المرأة بين تعدد الأدوار وتحديات الإنجاز
الدكتورة ميساء نصر الرواشدة
08-03-2025 09:17 PM
في يوم المرأة العالمي، نقف إجلالًا للمرأة التي تحمل على عاتقها مسؤوليات متعددة، تجمع بين تحقيق ذاتها في مجال العمل، والاعتناء بأسرتها، وتوفير بيئة داعمة ومُحفِّزة لأفرادها. المرأة الأكاديمية والمرأة العاملة وربة الأسرة ليست مجرد أدوار مستقلة، بل هي شبكة متداخلة من المهام التي تتطلب جهدًا ذهنيًا وعاطفيًا مستمرًا.
تواجه المرأة في الأكاديميا تحديات مزدوجة؛ فمن جهة، يتطلب عملها البحثي التدقيق العلمي، وكتابة الأوراق البحثية، والتدريس، والإشراف على الطلبة، والمشاركة في المؤتمرات. ومن جهة أخرى، تجد نفسها مطالبة بإدارة تفاصيل حياتها الأسرية، من متابعة دراسة الأبناء إلى تنظيم احتياجات المنزل. هذا التوازن الدقيق يجعلها في سباق دائم بين متطلبات البحث العلمي ومتطلبات الحياة الأسرية، ما يفرض عليها ضغوطًا إضافية لمواجهة التمييز غير المباشر في بعض الأحيان، أو تحديات الصعود في المناصب الأكاديمية مقارنة بزملائها الرجال.
أما المرأة العاملة في المجالات العملية الأخرى، فتواجه معضلة مزدوجة تتمثل في السعي نحو الاستقلال المالي وتحقيق النجاح المهني، وفي الوقت نفسه، الالتزام بدورها في إدارة الأسرة.
تبدأ يومها في العمل، تسابق الزمن لإنجاز المهام المطلوبة، ثم تعود إلى المنزل لتكمل رحلتها مع أطفالها، في تدريسهم، ومتابعة احتياجاتهم العاطفية والتعليمية، ورعاية الزوج، بالإضافة إلى مسؤوليات منزلية لا تنتهي.
ورغم هذه الأعباء، تثبت المرأة العاملة أنها قادرة على تحقيق النجاح في كلا الجانبين، وإن كان ذلك على حساب راحتها الجسدية والنفسية.
وربة الأسرة ليست أقل شأنًا من المرأة العاملة أو الأكاديمية؛ فهي المديرة الحقيقية لمملكتها، تبني أسرتها بحكمة وتوازن، وتتولى مسؤوليات تشمل الطبخ، التنظيف، التربية، وتنظيم شؤون الأسرة المالية والاجتماعية. في رمضان، يتضاعف الجهد الذي تبذله، فهي تحرص على إعداد وجبات الإفطار والسحور، وتحافظ على روحانية الشهر الكريم، وتنظم أجواء احتفالية دافئة تجعل منه تجربة مميزة للعائلة. فربة المنزل تمارس الإدارة الذكية لمملكتها الصغيرة، ملبية احتياجات الجميع، متناسيةً نفسها في كثير من الأحيان.
وإذا كانت مسؤوليات المرأة مضاعفة في الظروف العادية، فإنها تتخذ أبعادًا أكبر حين تكون أماً لطفل من ذوي الإعاقة. فهي تواجه تحديات إضافية تتعلق برعاية الطفل، وتوفير العلاج المناسب، والتعامل مع الضغوط المجتمعية التي قد تفتقر إلى الدعم الكافي. تسهر الليالي، تخوض معارك مع المؤسسات التعليمية والطبية لتأمين حقوق طفلها، وفي كثير من الأحيان تضحي بطموحاتها المهنية أو بجزء كبير من حياتها الاجتماعية لضمان مستقبل أفضل له.
هذه الأم ليست فقط نموذجًا للصبر، بل أيضًا رمزًا للإصرار في مواجهة التحديات بكل أشكالها.
وفي غزة، تواجه المرأة تحديات تفوق التصورات، إذ تعيش تحت وطأة الحصار والقصف والنزوح، ومع ذلك، تظل صامدة، تجمع بين رعاية أسرتها وتأمين احتياجاتها في ظل الأوضاع الصعبة، إلى جانب مشاركتها في العمل والتعليم والمجتمع.
ولا ننسى المرأة الغزية التي تتحمل أعباءً مضاعفة، فهي ليست فقط أماً أو عاملة، بل هي أيقونة صمود تُحافظ على الحياة وسط الركام، وتحافظ على الأمل رغم الألم. إنها تربي أطفالها وسط الدمار، تدير بيتها رغم شح الموارد، وتواصل تعليمها أو عملها إن استطاعت، في تحدٍّ مستمر للظروف القاسية التي فرضتها الأوضاع السياسية والإنسانية.
في يوم المرأة العالمي، لا يكفي أن نكرّم المرأة بكلمات جميلة فقط، بل يجب أن نعيد النظر في التحديات التي تواجهها ونعمل على إيجاد حلول تسهّل عليها حياتها. من توفير بيئة عمل مرنة، إلى تقديم الدعم النفسي والاجتماعي، إلى الاعتراف الحقيقي بمساهماتها في المجتمع. المرأة ليست فقط نصف المجتمع، بل هي عموده الفقري الذي يُبقي الأسرة والمجتمع متماسكين ومتقدمين.
وبين أدوارها المختلفة، تبقى المرأة رمزًا للعطاء اللامحدود، تضيء من حولها بالحب والصبر والاجتهاد، وتستحق أن نقف إلى جانبها، لا ليوم واحد فقط، بل في كل يوم من العام.