facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الماضي في رواية جبل التاج لمصطفى القرنة: قراءة نقدية


24-02-2025 02:37 PM

عمون - قراءة رائد حواري- في الآونة الأخيرة أخذ مجموعة من الكتاب الأردنيين يستعيدون الماضي ويكتبونه بطريقة معاصرة، بشكل روائي، فهم بهذه الاستعادة يؤكدون أصالة حضورهم ووجودهم واجتماعيتهم في المكان، وأيضا على أنهم جزء من بلاد الشام والمنطقة العربية.

تكمن أهمية رواية جبل التاج للكاتب مصطفى القرنة في تناولها واقع عمان بداية القرن العشرين، حينما بدأت هجرة الشركس والشيشان، الهاربون من بطش القيصر الروسي الذي عمل على تطهير عرقي في منطقة القوقاز، وهذه الهجرة تتماثل مع ما فعله الأتراك في الأرمن عام 1914، وما فعله المحتلين في فلسطين عام 48، من هنا نجد هؤلاء المهاجرين منتشرون في بلاد الشام، وكأن سورية تستعيد دورها في احتضان كافة الأعراق والأجناس وتصقلهم في بوتقة المجتمع السوري الذي كان دوما يهضم كل من يأتي إليه، ويسوريه كمواطن سوري أصيل، فيكون مواطنا منتميا لوطنه ولواقعه ولمجتمعه.

الهجرة
سنحاول التوقف قليلا عند بعض مفاصل أحداث الرواية ونبدأ من هجرة الشركس إلى المنطقة، وتحديدا إلى عمان، وكيف تم تقديم هذه الهجرة ومراحلها: "لقد كانت رحلتنا شاقة في الغابات الكثيفة، وكانت ليلة شتائية وباردة، لم نستطع حمل شيء سوى أغراض قليلة، وكانت رحلة خطرة جدا، كنا نتجنب الجنود الروس الملاعين، لقد تعرضنا للجوع وللبرد، وبعد جهد جهيد وصلنا الحدود التركية، ودخلنا إلى إحدى القرى التركية، يومان لم نذق فيها شيئا، ولا عرفنا الأمان" ص92و93، هذا ما قله والد "سلطان وفارس" عن الهجرة وكيف خرجوا من وطنهم طلبا للنجاة بالنفس والعائلة، لكن رحلتهم لم تتوقف في تركيا، فقد كان عليهم الابتعاد أكثر عن الخطر الروسي الذي كان في حالة عداء مع تركيا ويحاربها باستمرار: "وفي البحر الأسود، كانت السفن التركية تحملهم، وهم مكدسون لا يستطيعون التقاط أنفاسهم...وبجانبه الأطفال يصرخون من الجوع، والأمراض لا تترك أحدا، وتفتك بالجميع من التيفوس إلى الكوليرا، والسفن تلقي بالمرضى في البحر وكأنهم شحن زائد" ص10، هذا المشهد يشير إلى حجم المأساة التي وقعت في القوقاز وإلى بطش القيصر الروسي بحق مسلمي المنطقة، فما دفعهم لترك وطنهم وبيوتهم هو بطش جنود القيصر بالأهالي وقتل وسبي كل من يجدونه أمامهم، إن كان طفلا أم شيخا، رجلا أم امرأة.

سكة الحديد
سكة الحجاز كانت نقطة تحول في المنطقة، حيث تربط المركز، تركيا بالحجاز، وهذا يقوي نفوذ الأتراك دينيا وسياسيا وعسريا واقتصاديا في المنطقة، وأيضا يؤكد ترابط ووحدة المنطقة العربية وتداخل وتشابك مصالحها، من هنا وجدنا "لورنس" يقوم بتحطيم وتفجير ونسف هذا الطريق حتى بعد أن تم السيطرة عليه وإخلاءه من قبل الأتراك، فالإنجليز كانوا على علم ودراية بخطورة هذا الطريق على مصالحهم ومخطتهم في تقسيم المنطقة، لهذا نسفوه ودمروه ولم يعد صالحا للاستعمال حتى يومنا هذا، وحتى بعد مرور ما يزيد على المائة عام لم يعمر أو يصلح.

يتناول السارد هذا الخط الحديدي الرابط بأكثر من موضع في الرواية: "وصلت كوكبة من الفرسان إلى السفح المقابل للجبل في الجانب الشرقي لواد الرمم، هتف أحدهم أنظروا كان الفرسان العثمانيون يقيسون شيئا ما، والواضح أنهم يمدون شيئا، قال المسن للجميع أنها سكة حديد، رأيت مثلها في سوتشي، وهؤلاء الجنود عثمانيون حضروا من أجل ذلك" ص27، نلاحظ بداية العمل في طريق الحجاز، وكيف أن الأتراك بدأوا فيه لأهميته لهم وللمنطقة أيضا: "قال في نفسه وهو يمر قرب سكة الحديد، لقد حرسنا هذه السكة وبنينا مجد الأمة، وعندما سار القطار، وصار المجد للهلال تدخل هؤلاء الغاصبون" ص146، في هذا المقطع يشير السارد إلى أهمية سكة الحديد للمنطقة العربية، وإلى دور الإنجليز في تخريب وإفشال هذا الطريق بعد أن دمروه وحطموه وألغوه من الوجود.

