الدنيا لا تبقى على حال أبداً.. فمن يظنّ بأنه في مأمن من القَدَر فقد خاب وخسر.. فأيام السعادة آتية؛ لكنها حتماً ستمرّ.. وجميعنا سنرى من الحزن ما يؤلم قلبنا.. ويدمي فؤادنا.. لكن الحزن سيمرّ. ولكل منا نصيبه من أيام النصر لكنها أيام، طالت أو قصرت ستمر.. فسُنّة الله في الكون أن كل شيء سينتهي ويمرّ.
البعض قد لا يفقَهُ هذه الحكمة؛ ويملأ الدنيا صراخاً وعويلاً في حالة تعثر، ويظن بأن كبوته هي قاصمة الظهر ونهاية المطاف؛ فيخسر من عزيمته الشيء الكثير، ويأبى أن يرى ما بعد حدود رؤيته الضيقة.. فيحتاج حينها لمن يُثّبت عزيمته مؤكداً له أن هذا أيضاً حتماً سيمرّ.. والبعض الآخر ينتشي سعيداً فلا يضع في حُسبانه أن الأيام دُوَل؛ فيكون البَطَر والتطرّف في السعادة هو سلوكه وطبعه؛ ظانًّا بأنه قد مَلَك حدود الدنيا وما بعدها. لكن الحكمة تقول أن كل أحوالنا حسنها وسيئها، سرورها وحزنها حتماً سيمرّ.
إن تجاربنا الحياتية تبقى دوماً مليئة بالتناقضات لكن الأهم أن هذه التجارب لن تعاد أبداً..! وكذلك العمر مهما طال أو قصر يبقى مجرد لحظات ومحطات.. هذه الفكرة قد تبدو بسيطة لكن إدراكها كحقيقة ومسلك في الحياة قد يكون نصف السعادة..! تمر سني العمر وتنضج المراحل بشكل لا يمكن أن يعاد أو يتكرر، وتعدو الأيام في مسافات الزمن كقطار سريع يعدو نحو قبلته دون أن يكترث لأي حدث أو حالة، وبالتأكيد هذه الآلة السريعة لا يغير من خططها قبول الركاب أو رفضهم، سعادتهم أو غضبهم، فرحهم أو تعاستهم، فالزمن يعرف فقط كيف يمضي نحو نهاية العمر..
قلة من الناس تدرك هذا المفهوم وتعمل به، فما أكثر الغاضبين من الحياة وما أقل الراضين القانعين بمسلك الحياة بكل ما فيها، ومن يراقب حال الناس يجد أن معظمهم بين غاضب وآخر حاقد على هذه الحياة، غير قانع بفرصته، يصب غضبه الدفين بين الفينة والأخرى..
كبت مشاعر الغضب واحتباس المشاعر السلبية واحتقان الأسى من الحياة قد يكون حبل مشنقة يعدها الفرد بذاته لذاته، وتحرر المشاعر السلبية والتخلص من عبودية الأنا بداية التواصل والتصالح مع مفهوم الحياة... فإما أن تعيش حرا راضيا مرنا طموحا وواقعيا أو أسيرا في ظلمات الغضب من فرص الحياة، وما بين الخيارين المفصليين هوة واسعة لكنها لا تحتمل الأنصاف ولا الأشباه.. ولأن العمر مجرد لحظات لا تعاد، فأبواب الرضا والتسامح والمحبة دوما مشرعة للفرد.. وأبواب القنوط والغضب والاستياء أيضا مشرعة كزنزانة مظلمة.
كساعة المنبه يجب أن نضبطها على موعد وفكرة العمر الذاهب لا يعود والسنون الماضية لن تتكرر.. ومسافات الحياة قصيرة والأحباء المتصالحون فيها هم الأذكياء، والخاسرون الذين لم يتحرروا من سلطة الماضي وسلبياته... فبلمح البصر ستمضي بنا الأيام نحو مفارق الرحيل..فطوبى للقانعين الراضين!!.
الرأي