اجتماع عمان الخماسي: تعزيز التعاون بين دول الجوار السوري لمواجهة التحديات الأمنية
د. تمارا زريقات
10-03-2025 12:33 AM
استضافت العاصمة عمان اجتماعًا رفيع المستوى لدول الجوار السوري لبحث آليات التعاون في محاربة الإرهاب وتهريب المخدرات والسلاح، الأمر الذي يعكس التزام هذه الدول وإيمانها العميق بأن مكافحة الإرهاب تتطلب تنسيقًا إقليميًا ودوليًا لمواجهة التهديدات المشتركة وضمان استقرار المنطقة.
ويأتي هذا الاجتماع في وقت حساس تشهد فيه المنطقة تحديات أمنية متزايدة تتطلب استجابة منسقة بين دول الجوار؛ ففي ظل التحولات الجيوسياسية الراهنة، يتطلب الوضع الأمني في المنطقة تبني استراتيجيات فعالة لمواجهة التهديدات الإرهابية التي تؤثر بشكل مباشر على استقرار الطوق السوري (الجوار) و سوريا والتي تواجه تهديدات إرهابية معقدة، حيث تشكل الحدود المشتركة مع سوريا بؤرة لمحاولات تسلل الجماعات المسلحة والمتطرفة وشبكات لتهريب الأسلحة والمخدرات التي تموّل الإرهاب.
كما يأتي هذا الاجتماع في ظل أحداث أمنية شهدتها سوريا مؤخرًا، حيث نفذت عناصر تابعة لفلول النظام السابق هجمات ضد قوى الأمن في مدن الساحل السوري، تضاف إلى جملة التحديات التي تواجه حكومة أحمد الشرع في سوريا وتشكل في مجموعها مزيجاً من الأبعاد الأمنية، الاقتصادية، الإنسانية والاجتماعية؛ وإذا ما أردنا رسم توصيف دقيق للوضع السياسي في سوريا بعد الثامن من ديسمبر فإنه في حقيقة الأمر يشهد تحولات جذرية مرتبطة بعدة عوامل داخليّة وخارجيّة، تخلق مزيجاً من التحديات والفرص التي قد تُشكّل مستقبل البلاد على المدى القريب والبعيد؛ في حين تشكل الحكومة الانتقالية وهي الهيئة السياسية التي تتحكم في البلاد مؤقتاً متمثلة بالقيادة السورية الجديدة مرحلة مفصلية في إعادة بناء الدولة السورية، في محاولة لتحقيق الاستقرار السياسي وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة بعد سنوات من الفوضى والحروب الأهلية؛ للوصول إلى حكومة ديمقراطية قادرة على تهيئة الظروف لتنظيم انتخابات حرة ، تضمن المشاركة الفعّالة لكل مكونات المجتمع السوري من دون استثناء.
وبالتالي فإنَّ معيار النجاح في تجاوز هذه التحديات يعتمد على قدرة الحكومة الانتقالية على تحقيق أربعة جوانب رئيسية يشكل موضوع الوحدة الوطنية وبناء جيش وجهاز أمني موحد أهمها؛ ثم تأتي مفصلية الإصلاحات الاقتصادية وإعادة الإعمار وبناء مؤسسات الدولة؛ وصولاً لملف عودة اللاجئين ومعالجة الأزمات الإنسانية، هذا يعني أن القيادة السورية الجديدة بحاجة لدعم وغطاء إقليمي قادر على مساندتها في المرحلة القادمة لتحقيق الغاية المرجوة ولإرساء دعائم الحكم الديمقراطي السوري الجديد وتمهيد الطريق نحو استقرار سياسي واجتماعي، ويعيد الأمل لشعب سوريا في مستقبل أكثر إشراقاً بعد سنواتٍ من الصراع والدمار.
أي أن القيادة السورية هي المسؤولة عن تحديد الملفات التي تريد معالجتها داخل بلادها لحل الأزمة السورية في المرحلة الراهنة، ونجاحها مرهون بالعديد من العوامل التي تتطلب دعمًا قويًا من دول الجوار السوري؛ فالتحديات التي يواجهها الشعب السوري، بما في ذلك الانقسامات السياسية، الأزمات الاقتصادية، والظروف الإنسانية، تقتضي تعاونًا إقليميًا حاسمًا من أجل استقرار سوريا ؛ وعليه فإن الغطاء العربي ودعم دول الجوار ليس مجرد خيار استراتيجي، بل هو ضرورة لتحقيق السلام الإقليمي والمصالحة داخل سوريا؛ وسيسهم من جهة أخرى في مأسسة العمود الفقري للجسم العربي المتقارب سياسيا وشعبياً ومن الواضح في هذا السياق أن الاجتماع يأتي في إطار الجهود المستمرة لإعادة سوريا إلى محيطها العربي، ودفعها نحو حل سياسي مستدام وفق القرار الأممي 2254، وتقليل التدخلات الخارجية في الشأن السوري.
مما لا شك فيه أن الاجتماع الخماسي في العاصمة الأردنية ماهو إلا باكورة إيمان حقيقي بضرورة تعزيز التعاون الإقليمي لمواجهة تحديات الإرهاب والحفاظ على الأمن؛ ففي ظل الفوضى والاضطرابات التي تعصف بسوريا، تواجه دول الجوار ومنها الأردن بحكم موقعه تحديات أمنية جمة تؤثر مباشرة على الاستقرار الوطني ؛ والعلاقة بين الأردن وسوريا لم تكن يومًا مجرد علاقة جوار جغرافي، بل كانت دائمًا أعمق وأعقد من ذلك، بحكم التاريخ والمصالح المشتركة والتداخل السكاني والاقتصادي والأمني؛ ولهذا، فإن كل ما يحدث في سوريا لا يمكن أن يكون مجرد شأن داخلي بالنسبة للأردن ولدول الطوق السوري؛ بل ملفات ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالأمن الوطني ، ويملي على الدول مواقف حذرة ومتزنة تحافظ على استقرارها الداخلي، وتحمي مصالحها الإقليمية، دون الانزلاق إلى تعقيدات المشهد السوري المتشابك.
