الذكاء الاصطناعي يسهم في تعزيز كفاءة وزارات الخارجية في مهامها المتنوعة، بما في ذلك تحسين الدبلوماسية، واتخاذ قرارات مدروسة، وتعزيز الأمن، وبناء العلاقات الدولية بشكل أكثر فعالية. وبالتالي يعمل الذكاء الاصطناعي من خلال تحليل البيانات باستخدام خوارزميات معقدة ونماذج رياضية. ويتيح للأنظمة التعلم من التجارب وتحسين الأداء مع مرور الوقت، وتقديم حلول ذكية للمشكلات المعقدة مثل التنبؤات، التصنيف، والتفاعل مع البيئة. وتطور الذكاء الاصطناعي في السنوات الأخيرة جعله جزءًا أساسيًا في العديد من الصناعات والتطبيقات اليومية. ولكن ما هو دور الذكاء الاصطناعي في عمل وزارات الخارجية وشؤون المغتربين والسفارات الأردنية. وخاصة أصبح الذكاء الاصطناعي يلعب دوراً هاماً ومتزايداً في العديد من المجالات الدبلوماسية والحكومية والقطاع الخاص والمؤسسات التعليمية والعلمية، بما في ذلك عمل وزارات الخارجية وشؤون المغتربين، السفارات، والسياسات الخارجية للدول. وبالتالي يمكن استعراض دور الذكاء الاصطناعي في هذا السياق في المجالات التالية:

يساعد الذكاء الاصطناعي في تحليل كميات ضخمة من البيانات، بما في ذلك الأخبار الدولية، والتقارير الاقتصادية، والتطورات السياسية. وهذا يساعد في اتخاذ قرارات مدروسة حول السياسات الخارجية للدول بناءً على المعلومات الدقيقة. بنفس الوقت يسهم في تقديم تحليلات استباقية بشأن الأزمات الدولية المحتملة أو التغيرات في العلاقات بين الدول.

تعمل بعض وزارات الخارجية على استخدام الذكاء الاصطناعي في تحسين مستوى الخدمة للمغتربين، مثل توفير استشارات قانونية، معلومات حول تأشيرات السفر، أو تقديم الدعم في حالات الطوارئ. من هنا شكلت وزارة الخارجية وشؤون المغتربين الأردنية وحدة مركز العمليات / غرفة العمليات، وهذه الغرفة تعمل خلال ٢٤ برئاسة سعادة السفير المسلكي سفيان القضاة والذي يتمتع بخبرات طويلة ومؤهلات عالية ، بالإضافة الى فريق مساعد مؤهل. علاوة الى تحسين الخدمات عبر الإنترنت مثل الردود التلقائية على استفسارات المغتربين من خلال الدردشة الآلية. وإدارة الإجراءات الإدارية بشكل أكثر كفاءة مثل معالجة طلبات التأشيرات وتصاريح العمل. في بعض الحالات، يمكن للذكاء الاصطناعي مساعدة السفارات في الرد على استفسارات المواطنين بشكل أسرع وأكثر دقة، وتوفير تحليل حول المواقف المحلية في البلدان المضيفة

أيضاً يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي في تحليل سياسات الدول الأخرى والتنبؤ بتوجهات العلاقات الدولية. هذا يسهم في صياغة استراتيجيات دبلوماسية فعّالة. إضافة الى تحليل بيانات اجتماعية واقتصادية من دول أخرى لتحديد أفضل الطرق للتعامل معها في سياق السياسة الخارجية. ومساعدة السفراء والدبلوماسيين في اتخاذ قرارات استراتيجية بناءً على محاكاة وتحليل سيناريوهات متعددة لتوجيه السياسة الخارجية. وهذا يوفر مؤشرات للتنبؤ بآثار القرارات المختلفة التي قد تتخذها الحكومة في سياقات دبلوماسية معقدة. علاوة على جمع وتحليل البيانات المتعلقة بالتهديدات الأمنية المحتملة ضد مصالح الدولة في الخارج، مثل الهجمات السيبرانية أو النشاطات الإرهابية.

علاوة على ذلك يمكن للذكاء الاصطناعي أن يعزز من فعالية وزارات الخارجية والسفارات ويعطي دفعة قوية في صناعة السياسات الخارجية للدولة، مما يساعد على إدارة العلاقات الدولية بشكل أكثر ذكاءً ومرونة. أما في كتابة التقارير السياسية وتحليل مواقف الدول، خاصة في الأزمات، يعد الذكاء الاصطناعي من أبرز الاستخدامات في السياق الدبلوماسي والسياسي. ويمكن تلخيص هذا الدور في النقاط التالية:

يمكن للذكاء الاصطناعي الذكاء الاصطناعي أتمتة عمليات كتابة التقارير السياسية من خلال تحليل الأخبار اليومية، التصريحات الرسمية، الأحداث الجارية، والمعلومات الاستخباراتية. باستخدام تقنيات المعالجة اللغوية الطبيعية (NLP)، يمكن للذكاء الاصطناعي استخراج المعلومات الأساسية وتحويلها إلى تقارير سياسية دقيقة. هذا يساهم في توفير الوقت وتقليل الأخطاء البشرية.

أما في أوقات الأزمات الدولية، يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل مواقف الدول الأخرى، وهذا أمرًا بالغ الأهمية، ومراقبة التصريحات الرسمية، ووسائل الإعلام، والتحليلات السياسية لعدة دول، ليقدم صورة دقيقة حول مواقف تلك الدول وتوجهاتها. علاوة على تحليل ردود الفعل الدولية تجاه أزمة معينة، مما يساعد في توقع المواقف المستقبلية وكيفية تفاعل الأطراف المختلفة مع الأزمات.

بنفس الوقت، يمكن للذكاء الاصطناعي بناءً على البيانات التاريخية والسياقات الحالية التنبؤ بتوجهات العلاقات الدولية في المستقبل. وهذا قد يشمل التنبؤ بردود فعل الدول في حالة حدوث أزمة معينة، ما يساعد صانعي القرار في رسم سياسات خارجية مدروسة. وتحليل العلاقات بين الدول على أساس متعدد الأبعاد (اقتصادي، اجتماعي، سياسي)، مما يوفر تقييمًا شاملًا لكيفية تأثير الأزمات على تلك العلاقات.

ومن خلال الشبكات العصبية للتنبؤ بالسلوك الدبلوماسي، يمكن للذكاء الاصطناعي استخدام الشبكات العصبية لتحليل بيانات ضخمة مثل تقارير الأخبار، التغريدات، البيانات الاقتصادية، وتحليلات المواقف السياسية. من اجل فهم كيف يمكن أن تتغير مواقف الدول بناءً على الأزمات.
ومن خلال تعلم الأنماط السابقة للسلوك الدبلوماسي في مواقف مشابهة، يمكن للذكاء الاصطناعي تقديم توقعات حول كيفية تصرف الدول في المستقبل في حالة حدوث أزمة جديدة.

بنفس الوقت يتيح الذكاء الاصطناعي رصد وسائل الإعلام العالمية ومواقع التواصل الاجتماعي لتحليل ردود الفعل العامة على الأزمات الدولية. يمكن تحليل الحوارات والمناقشات لاستخلاص بيانات حول مواقف الشعوب والحكومات. وهذا التحليل يساعد في تقييم كيفية تأثير الأزمة على صورة الدولة في العالم وكيفية تأثير الرأي العام على القرارات السياسية.

في الأوقات التي تتسم بالاضطرابات السياسية أو الحروب، يمكن للذكاء الاصطناعي جمع وتحليل بيانات سريعة لتقديم تقارير دقيقة وشاملة عن الأوضاع في مناطق الأزمات. بحيث يوفر تحليلًا حول الفاعلين الرئيسيين، والسيناريوهات المحتملة، والأدوات الدبلوماسية المتاحة للتعامل مع الأوضاع، تحديد نقاط الضعف في استجابة الدول للأزمات، مما يسهم في تحسين استراتيجيات السياسة الخارجية.

وبالتالي من خلال تحسين عمليات كتابة التقارير السياسية، وتحليل مواقف الدول وتوقع ردود الأفعال في الأزمات، يسهم الذكاء الاصطناعي بشكل كبير في تعزيز قدرة وزارات الخارجية والسفارات على التعامل مع الأزمات بشكل أكثر فاعلية ودقة.

* السفير الدكتور موفق العجلوني
المدير العام مركز فرح الدولي للدراسات والأبحاث الاستراتيجية
muwaffaq@ajlouni.me