وصفي في المجالس .. إناث بلا "معايرة" مسؤولون بلا غيرة
محمود الدباس - ابو الليث
09-03-2025 09:09 AM
عندما كان الليل يُسدل ستاره على بيوت الشّعَر.. وتخبو نيران المجلس في "الشِّق" الخاص ببيت شيخ العشيرة.. أو القبيلة.. كانت النساء في "المَحَرَم" قد سمعن كل شيء.. عرفن مَن كان له رأي.. ومَن كان له فعل.. ومَن كان مجرد مستمع صامت بين الرجال.. وحين يعود الرجال إلى بيوتهم.. تُسرع الزوجة نحو زوجها تسأله "أخبرني.. ماذا قلت؟!.. ما الذي فعلته؟!".. وكانها لا تعلم ما جرى في "الشِّق".. فإذا صمت.. أو تهرّب.. رمقته بنظرة ازدراء "أهذا أنت؟!.. تجلس بين الرجال.. بلا رأي ولا موقف؟!".. تنظر إليه ابنته بعين خجلى "هل سأتفاخر بك.. أم أخجل منك؟!".. أما أمه.. فتهز رأسها وتقول "رحم الله الرجال.. أما أنت.. فمجرد رقم بينهم".. فيشعر الرجل بالعار.. ويبيت متململًا.. ولا يهنأ له نوم.. ولا يرتاح له خاطر.. ويعقد العزم.. أن يكون له موقفٌ في اليوم التالي.. حتى لا يذوق مرارة العتاب من جديد..
وفي القرى والمدن.. لم يكن الأمر مختلفاً.. فإذا اشتعل حريق.. أو انقطع طريق.. أو انهدم بيت.. أو نادى مستغيث.. هرع الرجال إلى الفزعة.. ومَن بقي في بيته.. لم يسلم من لسان أمه.. أو زوجته.. أو ابنته.. تقول الأم مستفزة "كل الرجال خرجوا.. إلا أنت؟!.. خليك جالس مع النسوان.. يا ساقط".. تهز الزوجة رأسها وتقول "هل سأخبر الناس.. أن زوجي كان أول الواصلين.. أم سأخجل أن أقول.. إنه كان آخر من تحرك؟!".. أما الابنة.. فتقول بحسرة "كم تمنيت.. أن تكون يا أبي مثلهم.. او حتى سابقهم".. فيهبّ الرجل كالأسد.. يخرج مسرعاً.. يندفع كالبلدوزر.. لا يوقفه شيء.. يُحرِّكه الغضب.. قبل الفزعة.. يريد أن يُعيد لبيته كرامته.. ولعين زوجته وابنته.. بَريقَ الفخر به..
لكن اليوم.. تغير المشهد.. وأصبحت النساء يسمعن الأحاديث في المجالس.. وعلى مواقع التواصل.. فلا يمر يوم دون أن يُذكر اسم شهيد الوطن وصفي.. كلما طُرحت قضية فساد.. أو فشل.. أو تهاون..
يعود المسؤول إلى بيته.. بعد أن سمع اسمه يتردد بين المتخاذلين.. أو الفاسدين.. أو الظالمين.. فلا يجد زوجة تعاتبه.. أو تعايره.. ولا ابنة تلومه.. ولا أماً تستفزه.. لا أحد يسأله.. لماذا لا يكون مثل وصفي؟!.. لا أحد يجبره على الشعور بالخجل.. فهل المشكلة في هؤلاء المسؤولين.. الذين لم تحركهم الرسائل التي سمعوها.. وقرأوها؟!.. أم أن الإناث أيضاً.. تخلين عن دورهن في إشعال الحميّة في قلوبهم؟!..
هل فقدنَ القدرة على إشعال غيرتهم؟!.. أم ارتضين بواقعهم؟!.. هل توقفن عن المعايرة.. فتوقفت الغيرة؟!.. أم أن مناصب الرجال ومكاسبهم.. أصبحت أهم من فخر الزوجة بزوجها.. ومن اعتزاز الابنة بأبيها.. ومن عزة الأم بابنها؟!..
لم نطلب أن يكون كل مسؤولٍ وصفياً.. لكن هل يُعقل أنه.. بعد عقودٍ من رحيله.. لا يزال وحده علامةً فارقة؟!.. أليس بيننا مَن يفعل فعله.. أو يزيد.. حتى ننسى ذكره من باب المقارنة؟!.. أم أننا سنظل نرفع اسمه.. كلما رأينا الخيبة في من خلفوه.. ونحفظ ذكراه فقط.. لنلعن ذكراهم؟!..
ملاحظة.. هناك مِن المسؤولين.. مَن يحاولون النهوض بالمؤسسات التي يترأسونها.. وهؤلاء ارفع لهم عقالي احتراماً وتقديراً.. وسأطبل وأسحج.. لهم.. وأتغنى بهم.. فيكفيهم شرف المحاولة الجادة.. فالحميّة والوطنيّة أصيلة فيهم..