نظرية البِليط .. هل هي منهج إدارة؟!
محمود الدباس - ابو الليث
14-03-2025 10:56 PM
في زقاق ضيق من أحياء المدينة القديمة.. حيث تتجاور البيوت.. كما تتجاور الأماني غير المكتملة.. جاء البِليط يحمل عدة الشغل.. وضع بعض البلاط في المطبخ.. ثم انتقل إلى غرفة النوم.. وتركها نصف مبلطة.. بعدها خرج واختفى.. يوم هنا.. ويومان هناك.. ثم عاد ليضع بضع قطع أخرى.. قبل أن يتلاشى مجدداً.. وحين سُئل عن هذا التبعثر في العمل.. رد بثقة.. "عندي أكثر من ورشة شغالة.. وما بدي أخسر أي زبون".. لكنه لم يدرك.. أنه بهذا الأسلوب لم يرضِ أحداً.. بل ترك الجميع في حالة تذمر واستياء.. حتى أنهى أعماله بعد شهور.. وهو يظن أنه قد أرضى الجميع.. لكنه في الواقع.. لم يُتقن شيئاً.. ولم يحظَ بشكر أحد.. وخرج بالسمعة السيئة..
وهنا يقفز السؤال إلى أذهاننا.. هل تدير حكوماتنا مشاريعها وفقاً لنظرية البِليط؟!.. مشاريع متفرقة.. ومنها المتشابهة.. في كل بقعة من أرض الوطن.. تبدأ في وقت واحد.. دون أن يُكتب لأيٍّ منها الاكتمال في وقته.. فلا منطقة حصلت على مشروع مكتمل.. ولا المواطن شعر بأن هناك إنجازاً يمكن البناء عليه.. كأن الحكومات تظن.. أن توزيع الموارد الشحيحة.. على مشاريع متعددة.. سيجعل الجميع سعداء.. لكنها في الحقيقة.. لا تُسكت أحداً.. سوى في لحظة الإعلان عن المشروع.. ثم يتحول الفرح إلى إحباط مع مرور الوقت.. ومع استمرار التوقفات.. وتأجيل الإنجاز بحجة توزيع الإمكانيات..
تخيلوا.. لو أن الحكومة قررت التركيز على مشروع واحد.. أو مشاريع بالمقدور اتمامها.. في كل مرحلة.. لتُنجزه على أكمل وجه في وقته المحدد.. وليكن طريقاً حيوياً.. أو مستشفى.. أو شبكة صرف صحي.. تخيلوا لو أنها أنهت مشروعاً واحداً من ذات النوع.. بشكل ناجزٍ.. بدلاً من ترك خمسة مشاريع متشابهة في حالة شلل.. كيف سيكون الأثر على الناس؟!.. كيف ستكون ثقتهم بما سيأتي؟!.. المواطن لا يطلب المستحيل.. لكنه يريد أن يرى نتيجة واضحة.. يريد أن يشعر أن منطقته لم تُترك كنصف غرفة لم تُبلط..
خذوا مثلاً.. طريق الستين "القدس عربية" في مدينة السلط.. الذي طال انتظاره.. بقي منه القليل لينتهي.. ويُخفف المعاناة عن آلاف المواطنين.. لكن.. بدلاً من التركيز على إنهائه.. نُقلت الميزانية لمشاريع أخرى.. لن تكتمل هي أيضاً.. فأصبحنا أمام مشهد عبثي.. طريق ناقص هناك.. وطريق معلق هنا.. فلا أهل البلقاء فرحوا بإتمامه.. ولا أهل المشروع الجديد نالوا مشروعهم كاملاً.. ولو أن الحكومة قالت بصراحة.. "سنكمل هذا أولاً.. ثم ننتقل إلى ذاك".. لكان الأمر أكثر قبولاً.. وإنصافًا..
ونفس الأمر مع صناديق النقابات المهنية.. التي تستنزف أموال المنتسبين دون عائد حقيقي.. هل الحل أن ننقل المشكلة إلى قطاعات أخرى؟!.. لنضخ اموالا فيها.. أم أن نواجه الأزمة بشجاعة.. ونضع حداً لهذا النزيف المستمر؟!.. معالجة الأمور بالتجزئة والترحيل.. لا تصنع حلولاً.. بل تخلق مشكلات جديدة.. في أماكن لم تكن تعاني أصلاً..
الحكمة في الإدارة.. ليست في محاولة إرضاء الجميع دفعة واحدة.. بل في القدرة على تحديد الأولويات.. وإتمام الملفات بشكل يبعث على الطمأنينة والثقة.. فمن يبدأ مشروعاً ويُنهيه في وقته.. يحظى بالتقدير والامتنان.. أما من يفتح عشرات الورشات.. دون إتمامها.. فهو كالبِليط الذي فقد سمعته.. وانتهى به الحال بلا زبائن.. وبلا إنجاز..
فهل ستبقى الحكومات على ذات النهج.. أم ستلغي نظرية البِليط من قاموسها؟!..