العنف المدرسي في مجتمع مستقر!
د.عايدة أبو تايه
10-03-2025 09:31 AM
الحال أننا نواجه كل حادثة صادمة في المجتمع بقولنا إننا مجتمع مستقر، وأن هذا السلوك أو تلك الحادثة لا تمت لعاداتنا أو ديننا بصلة، مع أننا اليوم نشهد تغيرات جذرية بفعل التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي، تحديداً ما فرضته علينا ثقافة الفيديوهات القصيرة من أنماط جديدة من السلوك لا يمكن ضبطها أو السيطرة عليها بأدوات التربية التقليدية التي تعتمد على التوجيه القائم على "عيب، حرام، ولا".
إحصائيًا، يُظهر المجتمع الأردني انخفاضًا عامًا في معدلات الجريمة، إلا أن طبيعة بعض الجرائم أصبحت أكثر استحداثًا، خاصة خلال العقد الأخير، لقد شهدنا ازديادًا في جرائم المراهقين والشباب على سبيل المثال حادثة حرق الطالب في مدرسة الرصيفة! غير أن السلوك العنيف والتنمر بين المراهقين، سواء في ساحات المدارس أو في الشوارع، أصبح أكثر انتشاراً وأقرب إلى أن يكون سلوكاً اعتيادياً، وهو ما يمكن ملاحظته بسهولة عند مراقبة الطلاب مع انتهاء اليوم الدراسي.
في الواقع، يُعد السلوك الجرمي والانحرافي ظاهرة طبيعية في أي مجتمع، غير أن لكل مجتمع سياقاته الدينية، والاجتماعية، والاقتصادية، والتعليمية التي تستدعي تفسير وفهم وتحليل هذه السلوكيات المنحرفة أو الاجرامية وفقًا لتلك السياقات. مع التأكيد على أهمية الأبحاث العلمية التي تدرس السلوك الجرمي لدى الأطفال والمراهقين.
عودة على السياقات؛ من المعروف أن المجتمعات الإنسانية لديها قوة كامنة تتمثل بمجموعة كبيرة من القيم والعادات المشتركة المتفق عليها بين الناس والمستندة بشكل أساسي إلى الدين والثقافة، وهي في الحقيقة تعمل كآليات لضبط معايير السلوك إلا أننا كمجتمعات عربية ومحلية يجب أن نعترف بأن دورها الرقابي الفعلي صابه بعض الوهن والتراجع في مقابل تصاعد التكنولوجيا كعامل تنشيئي خاصة لجيل الاطفال والمراهقين، فلم يعد النهج التقليدي الذي يقتصر على التوجيه والتلقين باستخدام موجهات العيب والحرام كافياً في توجية السلوك وتعليمه للجيل الناشئ!.
يبدو واضحاً الضعف في دور هذه الميكانيزمات في مجال مواجهة سلوكيات العنف والتنمر بين الطلاب في مراحل الدراسة الاساسية والثانوية، وخاصة اليوم مع انتشار ثقافة الفيديوهات القصيرة وهيمنة الإنترنت، ونتج عنه ما يسمى بـ تآكل الدماغ " Brain Rot" وهو المصطلح الذي ظهر مره أخرى ككلمة جديدة تم اضافتها الى قاموس اكسفورد وتشير إلى التدهور في الحالة العقلية أو الفكرية للإنسان، نتيجة الاستهلاك المفرط في محتوى رقمي سريع منخفض الجودة ليس له أي قيمة في التعلم، وتبدو خطورة هذا المصطلح على جيل ما يسمى بجيل "ألفا" وهم (المراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 14-15 سنة)، وألفا مصطلح استخدمه علماء اجتماعيون كدلالة ديموغرافية على الجيل الذي ولد ونشأ في عصر التكنولوجيا ويحدده بعضهم من عام 2010 الى 2025م.
لقد أشارت العديد من الأبحاث العلمية إلى أن هذا الإدمان " ادمان المحتوى الرقمي السريع" له علاقة ايجابية بسلوكيات العنف والجريمة، إلى جانب تأثيره السلبي على مهارات التواصل عند الاطفال والمراهقين، وعلى قدرتهم على العمل الجماعي، والتعبير عن الذات، وحل المشكلات، فضلًا عن تراجع قدراتهم التحصيلية.
في ظل هذه التحديات، أصبحت البيئات التعليمية غير محصنة تماماً من انتشار السلوكيات العنيفة بين المراهقين، رغم كل الجهود الكبيرة التي تقوم بها المؤسسات التعليمية لتكون مساحة آمنة للتعلم، والمشاركة والتفاعل الايجابي، ورغم أننا ندرك هذه التحديات ولدينا خطط وبرامج متعلقة بصحة الأطفال والطلاب، وبدور المدرسة في توفير بيئة صحية، وتعزيز نظام تعليمي قائم على المهارات والتفكير الناقد غير إن أثرها على أرض الواقع يكاد يكون معدومًا. التراجع في منظومة التعليم أصبح واضحًا، وهو ما يجعل المشكلة بنيوية ومتجذرة بسبب التغيرات الديناميكية في المجتمع، فالمجتمع ليس مستقراً بالمعنى المطلق، بل إن من سماته الطبيعية هو التغيير ولكن ما التغيير؟ وفي أي اتجاه ! الوضع الحالي في المؤسسات التعليمية يشير إلى إلى حالة من الانفصال بين التنظير والتطبيق، وهذا ما يتسبب في ضغوط متزايدة على الطلاب والمعلمين وعلى الأسر، وبطبيعة الحال له تأثير على تدهور صحة المجتمع ككل، وهو ملف أكثر تعقيدًا يستحق النقاش بعمق.
* د. عايدة ابوتايه/ جامعة الحسين بن طلال .