ما وراء رسالة ترامب .. "لستَ في موقع يسمح لك بقول لا"؟!
محمود الدباس - ابو الليث
02-03-2025 12:11 PM
ترامب ليس رجل سياسة بالمعنى التقليدي.. إنه تاجر يجيد المقايضة.. ومشروعه السياسي.. قائم على القوة والابتزاز.. أما كوشنير.. فهو المهندس الخفي لكل ما يخدم الكيان الإسرائيلي.. ولا يرى في الشرق الأوسط.. إلا مساحة مفتوحة للمشاريع العقارية.. التي تعيد رسم الخرائط وفقاً لمصالحه.. اليوم وبعد فوز ترامب.. تعود فكرة إعمار غزة إلى الواجهة.. لكن بأي ثمن؟!..
تصريحات ترامب المتعجرفة.. سواء في مقطع الفيديو.. الذي تخيل فيه غزة كمنتجع فاخر.. أو خلال توبيخه العلني لزيلينسكي.. ليست مجرد استعراض.. إنه يرسل إشارات لكل الأطراف.. لأوروبا.. التي يهددها بالانسحاب من الناتو.. ولروسيا.. التي قد تحصل على مكاسب في أوكرانيا مقابل صمتها.. ولحلفائه العرب.. الذين سيسمعون لغة المصالح.. لا المبادئ.. ولبقية العالم.. الذي يريد أن يراه كرجل سلام.. لكنه سلام يُفرض بقوة المال والصفقات.. لا العدالة..
فليس من المصادفة.. أن يتزامن كل هذا.. مع الدعوة التي يتبناها كوشنير.. لعقد مؤتمر دولي لإعمار غزة.. والذي يروج له على أنه خطوة ضرورية لإنهاء المعاناة.. بينما قد يكون في حقيقته.. مجرد بوابة لإعادة تشكيل القطاع.. وفق رؤية أمريكية إسرائيلية.. ترامب يدرك أن العالم يتعب من الحروب الطويلة.. ويريد حلولاً بأي ثمن.. حتى لو كانت حلولاً مفروضة لا عادلة.. وإن كان قد هاجم زيلينسكي.. وأظهره وكأنه عقبة أمام السلام.. فهل يمكن أن يستخدم نفس الأسلوب.. مع غزة ليصور المقاومة.. على أنها العقبة الوحيدة أمام إنهاء المعاناة؟!..
روسيا ليست بعيدة عن هذه الحسابات.. موسكو تدرك أن أي مشروع أمريكي في غزة.. يهدف إلى خدمة الكيان الإسرائيلي.. وتقليص نفوذ إيران.. لكنها أيضاً.. قد ترى فرصة لصفقة أكبر.. هل يمكن أن تتغاضى روسيا عن إعادة تشكيل غزة.. مقابل اعتراف أمريكي بمكاسبها في أوكرانيا؟!.. أم أنها ستبقى عنصر توازن.. يهدد المشروع إن لم تحصل على مكاسب واضحة؟!.. بوتين ليس ممن يقدم تنازلات مجانية.. لكنه أيضاً.. لا يعارض الصفقات الكبرى.. إذا كانت تحقق مصالحه.. وترامب يفهم ذلك جيداً.. وهو الذي يفضل التعامل مع قادة أقوياء مثله.. بعيداً عن التعقيدات الديمقراطية.. والمفاوضات الطويلة.. فهل يمكن أن يكون إعمار غزة ملفاً للمقايضة.. ضمن لعبة المصالح الكبرى؟!..
ترامب وكوشنير.. لا يقدمان هدايا مجانية.. فكرة إعمار غزة.. قد تكون الغطاء لمخطط أكبر.. ربما إعادة توطين.. أو تفريغ للقطاع من عناصر المقاومة.. أو حتى جعل الإعمار وسيلة لفرض واقع سياسي جديد.. ليس جديداً أن يُستخدم الإعمار كأداة للتغيير الجذري.. بيروت نفسها شهدت ذلك بعد الحرب الأهلية.. حينما جاء الإعمار بواجهة اقتصادية.. لكنه أعاد رسم النفوذ السياسي والاقتصادي في المدينة بالكامل.. مغيراً تركيبتها الاجتماعية.. وواقعها السياسي.. فهل يمكن أن يكون إعمار غزة.. نسخة جديدة من تلك التجربة.. ولكن بأبعاد أكثر خطورة؟!.. الضغط العسكري.. ثم الحل الاقتصادي.. تماماً كما حدث في بيروت.. ولكن هذه المرة بموافقة دولية.. تحت شعار إنهاء المعاناة..
مشهد توبيخ ترامب لزيلينسكي.. لم يكن مجرد لحظة استعراض قوة.. كان درساً علنياً.. في كيفية تعامل أمريكا مع حلفائها.. ترامب قالها صراحة.. "لست في موقع يسمح لك بقول نعم.. أو لا".. كلمات تختصر عقيدة السياسة الأمريكية.. في التعامل مع من يعتمدون على دعمها.. هذه ليست رسالة لزيلينسكي فقط.. بل لكل من يتلقى مساعدات أمريكية.. افهم موقعك جيداً.. واعرف أن القرار ليس بيدك.. فهل يمكن أن يكون هذا المشهد.. تمهيداً لطريقة التعامل مع غزة؟!.. أن يُفرض السلام كأمر واقع.. ومن يعترض يصبح هو المشكلة؟!..
ترامب يعلنها صراحة.. أمريكا أولاً.. ولا صوت يعلو فوق صوتها.. ومنطق الصفقات.. هو الذي يحكم تحركاته.. فهل سيجد العالم نفسه.. أمام مشروع جديد تُرسم فيه حدود غزة.. ليس بالحروب فقط.. بل بالمشاريع والتفاهمات والمال؟!.. وهل سيسمح الفلسطينيون والعالم.. بأن تكون إعادة إعمار غزة.. باباً لطمس القضية بدلاً من حلها؟!..