على الأغلب لن يواجه رئيس الوزراء الدورة الاستثنائية، من دون القيام بتعديل وزاري موسع، تفرضه الاستقالات والاختلالات في الفريق الوزاري.
إذا قرّر الرئيس أن يكون التعديل في حدود "الاستقالات" والمساحة التكتيكية، فسيتحول إلى "عبء" عليه، أكثر مما يمنحه عناصر قوة وأوراقا. وسيقع الرجل بخطيئةٍ إنْ أهدر هذه الفرصة الكبيرة ولم يجعل منها خطوة استراتيجية تعيد هيكلة الفريق الوزاري كاملاً، ليخفف من التسارع الكبير نحو انهيار الحكومة شعبياً وسياسياً.
ما يزيد معركة الرئيس صعوبة وسخونة في الأيام القليلة المقبلة تلك التصريحات التي أدلى بها الوزير السابق في حكومته أسامة الدباس، بعد أن التقط مؤشرات متعددة، من تسريبات ورسائل ومنع حلقته التي سجلها مع فضائية نورمينا من البث (وهي بالمناسبة خطوة غير مفهومة وتثير التساؤلات أكثر من مداخلة الدباس نفسه!).
هذه الإشارات دفعت بالدباس إلى الخوف بأن يكون هو "كبش الفدا"، على حد تعبيره، في هذه القضية، وأن تُحجّم المسؤولية في حدود دائرته، مع عدد من الوزراء ويخرج الرئيس من مواجهة المحاكمة النيابية، ومن ثم مجلس تفسير الدستور، فالإدانة.
تصريحات الدباس جاءت من السلط، وبحضور عشائري هو بحد ذاته رسالة سياسية، لكنها تتجاوز ذلك إلى تقديم معلومات مهمة وخطرة، حول الكازينو، وهي تحديداً القنطرة التي تعطي للرأي العام طرف الخيط المؤدي إلى "اللغز" الحقيقي للكازينو، الذي فضّلت لجنة التحقيقات النيابية عدم الاشتباك معه، مكتفية بتسجيل التجاوزات الإدارية والمخالفات القانونية والدستورية، من دون الوصول إلى اتهامات بالفساد والرشوة أو البحث "فيما وراء الأكمة".
إذن، حتى لا يكون "كبش فدا"، كما قال قرّر الدباس "عدم الصمت"، وكشف محاميه جانباً آخر من القضية، ما يتعلق بدور المستشار السياسي السابق للرئيس الراحل ياسر عرفات، وهو خالد سلام، ما يعطي ملف الكازينو أبعاداً أخرى، ويفتح الطريق لملفات جديدة فيها خالد سلام، وبعض شخصيات السلطة الفلسطينية، الذين أيضاً كانوا قد حصلوا على أراض في منطقة العقبة الخاصة، قبل أن يتم استعادتها منهم من الرئيس السابق لها محمد صقر.
واقع الحال يشي بأنّ ملف الكازينو تجاوز مرحلة التسخين والإحماء، وتبادل الاتهامات إلى طور "الطبيخ" (تحديد مساره ومدخلاته ومخرجاته)، داخل أروقة مجلس النواب، وفي الأوساط السياسية، وهو ما دعا الدباس عندما "اشتمّ الرائحة" إلى أن يرسل برسالته الأخيرة.
هذا ملف واحد من ملفات الفساد، وقد وصل إلى هذا المفترق الحساس وتقاطع الطرق الحالي، فكيف ستكون الحال مع ملف "موارد" مثلاً، أو ملف "سكن كريم لعيش كريم"، أو ملفات أخرى بعضها ما يزال محصّنا إلى اليوم!
"المعادلة الحالية" ما تزال لدى الجهات المعنية مرتبطة بما سيحدث قريباً جداً في مجلس النواب. لكن "المعادلة الغائبة" هي تفاعلات هذه الموضوعات في أوساط الرأي العام المحكومة بأجواء مشحونة ومتوترة، وسيرفع من منسوب هذا الوضع التفاصيل والمعلومات التي تتسرّب هنا أو هناك عن هذه الملفات.
مصطلح "كبش الفدا" ينطبق على الدول التي تخضع فقط لتصفية الحسابات، وإلى انتقائية في تطبيق القانون وهشاشة المؤسسية، وغياب ضمانات العدالة، ومنطق الشللية والعمولات والمصالح المتبادلة، إذ يسارع الجميع عندما "تقع الفأس بالرأس" إلى حماية أنفسهم، حتى لا يذهبوا "فرق حساب"، وفقاً لهذا المنطق.
أمّا الحقيقة المرة فهي أن كبش الفدا عملياً هو المواطن البسيط ومن دفع فرق الحساب هو الوطن الذي يسدد فواتيرهم، ما نأمله (على الأقل) أن خروج هذه القضايا إلى السطح يعكس انتهاء تلك المرحلة!
الغد