وبعد أن احتل الإنجليز المنطقة وأصبح الخط الحديدي مجرد جثة هامدة لا حياة فيها: "أمر على سكة الحديد وأتحسر لقد كان هذا الخط عامرا، أحيانا أبكي عندما أتذكر أجدادي الذين بنوا هذا الخط، وكيف واجهتهم التحديات الكثيرة، وهم يحملون خيامهم ويحضرون الأخشاب والقضبان الحديدية، ويواجهون الضباع والبرد والجوع، ياه ما أصعب تلك الأيام" ص226و227، فخراب سكة الحجاز يتماثل مع خراب المنطقة العربية التي ما زالت تعاني من التقسيم والتجزئة، رغم معرفة الحكومات أن هذا التقسيم صنيعة الاستعمار، ويضر بمصالح الشعب والأمة، لكن ما زالت تلك الحكومات تحافظ على ما أوكل لها من مهام استعمارية، غير عابئة بمصالح شعوبها ولا بمصالح أمتها.

الزمن والأحداث
اللافت في الرواية أنها لا تحدد زمن الأحداث إلا بعد أن يتجاوز القارئ أكثر من ثلث الرواية، فقد اعتمد السارد على الأحداث ليعطي القارئ مساحة ليحدد هو زمنها، وبما أنها تحدثت عن هجرة الشركس والشيشان فهذا يكفيه ليعلم أن زمن الأحداث هو بداية القرن العشرين وتحديدا أواخر العهد القيصري في روسيا. يجري حوار بين "سلطان" وزوجته "برت" يتناولان فيه الحرب العالمية الأولى:
"ـ يقولون أن حربا ستندلع مثل تلك التي وقعت بيننا وبين الروس.
ـ من أخبرك بذلك؟
ـ الضابط التركي الذي التقيته أمس على الجبل" ص39، هذا الحوار يكفي القارئ لمعرفة الزمن وطبيعة أحداث الرواية، كما أن الحوار الذي تم بين "فارس" ووالده يشير إلى بداية الحرب العالمية الأولى:
"ـ هل هناك حرب قريبة؟
ـ الإنجليز يا أبي يحاولون وسيحضرون فيلقا جديدا ليحارب ولكن جنودنا لهم بالمرصاد لن يستطيعوا الصول إلى القدس" ص61، أيضا هذا الحوار يسهم في تحديد الزمن، ويعرف القارئ بالاستعمار الإنجليزي الذي كان يسعى لاحتلال القدس والمنطقة العربية.

أول ذكر للزمن وتحديده جاء في هذا المقطع: "في شتاء عام 1905، ومع تساقط الأمطار الغزيرة بلا توقف، اجتاحت عمان موجة من الفوضى والدمار، كان الجسر بالقرب من محطة القصر على خط سكة حديد الحجاز قد انهار تحت ضغط الميه المتدفقة، وسقطت عربة القطار في مجرى الوادي، ولم ير السائق حجم الكارثة، بسبب الأمطار الكثيفة" ص94، نلاحظ أن السارد ربط بين تحديد الزمن وسكة الحديد، وهذا يشير إلى أهمية السكة وإلى الجهد والتعب الذي بذل في إنشائها.

تتجاوز أحداث الرواية الحرب العالمية الأولى، لتصل إلى الحرب العالمية الثانية، وإلى تعريب الجيش العربي، بعد طرد "كلوب باشا" والاستغناء عن خدماته: "تم طرد كلوب باشا من قيادة الجيش وإسنادها إلى قائد عربي...هكذا قالوا لي اليوم الخميس بداية آذار 1956 سنقوم بإغلاق النادي، لم يعد هناك أي سلطة لنا في هذه الديار" ص275و276، أيضا المرة الثانية التي حدد في التاريخ كان بمثابة مفصل في حياة الأردن، حيث عُرب الجيش وأصبح جيشا عربيا خالصا وبقيادة عربية، ليس للإنجليز أو غيرهم أي سلطة أو دور في تكونيه ودوره وعقيدته.

الإنجليز
غالبية الأدب العربي قدم الإنجليز بصورة سلبية، وهذا يعكس دورهم الاستعماري التخريبي في المنطقة العربية، ورواية "جبل التاج" تؤكد هذه السلبية توثقها، إن تحدثت عنهم بصورة عامة: "لم يكن الجنود يرغبون بالحديث مع أحد، كان الإنجليز يحبون أنفسهم كثيرا، يأتون ويذهبون ولا يتعاملون مع أهل الجبل حتى أن كثيرا من السكان لا يعرفون أن هنا نادي إنجليز، أو أن الإنجليز جيرانهم، أنهم لا يعتبرون أنفيهم جزءا من هذا المكان" ص169، أم بصورة خاصة، فمن خلال الضابط "رون" الذي تعامل بفوقية وعنصرية مع "جمشيد" وأبنه "محمد" الذي أعجب بابنته "كاترينا" مما دفع "رون" إلى تسفيرها إلى لندن، وليصاب بعدها "محمد" بأزمة نفسة أودت بحياته.

سرد الرواية
اللافت في طريقة عرض الرواية وجود صيغتين للسرد، الأولى جاءت من خلال السارد العليم، وكلها متعلقة بالحياة الشركس وهجرتهم إلى عمان، وأنا السارد والتي جاءت بصوت "جمشيد" بعد أن تمكن الإنجليز من السيطرة على المنطقة، من هنا يمكننا القول إننا أمام سرديتين، أو أمام روايتين يكملان بعضهما، وهذا التعدد في السرد سهل على القارئ تناول الرواية، وجعله ينهل منها مستمتعا بتعدد الرواة.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :