السبايلة يكتب : حتى لا نسيء فهم الديمقراطية
د. عامر السبايلة
28-06-2011 07:43 PM
حالة الحراك السياسي النوعي الجديد تشير الى دخول الحالة السياسية الأردنية في دورة حياة جديدة يبدو أن طابعها يشير الى تحول ملحوظ و نضوج في فكر المعارضة السياسية البناءة.
كثير من التحليلات السطحية تحاول اقناع دوائر صنع القرار بأن قياس الأعداد المنخرطة في الحراك السياسي الأردني يشير الى أن هذه الأعداد لا تمثل الا رقماً ضئيلاً و لا يمكن أن تشكل أي نوع من أنواع الثقل الحقيقي ضمن معادلة الضغط الذي يستوجب التغيير و التبديل للتكيف معه, و بالتالي فان الدولة غير ملزمة بأخذ الأمور على محمل الجد.
و هنا يخطىء تماماً من يصر على تقييم الأمور من المنظور الرقمي و يبقى يغفل و يسقط نوعية الحراك السائد و تطور أسلوبه و شعارته و حتى كلماته التي دخلت و بقوة الى قاموس السياسة الأردنية و كسرت الرتابة و التقليدية السياسية التي اعتاد الأردنيون عليها نتيجة لروتينية المشهد و اهتراء شخوصه و بعبارة أخرى نتيجة للافلاس السياسي الكامل.
اذاً فالحراك السائد اليوم هو حراك –بلا شك- نوعي لا كمي, و هذا ما يثبته أسلوب الحراك الجديد و الذي تثبت هتافاته الجديدة أن آلام و مشاكل الأردنيين باتت تشكل العنصر الأساسي لوحدة الفكر الأردني, و هنا اشارة واضحة الى بداية تشكيل معارضة سياسية حقيقية ذات طابع ايديلوجي. فهموم الأردنيين أضحت معيار الوحدة من الشمال الى الجنوب, و أحزانهم أصبحت محور أحاديثهم باختلاف لهجاتهم و لكناتهم, و امالهم بالوصول الى مشهد سياسي نقي و خالي من شوائب الفساد و الفاسدين هو الحلم الذي ما انفك يحتل قلوبهم و عقولهم.
اذا فحلم الديمقراطية الحقيقية بدأ يتجاوز خانة الخيال ليأخذ موقعه الطبيعي على أرض الواقع. و حتى يُبنى هذا النموذج بالطريقة الأمثل لا بد لنا من التركيز على أن تكون الأفكار و الهموم و الايديولوجيات هي الأساس الذي يؤسس عليه حراكنا السياسي. فحقبة الفرض و قرارات الغرف المغلقة و سياسات الاجحاف انتهت و ولت الى غير رجعة, الأردنيون أرسلوا اشارات واضحة ان حقبة الغُبن قد انتهت و انهم هنا ليحاكموا و يحاسبوا كل من أخطأ و يخطأ في حقهم و حق أرضهم. و ان السكوت على الظلم لن يستمر و ان التفريط في حقوقهم يستوجب عقاب المذنب كائناً من كان.
و لكن تبقى محاولات البعض بالتفاف على الديمقراطية و تشويهها من الأمور الأكثر تهديداً.
فأخطر ما يهدد البناء الديمقراطي هو التأثر و الانخداع ببعض النماذج السياسية و التي تصنف على أنها ديمقراطية و يتم تسويقها و محاولات محاكاتها و اسقاطها على النموذج الأردني. و للأسف فعند الحديث عن الديمقراطية العربية يبرز لبنان على أنه المثال الديمقراطي الأكثر نصاعة و نجاح. فبالرغم من أن المثال اللبناني هو مثال ديمقراطي هش و واهي نظراً لبعده عن فكرة الحزب السياسي الجامع و التكتلات الأيديولوجية الموحدة, فهو أقرب ما يكون الى التكتلات و التجمعات الاثنية و العرقية و الطائفية و الدينية حيث يتم قولبت و تجميل صورها لتبدو و كأنها كتل سياسية راسخة. و لعل تأزم و سخونة الساحة اللبنانية المستمرة و أجواء الحروب الأهلية الدائمة هي خير دليل على هشاشة هذه التركيبة و خطورة الوضع السائد المرشح جائماً للانفجار.
ما نريده اليوم هو بناء ديمقراطية حقيقية تكون الامال و الطموحات و الأفكار السياسية هي الأساس لتجمع و التقاء الأفراد, و تكون الأيديلوجية بغض النظر عن شكلها هي العامل الموحد و القاسم المشترك بين البناء و الحراك الوطني. فلا يمكن لنا أن نغفل حساسية الساحة الأردنية, و ان اللعب على العصبيات بشتى أشكالها لن يولد الا نتائج وخيمة ندفع ثمنها جميعاً جون استثناء. اذاً فلا بد لنا من حماية مستقبل الوطن عن طريق البناء الديمقراطي الحقيقي و لا بد ان تكون خارطة الطريق نحو الديمقراطية الحقيقية برعاية و مباركة رسمية و أن تكون الية الانجاز على رأس الأجندة الرسمية و بذلك تثبت الدولة للجميع أنها قادرة على القيام بدورها الطبيعي و التأقلم مع التغيرات و التحولات و يتم تبديد الشكوك واغلاق باب التأويلات .
amersabaileh.blogspot.com