facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




يقتلون الحقيقة بيدٍ ويهللون لها بأخرى .. أي انفصامٍ هذا؟!


محمود الدباس - ابو الليث
23-02-2025 09:34 AM

إنهم يقفون أمام المرآة كل يوم.. ينظرون إلى وجوههم التي يحاولون إقناعها.. أنها وجوه الحق.. وجوه العدالة.. وجوه الصدق.. لكن أعينهم تهرب من انعكاسهم.. فثمة شيء في الداخل يصرخ.. شيء يعرفهم أكثر مما يعرفون أنفسهم.. شيء يعلم يقيناً.. أنهم ليسوا إلا أسرى أهوائهم.. عُميان بصيرة.. وإن امتلكوا أعيناً تبصر.. فإن كان الحق بيد غيرهم.. أنكروه.. وإن حمله من يشبههم.. جعلوه نوراً يضيء دروبهم العَتِمة.. فأي عقل هذا الذي يزعمون امتلاكه؟!.. وأي نزاهةٍ تلك التي يدّعونها؟!..

في نظريات علم الاجتماع.. يسميهم البعض.. ضحايا القوقعة الإدراكية.. ذلك السجن الذي يبنونه حول عقولهم بمحض إرادتهم.. فلا يسمعون.. إلا أصداء أصواتهم.. ولا يصدقون.. إلا ما يخرج من أفواه من يشبههم.. يحيطون أنفسهم بحاجز من المعتقدات الجاهزة.. واليقينيات المصطنعة.. فإن جاءتهم الحقيقة من غير مجموعتهم.. حاولوا دفنها.. أو تبخيسها.. وإن نطق بها صديقٌ.. رفعوها رايةً في السماء.. وكأن الحقيقة ليست إلا ورقة يرفعونها.. أو يمزقونها بحسب الهوى.. لا بحسب العقل والمنطق..

أما في علم النفس.. فهم مصابون بانحياز التأكيد.. ذلك المرض العقلي.. الذي يجعل الإنسان لا يرى.. إلا ما يؤيد رأيه.. ولا يسمع.. إلا ما يرضي قناعاته.. وكل ما يخالفه يصبح تهديداً.. يجب استئصاله.. وكل من يعارضه يصبح عدواً.. يجب إسكاته.. فهم لا يبحثون عن الحق.. بل عن انتصار زائف على حسابه.. يخشون أن تكون الحقيقة ليست معهم.. فيحاربونها بكل ما أوتوا من مكرٍ.. وخداعٍ.. ونفاق..

وفي الفلسفة.. يقتربون من مفهوم الإنسان المزيف.. الذي تحدث عنه "سارتر".. ذلك الكائن الذي يدّعي امتلاك الوعي.. ولكنه يعيش في زيفٍ كامل.. يرى في نفسه مثالاً للحكمة.. بينما هو مجرد صدى لرغبات الجماعة التي ينتمي إليها.. يفكر داخل الصندوق الذي صُنع له.. يصرخ حين يطلبون منه الصراخ.. ويسكت حين يُؤمر بالصمت.. لا قرار له.. ولا عقل.. ولا شخصية.. مجرد وعاء.. تُصب فيه الأفكار الجاهزة.. ليرددها.. وينقلها.. بلا أدنى تفكير..

وما يزيد الطين بلة.. أننا نعيش في فضاءٍ إلكتروني.. يجعل هذه الظاهرة واضحة كالشمس.. مواقع التواصل الاجتماعي.. أصبحت ساحةً.. يَفضح فيها هؤلاء أنفسهم كل يوم.. فترى كيف ينقلون كلمات من يشبههم.. وينشرونها بكل حماسٍ.. وإن كانت هزيلةً.. لا تليق حتى بمستوى الأطفال.. بينما يتجاهلون غيرهم.. حتى وإن قال الحقيقة بأدق تفاصيلها.. وبأسلوبٍ راقٍ.. وعقلاني.. ومهني.. إنهم لا يبحثون عن الفكر.. بل عن الولاء.. لا يتفاعلون مع المضمون.. بل مع هوية القائل.. وإن نطق الحق من فمٍ لا يروق لهم.. دفنوه.. أو تجاهلوه.. وكأنه لم يكن..

هم في حقيقتهم ليسوا معارضين للأفكار المخالفة.. بل خائفون منها.. مرعوبون من أن يهتز عالمهم الضيق.. أمام اتساع الحقيقة.. يرتعدون خوفاً من أن يُكشف زيفهم.. فيمارسون النفاق المزدوج بكل جرأةٍ وقسوة.. فإن جاءت الفكرة ممن يخالفهم.. كذّبوها وحاربوها.. وإن نطق بها من يشبههم.. جعلوها وحياً مقدساً.. فأي تناقض هذا؟!.. وأي مزاجيةٍ تُبطل العقول.. وتصنع من الجهل حكمة؟!..

فمشكلتهم ليست في الفكرة.. بل فيمن نطق بها.. ليست في الهدف.. بل في الهدّيف.. ليست في الحقيقة.. بل في هوية قائلها.. ولو أنهم استخدموا عقولهم لحظة واحدة فقط.. ولو أنهم وقفوا أمام المرآة بصدقٍ ولو ليومٍ واحد.. لعرفوا حجم الخديعة التي يعيشونها.. ولأدركوا أنهم ليسوا سوى بهائم فكريةٍ.. تهيم في قطعان الولاء الأعمى.. غير أن الفرق بينهم وبين البهائم.. أن البهيمة لا تدّعي الحكمة.. ولا تزعم امتلاك الحقيقة..

إنهم يهربون من مواجهة أنفسهم.. يهربون من أعينهم التي تعرفهم جيداً.. لكن إلى متى؟!.. متى سيجرؤون على النظر إلى انعكاسهم في المرآة.. دون أن يخافوا الحقيقة التي تحرقهم من الداخل؟!.. متى سيتحررون من قيود الانحياز والتبعية العمياء؟!.. متى سيدركون أن قيمة الفكرة في صحتها.. لا في هوية قائلها؟!.. متى يعقلون؟!..





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :