في كل مرة يواجه فيها مسؤول سيلاً من الأسئلة والمطالبات.. يهرب إلى العبارة الشهيرة "لا أملك العصا السحرية".. وكأنها تعويذة تُسكِت بها الأفواه.. وتطفئ بها نيران الشكوى.. لكنها في الحقيقة ليست سوى حيلة لفظية.. تستتر خلفها العجز عن الفعل أو الرغبة في المماطلة..

لكن.. ألم يحن الوقت لنصارح أنفسنا؟!.. الحكومة في واقع الأمر.. تمتلك العصا السحرية.. بل وتحت يديها المفاتيح.. التي تفتح جميع الأبواب المغلقة في شؤوننا الداخلية على الأقل.. فهي التي تملك القرار في كل تفصيل.. صغير وكبير يمس حياتنا.. ومع ذلك.. لا نرى الأثر الذي ينعكس على المواطن.. وكأن السياسات التي تُرسم في المكاتب الباردة.. لا تمت بِصلة.. إلى الواقع الساخن الذي يعيشه الناس.. حتى بدأ كثيرون يعتقدون.. أن المفاتيح الوحيدة.. التي تمتلكها الحكومة.. هي مفاتيح المكاتب والسيارات الرسمية فقط!..

عندما نتمعن في أي قضية تتعلق بالوطن والمواطن.. سنجد الحكومة دائماً في صُلب المشهد.. فهي التي تتحكم بالضرائب.. وأسعار الفائدة.. وهي التي تعقد الاتفاقيات.. وترسم السياسات الاقتصادية.. وهي التي تملك أدوات تحفيز الاستثمار.. وتحريك السوق.. وهي التي تستطيع أن تخلق بيئة جاذبة للمشاريع.. أو منفّرة لها.. وهي التي تملك القرار في دعم الرياديين.. وتمكين المبدعين.. وهي القادرة على استغلال كل شبر في هذا الوطن.. سواءً كان للزراعة.. أو التعدين.. أو السياحة.. أو الصناعة.. وهي التي تمتلك السلطة المطلقة على التعليم.. ومحتوى المناهج.. ومسارات التخصصات الجامعية.. وهي التي تستطيع أن تضع أنظمة رقابة صارمة.. تحد من الفساد.. وتغلق نوافذه.. بل هي التي يمكنها أن تغير قواعد اللعبة الاقتصادية بالكامل.. إن أرادت..

فإذا كانت كل هذه الصلاحيات بيد الحكومة.. فلماذا لا نرى انعكاسها على الواقع؟!.. لماذا لا نشهد تحركات حقيقية.. تنهض بالبلد.. وتجعل الناس يشعرون أن هناك من يعمل لأجلهم بصدق وإخلاص؟!.. لماذا يبدو الأمر.. وكأن هناك قوة خفية.. تمنع استثمار هذه الأدوات العظيمة؟!..

إن الدول التي انتقلت من الفقر إلى الازدهار.. لم تستعن بالسحرة والمشعوذين.. ولم تنتظر معجزة تهبط من السماء.. بل امتلكت حكومات رشيدة.. أدركت حجم مسؤولياتها.. وأخذت قرارات جريئة.. صنعت بها التغيير.. لم تتذرع بالعجز.. ولم تهرب من المواجهة.. بل استغلت كل مورد.. وكل فرصة.. وكل عقل.. وكل يد تبني وتنتج.. فكان النجاح حتمية.. وليست مصادفة..

نعم.. الحكومة تمتلك العصا السحرية.. والوصفة السحرية.. ومواد السحر المطلوبة.. وكل ما تحتاجه.. هو أن تجلس جلسة خالية من البخور.. وتعلنها بوضوح وصدق..

نعاهد الله والوطن.. أن نبدأ فوراً باستغلال كل مواردنا.. وقوانينا.. وإمكانياتنا.. للنهوض بالأردن.. ليكون في طليعة دول المنطقة.. ولن نترك فكرة خلاقة.. دون دعم.. ولن نهدر فرصة استثمارية.. دون استغلال.. ولن نفرّط في أي مورد طبيعي.. يمكن أن يكون رافداً اقتصادياً لهذا الوطن.. سنعيد النظر في الضرائب.. لتخفيف العبء عن المواطن.. وسنعمل على تحفيز الإنتاج.. بدلاً من استنزاف الجيوب..

هذا هو السحر الحقيقي.. ليس مجرد كلمات تتردد.. بل إرادة.. تُترجم إلى قرارات.. وقرارات.. تتحول إلى أفعال.. وأفعال.. تصنع المستقبل..

فهل سيكون دولة الدكتور جعفر حسان لها؟!.. أم سنبقى في مسلسل البحث عن الساحر؟!..

أما أنا.. فلن أكلّ ولن أملّ.. وسأبقى أحرّك الماء حتى لا يأسن.. ولا يفسد..