عرضت "الجزيرة" أول من أمس الخميس فيلم "الضفتنان توأمان؟"، من إخراج صهيب أبو دولة. وكنت أود لو أن التلفزيون الأردني يعرضه تعريفا ليس للأجيال الطالعة بأنفسهم، بل للكبار الذين ثبت أن كثيرا منهم يجهلون أنفسهم، ولا تتعدى معرفتهم معرفة الطفل الصغير من خلال ملامسته للأشياء؛ فما صادفه يعرفه، وما لم تقع عليه يداه مجهول.
يدخل الفيلم حقل ألغام الهوية الأردنية الفلسطينية من خلال وقائع تاريخية أقوى من الأوهام المرضية التي تعصف بالشوفينيين العنصريين في الجانبين. شيخ المناضلين الفلسطينيين بهجت أبوغربية ينقل عن أساتذته الذين كانوا يرفضون تسمية فلسطين ويفضلون "سورية الجنوبية". ولم يكن المناضلون من شرق الأردن، مثل أول شهيد فيهم كايد مفلح العبيدات، أو السوري عزالدين القسام، يقاتلون دفاعا عن بلد جار، بل يدافعون عن وطنهم. وأحفادهم في الجيش العربي العام 1973 هزجوا "شدوا على الركايب سورية يا وطنا".
تندرج الهوية الأردنية الفلسطينية المركبة في إطار هويات أوسع عربية وسورية. غير أن التاريخ أكسبها خصوصية فريدة، وسنوات الوصال فيها تفوق سنوات الانفصال. والفيلم الذي اعتمد بشكل كبير على كتاب المؤرخ الفذ الدكتور محمد محافظة ومذكرات بهجت أبو غربية، قدم بالصورة المشوقة سنوات الوصال المنسية التي تصلح أساسا صلبا لعلاقات المستقبل. وفرق بين الشوفينيين الذين يزوّرون التاريخ أو ينتقون منه ما يخدم انعزاليتهم، وبين المؤرخين الذين يقدمون التاريخ كما هو.
في الفيلم رصد لمهر الوحدة من خلال دماء الشهداء الأردنيين الذين دخلوا الضفة الغربية وحرروا الحي اليهودي وحافظوا على القدس العربية. وفي ساعة تلفزيونية، يمكن تقديم عناوين ولا يمكن الولوج في التفاصيل، وتغطية مختلف الزوايا. فالوحدة لم تنته العام 1967 بالاحتلال، ولا بقرار قمة الرباط العام 1974، ولا بفك الارتباط العام 1988، ولا بقيام السلطة العام 1993، وما تزال حتى اليوم قائمة.
على قول رئيس الوزراء معروف البخيت، فالناس ليسوا قطعة قماش تقصهم بمقص. ولا توجد في العالم هويات صافية ونقية، الناس يتعارفون ويندمجون أكثر مما يتنافرون وينفصلون، وعلى مستوى الأسرة الصغيرة الأطفال هم نتاج مصاهرة بين أسرتين، ولا يمكن فصلهم وتقسيمهم في حال انفصال الزوجين.
فك الارتباط هو طلاق في ظل ملايين الأبناء. هل نشطب اسم الأم أو الأب من القيود حتى يكون الطلاق تاما؟ لا يمكن إلغاء الوقائع التاريخية والاستسلام لمخاوف جدية أو متخيلة. توجد تهديدات للأردن وفلسطين. وثمة محاولات لتذويب الهوية العربية والأردنية والفلسطينية لصالح الهوية الصهيونية. لكن تجارب التاريخ أكدت أن ما يخدم الصهيونية هو التفتت والانقسام والاحتراب. حتى نحافظ على الأردن في وجه المخططات المعادية لا بد من الحفاظ على الهوية العربية لنا. في ظل الهوية المفتوحة والمركبة يمكن إبداع حلول فكرية وسياسية للعلاقة الأردنية-الفلسطينية، سواء في أبعادها الخارجية أم الداخلية.
يجب أن لا ننسى أن الأردنيين والفلسطينيين قدموا من العام 1950 إلى العام 1988 أفضل تجربة وحدوية عربية، أهم ما فيها أنها كانت دستورية ديمقراطية، وستبقى أساسا لوجودنا ولمستقبلنا. نعم، الضفتان توأمان. هذا جواب السؤال التاريخي.
الغد