العمليات الإسرائيلية في الضفة الغربية: الأهداف والاستراتيجيات المحتملة
صالح الشرّاب العبادي
22-02-2025 10:52 PM
تشهد الضفة الغربية تصعيدًا عسكريًا غير مسبوق من قبل الجيش الإسرائيلي، في ظل توترات إقليمية متزايدة تتعلق بمستقبل القضية الفلسطينية ، هذه العمليات تأتي في سياق استراتيجي واسع يمتد ليشمل التطورات في قطاع غزة، والعلاقات مع دول الطوق والإقليم ، وحتى توازنات القوى الإقليمية ، في الوقت ذاته، تزامنت هذه التحركات العسكرية مع تصريحات مثيرة للجدل أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتي تضمنت اقتراحات بتهجير الفلسطينيين إلى الدول المجاورة، وهو ما قوبل برفض قاطع من الأردن على لسان جلالة الملك عبد الله الثاني، واعلنت عنه معظم وكالات الأنباء العالمية والدول العربية في تفاعل عالمي دولي مشهود .
كانت نقطة الفصل في الرفض هو لقاء جلالة الملك مع الرئيس الأميركي الذي حوًل التصريحات بالتهجير الى توصيات ، وتوصيات غير مفروضه ، وبالرغم من تراجع ترامب عن فحوى هذه التصريحات لم يثني ذلك التراجع اسرائيل عن عدوانه المستمر في الضفة وغزة ، التي بدأت تتوسع بحربها وتماديها ، متجاوزة الخطوط الحمراء التي رسمتها القوانين والاتفاقيات الدولية.
الأهداف الاستراتيجية للعمليات العسكرية
يمكن تحليل الأهداف الإسرائيلية من هذه العمليات وفقًا لعدة محاور رئيسية:
الاستعداد لمواجهات محتملة :
مع تزايد الحديث عن تهجير الفلسطينيين قسرًا، برزت مخاوف من أن تتحول هذه الخطوة إلى أزمة إقليمية قد تشمل مواجهة مباشرة مع دول الطوق ، فالغور الأردني، الذي يمثل نقطة ربط استراتيجية بين الضفة الغربية والأردن، قد يصبح محورًا رئيسيًا في أي سيناريو يتعلق بالتهجير القسري وكذلك الحدود المصرية الإسرائيلية ( سيناء) ، إضافة الى جنوب لبنان…
الأردن بقيادة الملك عبد الله الثاني، أعلن رفضه القاطع لأي محاولات تهجير للفلسطينيين، مؤكدًا أن ذلك يشكل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي الأردني والاقليمي ، كما شدد الملك، خلال لقائه مع ترامب في البيت الأبيض، على أن هذا الخيار غير مقبول من الناحية السياسية والديمغرافية ويهدد أمن واستقرار المنطقة ككل .
تعزيز السيطرة الإسرائيلية على الضفة الغربية:
يتضح من خلال العمليات العسكرية الإسرائيلية أن هناك نية واضحة لفرض أمر واقع جديد في الضفة، يشمل توسيع المستوطنات والسيطرة على مناطق استراتيجية، مع تجاهل القرارات الدولية واتفاقيات السلام ، وقد استهدفت العمليات الإسرائيلية مناطق رئيسية مثل جنين، طولكرم، نابلس، وطوباس( مناطق شمال الضفة الغربية) ، حيث دمرت المخيمات الفلسطينية وفرضت حصارًا أمنيًا مشددًا، مما أدى إلى نزوح داخلي متزايد.
الاستعداد لسيناريو شبيه بغزة:
مع تصاعد عمليات المقاومة في الضفة، تتوقع إسرائيل من أن تتحول هذه المناطق إلى نسخة أخرى من قطاع غزة، حيث تنشط مجموعات مقاومة محلية مثل “عرين الأسود” و”كتيبة جنين”. ومن أجل تفادي ذلك، تنفذ القوات الإسرائيلية عمليات استباقية تشمل القصف الجوي، الاعتقالات، وتصفية قادة الفصائل، إلى جانب تعزيز أمن المستوطنات، خاصة بعد الهجمات التي استهدفت الإسرائيليين داخل تل أبيب( عملية الحافلات ) .
إمكانية اندلاع مواجهة عسكرية محتملة:
قررت دول الطوق ( الأردن ، مصر ، لبنان ، سوريا) والدول العربية رفض تهجير الفلسطينيين وإغلاق حدودها أمام اللاجئين، وهو حق من حقوقها لمنع خلق نكبة او نكبات تهجيرية أخرى وزيادة العبء على هذه الدول وتغيير الديمغرافية المتعمدة من اجل ضياع حقوق الفلسطينيين ، وقد يؤدي ذلك إلى احتكاكات عسكرية مع إسرائيل، خاصة أن قوات الدول المحيطة بإسرائيل تمتلك خبرة طويلة في التعامل مع التهديدات الأمنية على طول حدودها ، وقد يدفع ذلك إسرائيل إلى تنفيذ عمليات عسكرية سريعة لفرض سيطرتها على مناطق حساسة، أو حتى التحرك عسكريًا ضد أي تحركات عسكرية تُفسر على أنها تهديد لمصالحها.