وعلى مدار السنوات الماضية تحمل الأردن أعباءً ثقيلة بسبب الأزمة السورية، فمنذ اندلاع الصراع، كان الأردن من أكثر الدول تأثرًا بموجات اللجوء، وهو ما شكّل ضغطًا هائلًا على البنية التحتية والخدمات الأساسية، فضلًا عن التحديات الاقتصادية التي تزايدت بفعل تراجع الحركة التجارية وانقطاع الطرق البرية بين البلدين لفترات طويلة،ولم يقتصر الأمر على الجانب الاقتصادي بل تعداه ليشمل تحديات أمنية جمة أكثر خطورة على الحدود الشمالية جعل منها نقطة حساسة تتطلب يقظة أمنية مستمرة لمنع عمليات تهريب الأسلحة والمخدرات والتي نشطت إبان النظام السوري البائد، كتحدٍ يهدد سلامة المواطن الأردني ويستهدف شبابنا وأمن مجتمعنا.
هذه التحديات لم تكن مجرد أرقام أو تقارير، بل واقع ملموس ينعكس على حياتنا اليومية، وعلى قدرتنا على حماية حدودنا ومجتمعنا، والأردن، بقيادته الحكيمة وأجهزته الأمنية المحترفة، تعامل ويتعامل مع هذه التحديات بميزان حساس، يضمن حماية حدوده ومواطنيه، وفي الوقت ذاته، لا يغفل عن دوره الأخوي في دعم الشعب السوري للخروج من أزمته؛ فالأردن كان ولا يزال ينظر إلى استقرار سوريا باعتباره جزءًا لا يتجزأ من أمنه القومي، ولطالما كان موقف الأردن واضحًا: سوريا يجب أن تبقى دولة ذات سيادة، يقرر شعبها مصيرها دون ضغوط أو وصاية، لأن أي اضطراب هناك ينعكس مباشرة على المنطقة بأكملها، وعلى الأردن بشكل خاص. ولذلك، لم يتردد في توجيه رسائل واضحة للداخل السوري وللمجتمع الدولي بأن أمنه الوطني مرتبط بشكل وثيق بمآلات الوضع في سوريا، وأن استقراره يتطلب معالجة جذرية للأزمة السورية، تضمن وحدة أراضيها وإنهاء أي وجود للقوى الخارجية التي تستخدمها ساحة لتصفية حساباته.
هنا فإن دول الجوار السوري (الأردن؛ تركيا؛ العراق؛ لبنان) لن تقبل بعودة سوريا إلى الوراء لرغبتها الجادة في ضبط حدودها لمواجهة نفوذ الجماعات والتنظيمات الإرهابية المسلحة من الداخل السوري إضافة إلى عمليات تهريب السلاح التي تهدد استقرار الأمن الإقليمي، وما هذه التحركات رفيعة المستوى إلا رسائل واضحة أن أمن واستقرار المنطقة والإقليم مرتبط بشكل وثيق بما يحدث في سوريا؛ ومن ناحية أخرى فإن أي تدخلات إقليمية أو محاولات لإطالة أمد الأزمة السورية كما حدث في الساحل السوري خلال الأيام السابقة لن يخدم إلا مصالح قوى خارجية تحاول فرض أجندتها في المنطقة، فضلاً عن أن هذه التدخلات لا تهدد سوريا فقط، بل تعمق أزمات المنطقة، وتستنزف جهود الاستقرار في الدول المجاورة.
وبالنسبة للأردن فإنَّ دعم الاستقرار في سوريا هو جزء من الأمن القومي الأردني، وليس مجرد موقف سياسي عابر؛ لذلك حين نتحدث عن المسألة السورية، فنحن لا نتحدث من منطلق العواطف أو الحسابات الضيقة، بل من واقع تفرضه الجغرافيا والتاريخ والمصالح العليا للوطن ، إذ أن سوريا ليست مجرد جار، بل عمق استراتيجي وأمن قومي للأردن. والموقف الأردني يستند إلى قراءة واعية للواقع تضع مصلحة الوطن والمواطن والمقيمين على أرضه فوق كل اعتبار. ولطالما كان الأردن لاعبًا متوازنًا في المشهد الإقليمي؛ والتعاون مع شركائنا في المنطقة ليس مجرد خيار بل هو ضرورة ملحة لبناء جدار حصين يصد أي محاولة لإعادة زرع بذور الفوضى في منطقتنا؛ وفي هذا السياق فإن الاجتماع الخماسي في عمان يؤكد ويجسد حقيقة الدبلوماسية الأردنية ودورها البارز والنشط المبني على المبادرة والوعي العميقين بالقضايا الإقليمية؛ ويعكس المكانة الرفيعة التي تحتلها عمان في قلب السياسة الشرق أوسطية، ودور الأردن الريادي في تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، وبأن الأردن سيظل بقيادته الحكيمة لاعباً أساسيًا في إيجاد حلول عملية وواقعية للتحديات المشتركة التي تواجه دول الجوار.