حتى لو ضاعت المصلحة العامة .. "أوعه حدا يعلّم عليك"
محمود الدباس - ابو الليث
16-03-2025 11:24 AM
لطالما عاشت هذه البلاد على مبدأ غائر في النفس.. متوارث في السلوك.. نردده بوعيّ.. وبلا وعيّ.. "أوعه حدا يعَلِّم عليك".. وكأننا نعيش سباقاً أبدياً.. لا يقبل أن يكون فيه.. إلا متصدر واحد.. لا شريك له.. ولا ند.. فتجد الفرد في أبسط شؤون حياته.. يدافع عن صورته.. قبل أن يدافع عن حقه.. يحرص على أن يُنسب إليه الفضل.. ولو لم يكن صاحب الجهد.. يتجنب أن يُشار إلى تقصيره.. حتى لو اضطر إلى طمس الحقيقة.. أو تحريفها..
هذه العدوى.. لم تبقَ حبيسة الأفراد.. بل تسللت إلى المؤسسات.. حتى صارت نهجاً رسمياً غير مكتوب.. تجد المسؤول الأول في أي دائرة.. يوصي مرؤوسيه قائلاً "إياكم أن يُقال إننا تأخرنا.. إياكم أن تُؤخذ منا الصلاحية.. يجب أن نكون أصحاب القرار والفضل والسبق".. فتضيع روح العمل الجماعي.. ويُختزل الإنجاز في دائرة واحدة.. تسعى للسطوة.. ولو على حساب مصلحة الوطن كله.. فتُحجَب المعلومات.. بدل أن تُتبادل.. وتُعرقل القرارات.. بدل أن تُنفَّذ.. ويُؤسَّس لمزيد من التعقيد.. بدل التبسيط..
وما يزيد الطين بلة.. أن هذه الفلسفة الأنانية.. لم تكتفِ بتشتيت الجهود.. بل أفرزت ظاهرة "تعدد المرجعيات".. فكل مؤسسة.. تريد أن يكون لها اليد الطولى في كل شيء.. حتى لو استدعى الأمر.. استحداث دوائر وهيئات.. تتداخل في الصلاحيات.. وتعيق الأداء أكثر مما تخدمه.. تشريعات تُفصَّل.. لتمنح النفوذ هنا وهناك.. وما إن يرحل مسؤول.. ويأتي آخر.. حتى يجد الدولة مكبلة بتداخلات إدارية.. وتشريعية.. لا يمكن فك عقدها بسهولة.. فتتحول المسألة.. إلى إرث ثقيل.. تراكم من الفوضى.. بدل أن يكون منظومة من التكامل..
وهكذا.. بدلاً من أن نكون دولة مؤسسات.. رشيقة.. متناغمة.. أصبحنا دولة.. تُثقلها المرجعيات المتناحرة.. والأيدي المتشابكة.. التي تُمسك كلٌّ منها بطرف من القرار.. دون أن تتركه.. فهل ما وصلنا اليه.. دولة حوكمة رشيدة؟!.. أم أننا أوجدنا دولة استعراضات سلطوية.. يغلب فيها مبدأ "لا يعلو أحد فوقي" على أي مصلحة أخرى؟!..
إن كنا نريد إصلاحاً حقيقياً.. فلابد أن نبدأ بتفكيك هذه الثقافة الموروثة.. لابد أن نُربّي أبناءنا على أن الفضل للعمل الجماعي.. لا للأفراد.. أن الإنجاز.. هو الهدف.
لا أن يُقال فلان فعل.. وفلان لم يفعل.. فالأوطان لا تُبنى بالتحايل.. ولا بالتنافس على الظهور.. بل تُبنى بمنظومة.. تعمل كيَدٍ واحدة.. تُسند بعضها بعضاً.. وتُحقق الهدف بصمت وفعالية.. دون استعراض.. أو تناحر على الأدوار..
اللهم اجعل مصلحة الأردن هي العليا.. فوق كل أنانية.. وأيادٍ تتصارع على الضوء.. بدل أن تتكاتف في البناء..