إسرائيل الحائرة وإفرازات الواقع الجديد
هزاع البراري
10-03-2025 12:53 PM
إسرائيل حائرة تماما، لكنها تحاول أن تتصرف عكس ذلك، فنتياهو استشعر مبكرا تعقيدات مرحلة ترامت، مدركا أن إسرائيل على غير ما يبدو هي أحد أبرز المتأثرين بسياسة وفهم ترامب لمصالح أمريكا في الخارج، وإنها - أي إسرائيل - أكثر من يستنزف أمريكا ماليا وعسكريا وأخلاقيا، كما هو حال أوروبا الآن مع أوكرانيا مع بعض الفوارق، فإن ما يقال في العلن وأمام الكاميرات مختلف، وربما أحيانا مناقض لما يقال ويقر في الغرف المغلقة، وما يؤكد ذلك استعجال نتياهو في التوصل لإتفاق الهدنة في غزة قبل تسلم ترامب السلطة، وهو الذي كان يتهرب من هكذا اتفاق، إذا هو هروب إلى الأمام، أراد أن ينهي الأمر بشكله الأساسي قبل تدخل ترامب المباشر.
ومن الواضح أن خطة ترامب بشأن غزة وهي أقرب إلى مشروع سياحي يهدف إلى تهجير أهلها، وذلك بوضع أمريكا يدها على القطاع بشكل مباشر، قد وقع وقوع الكارثة على نتياهو الذي تلقى الصدمة الأولى كونه أول من قابل الرئيس الأمريكي من المنطقة، ورغم عبارات الغزل والمديح التي تفوه بها نتياهو بشأن خطة ترامب في غزة، لكنه في واقع الأمر كان من أشد الرافضين لها، لكنه فهم أنها خطة غير منطقية وغير صالحة للتطبيق، وهو متيقن أن الفلسطينيين والعرب سيرفضونها، فنجح بالاصطياد في المياه العكرة للإسف، والحقيقة أن إسرائيل نتياهو التي خسرت مئات الجنود والضباط، وربما آلاف المصابين والمعاقين جسديا ونفسيا جراء الحرب على غزة، ناهيك عن الخسائر الاقتصادية، وسوء السمعة العالمية، والمحكمة الجنائية الدولية، وما واجهته الحكومة الإسرائيلية من مصاعب داخلية ومظاهرات مناوئة، وبعد كل هذه الكلف الباهظة، تؤل غزة لأمريكا ببساطة!، هذه خسارة ساحقة لن يقبل بها نتياهو ومن خلفه اليمين الإسرائيلي، ففي النهاية تفضل إسرائيل حماس في غزة على أمريكا في غزة، فوجود حماس مبرر لمواصلة الحصار والحرب وإبتزز العالم لصالح إسرائيل وهو ما تتقنه دائما، أما وجود أمريكا الحليف القوي والمهيمن في غزة سيكون مقتل لإسرائيل بشكل سافر، لكن نتياهو أدرك أنها خطة غير قابلة للحياة بأي شكل، لذا داعب خيالات ترامب ورحب بها إعلاميا ورفضها واقعا.
ولعل الأمور في لبنان وضعت إسرائيل في حيرة إضافية، فبعد الحرب الإسرائيلية عليها، والانقضاض على قيادات وكوادر حزب الله، وإيلامه عسكريا، وتم بعد ذلك توقيع إتفاق وقف إطلاق النار بشروط ترضي إسرائيل، غير أنه نتج عن ذلك تماسك لبنان، وترتيب أوراقه الداخلية بسرعة كبيرة، وتم إنتخاب رئيس للبلاد وتشكل حكومة جديدة نالت ثقة النواب، وبدأ حزب الله بتضميد جراحه واسترداد جزء من عافيته. هنا بدأت إسرائيل تعلن رغبتها بالبقاء في خمس نقاط إستراتيجية داخل الحدود اللبنانية، مخالفة بذلك بندو إتفاق وقف إطلاق النار، وهذا دليل على أن حسابات إسرائيل لم تكن بالدقة الكافية، وهذا ما ولد تخبطا وضحا في هذا الملف، ومازالت تعقيدات الجبهة اللبنانية وتفرض نفسها.
الوضع في سوريا غير مطمئن لإسرائيل، أن أبدت إرتياحها بسقوط نظام الأسد وأفول نفوذ إيران، فمازال الحكام الجديد في منطقة عدم الثقة بالنسبة إلى إسرائيل، وهي التي استغلت حالة اللادولة المؤقتة لتتمدد في المناطق المتاخمة للجولان المحتل، بحجة أمن إسرائيل، لكن من الواضح أن إسرائيل لا تمتلك خطة واضحة إزاء الواقع الجديد في سوريا، وهي تتصرف من منطقة رد الفعل اللآني، ولعل من بواعث الحيرة الإسرائيلية أيضا، توجساتها من النفوذ التركي، فهو يزعجها كما أزعجها النفوذ الإيراني، ورغم أن إسرائيل على علاقات تجارية وعسكرية جيدة مع الأتراك، إلا أن وجودهم في سوريا من خلال الإدارة الجديدة، لا يريح إسرائيل، فهي إستراتيجيا تريد تركيا شريكا بعيدا، ولا تقبل بها صاحبة نفوذ قريب من حدودها الشمالية الشرقية، هي لا تريد استبدال إيران بتركيا، فمن منظور مصلحة إسرائيل على المدى المتوسط والبعيد أن تبقى إيران وتركيا في البعيد عبر دول حاجزة وضعيفة.
لا شك أن الخطة المصرية / العربية أجهضت خطة ترامب في غزة، لكنها أيضا تخالف تطلعات وأهداف إسرائيل، وتضعف موقفها بشأن الهيمنة على القطاع، ونحن نعلم أن القطاع ضمن أطماع إسرائيل منذ خمسنيات القرن الماضي، ولكن ماذا ستفعل إسرائيل اتجاه كل هذا؟ ما هي خططها في المرحلة القادمة في الضفة والقطاع وفي الإقليم؟ أتوقع أن إسرائيل تدرك المأزق القادم، فهي تراقب مجريات وتطورات الأوضاع، وتستمر بالتصرف وكأنها تتحكم بكل شيء وهذا غير حقيقي.