الاستعداد لمواجهة إقليمية أوسع:
التهديدات الإسرائيلية لا تقتصر فقط على الضفة الغربية أو الدول الحدودية ، بل تشمل أيضًا احتمالات نشوب صراع على عدة جبهات، من لبنان وسوريا إلى العراق واليمن، حزب الله في لبنان قد يتدخل في الصراع عبر شن هجمات صاروخية أو عمليات تسلل، خاصة بعد تصاعد التوترات على الحدود الشمالية لإسرائيل ، سوريا، رغم أنها لا تبدو قادرة حاليًا على لعب دور مباشر، إلا أنها قد توفر دعمًا لوجستيًا لفصائل المقاومة ، الميليشيات المدعومة من إيران في العراق قد تنفذ هجمات على المصالح الإسرائيلية أو الأمريكية في المنطقة، مما قد يجر إسرائيل إلى تصعيد أوسع ، الحوثيون في اليمن لديهم قدرات صاروخية متطورة، وقد يستخدمونها لاستهداف إسرائيل كما فعلوا في حرب غزة .
منع عمليات الاختراق والهجمات الفدائية
تتوقع إسرائيل أن تحاول المقاومة الفلسطينية تنفيذ عمليات تسلل إلى داخل الأراضي المحتلة، سواء عبر هجمات فدائية أو محاولات لفتح جبهات جديدة او تكرار طوفان جديد ، لذلك، تركز العمليات الإسرائيلية على تعزيز المراقبة الحدودية، سواء مع الأردن، مصر، لبنان ، سوريا ، إلى جانب استخدام أنظمة الإنذار المبكر وتعزيز التنسيق بين القوات البرية والجوية.
ايران: ايران حاضرة في كل التصريحات الاسرائيلية فاسرائيل تضع ايران والنووي وأذرعها في العواصم العربية موضع الهدف التالي ، حيث ترفض اي اتفاق او هدنة او مفاوضات بوجود اي مظاهر عسكرية مدعومة من ايران في غزة او الضفة او جنوب لبنان او اليمن ..
البعد السياسي للعمليات العسكرية
إلى جانب الأهداف العسكرية، تحمل هذه العمليات أبعادًا سياسية مهمة، حيث تسعى إسرائيل إلى إرسال رسائل تحذيرية إلى دول الطوق والمجتمع الدولي بشأن قدرتها على فرض واقع جديد في الضفة والمنطقة ، تشمل هذه الأبعاد ردع المقاومة الفلسطينية عن تنفيذ عمليات كبرى، وإظهار القوة أمام العالم، رغم الانتقادات الدولية المتزايدة لانتهاكاتها في الضفة الغربية.
الارتباط بملف غزة وصفقة الأسرى
العمليات العسكرية في الضفة الغربية تتزامن مع التطورات في ملف غزة، حيث تهدد إسرائيل بالعودة إلى القتال في حال تعثرت المفاوضات بشأن صفقة الأسرى، وبحسب تصريحات رئيس الوزراء لدولة الاحتلال بنيامين نتنياهو، فإن استئناف القتال قد يكون خيارًا إذا لم يتم تسليم الأسرى الإسرائيليين وفقًا للشروط التي حددتها إسرائيل، إسرائيل واليمن المتطرف تحاول عرقلة الصفقة في وقت تعلن المقاومة أنها تنفذ شروط الاتفاق حسب ما هو مخطط له، هذا التصعيد يزيد من تعقيد الأوضاع، خاصة أن دول الوساطة مصر وقطر تسابق الزمن لمنع انهيار الاتفاقات القائمة.
هل نحن أمام حرب إقليمية؟
العمليات العسكرية في الضفة الغربية والغور الأردني من الجانب الفلسطيني، إلى جانب استعدادات إسرائيل للعودة إلى القتال في غزة، تشير إلى أن المنطقة تمر بمرحلة غاية في الخطورة ، فإسرائيل لا تخوض مجرد عمليات أمنية روتينية، بل تنفذ استراتيجية متعددة الأبعاد تهدف إلى فرض تغييرات جذرية على الأرض، قد تشمل تهجير الفلسطينيين قسرًا، وقد تصل حد المواجهة. وفي ظل التصعيد المستمر، فإن احتمالات اندلاع مواجهة إقليمية تشمل عدة أطراف باتت أكثر واقعية من أي وقت مضى، ما يجعل الأيام القادمة حاسمة في تحديد مستقبل الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني والعلاقات الإقليمية ككل.
المقاومة محور المفاوضات والقرارات
تبقى المقاومة (حماس وباقي فصائل المقاومة) هي محور المفاوضات في كل الاتجاهات ، فإسرائيل وأمريكا ترفضان رفضًا قاطعًا أي تواجد سياسي أو عسكري لحماس في القطاع وكذلك في الضفة الغربية، وهي ترفض اي حلول سياسية مع تواجد المقاومة.
تستغل اسرائيل حالة الانقسام الداخلي للجسم الفلسطيني، هذا الانقسام المستمر هو كذلك سيكون عقبة امام القرارت السياسية العربية في حال كان هناك حلول او قرارات ضد التهجير ..
الاجتماعات العربية تعلق إعادة الإعمار ورفض التهجير على ضغوط دولية تكون أولها أنه لا يمكن أن يتم الموافقة على الحلول البديلة للتهجير مع وجود حماس في القطاع، وهذه ستكون نقطة الخلاف الرئيسية في أي قرارات مستقبلية في غزة ، إضافة إلى السؤال المطروح على مستوى المنطقة: من سيتولى أمر غزة خلال الفترة القادمة وخاصة في مرحلة إعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية والاجتماعية وعودة الحياة الطبيعية إلى غزة؟ كل هذه الإجابات ستكون من ضمن قرارات القمة المرتقبة التي تتأثر طرديًا كل يوم مع استمرار القرارات الأمريكية-الإسرائيلية والمستجدات الإقليمية والدولية.