في بلدنا حديث متواصل ، رسمي وشعبي ، حول ضرورة إصلاح الوضع المالي ، والسيطرة على الإنفاق العام وضبط المديونية كي لا تتجاوز الخطوط الحمراء. لكن الحديث الإعلامي شيء والتطبيق العملي شيء آخر. وفي مقابل الأهداف المعلنة نجد أن العجز في الموازنة يتزايد والمديونية تتفاقم سنة بعد أخرى. وبارتفاع أسعار الفوائد قريباً سوف ترتفع كلفة خدمة الدين العام ويزداد ضغطها على الموازنة.
في المقابل فإن بلداً مثل بريطانيا ، تأتي فيه حكومة محافظة ببرنامج عمل جاد للتقشف وإعادة الأمور المالية إلى نصابها. خطة معلنة ، محددة بالأرقام ، ومنظمة بجدول زمني ، ليس لأغراض الإعلام والعلاقات العامة ، بل برسم التنفيذ.
تقتضي خطة رئيس الوزراء البريطاني كاميرون بتخفيض النفقات العامة بما يعادل 130 مليار دولار وزيادة الضرائب بمبلغ 50 مليار دولار خلال أربع سنوات هي عهد الحكومة الحالية.
هذه الخطة الصعبة لم تكن بدون مقاومة ، فقد تقدم 52 اقتصادياً بعريضة إلى رئيس الوزراء يرجونه إعادة النظر في حجم الخطة ، بحيث تكون هناك خطة بديلة أقل قسوة ، ولكنه لم يتردد ، ومضى مدعوماً بشرعية الأغلبية البرلمانية واحترام الرأي العام.
في هذه السنة سيتم رفع ضريبة المبيعات (في بريطانيا) إلى 20% وهي الأعلى في العالم ، وتجميد رواتب موظفي الحكومة والقطاع العام لمدة سنتين ، وتخفيض النفقات الاجتماعية والمعونات ، والاستغناء عن 20 ألف موظف حكومي من أصل 310 آلاف وظيفة حكومية سيتم إلغاؤها خلال أربع سنوات.
يظن البعض أن تخفيض الإنفاق الحكومي يؤثر سلباً على النمو الاقتصادي ، ولكن العكس صحيح ، فالضبط المالي يعزز الثقة العامة ويشجع المستثمرين على الاستثمار والتوسع مما يعوض النقص في الصرف الحكومي.
الأردن أحوج ما يكون إلى برنامج مالي لخفض الإنفاق العام وتقليص العجز واستقرار المديونية ، لكنا لا نتوقع ولا نطلب خطة مماثلة لما يطبق في بلد ديمقراطي كبريطانيا دون أن تحدث اعتصامات ، ولكنا نتمنى أن تأخذ الحكومة هذا الموضوع بشكل جدي ، وأن تتوقف عن اقتراض المال لرشه على المشاكل كأداة تسكين وتأجيل وترحيل ، حتى لو أدى ذلك إلى انخفاض مؤقت في شعبية الحكومة وارتفاع درجة تحملها للمسؤولية.
الرأي