعم الصناعات المحلية، تمامًا كما فعلت المدن الكبرى في العالم.

قد يكون "البطيخ والشمام" مجرد رمزين، لكن الفكرة وراءهما ليست زراعية فقط، بل اقتصادية وتنموية، عمان يمكنها أن تكون أكثر من مجرد مدينة تدير الشوارع والتنظيم، بل مدينة تصنع الفرص وتبني المستقبل.

فهل نبدأ في "صناعة البطيخ والشمام"؟

* خبير التدريب والتطوير / كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :