لست طبيبا ،ولكنني امضيت شطر حياتي الاكبر في دراسة الاعلام والسكان وعلم الاجتماع ،اراقب الانسان وادرس سلوكياته،وعلاقاته الاجتماعية،واحاول فهمه في نطاق البحث العلمي الموضوعي ومع ذلك لا ادعي انني استطعت الوصول الى الاجابابات الشافية للاسئلة المحيرة التي تدور في ذهني وهذه سمة يشترك بها الباحثين وخاصة المتخصصين في الحقول الانسانية، فالاسرار لم تفتح مغاليقها للعلم حتى اللحظة ومع ذلك لم يبق الانسان ذلك المجهول. فقد استطاع العلم ان يتقدم خطوات باهرة في عالم الطب واكتشاف الامراض وعلاجها، ومع ذلك فان المستشفيات والعيادات تعج بالنزلاء من المرضى الذين يعانون من امراض نفسية وجسدية على السواء،وقيل "العقل السليم في الجسم السليم" و"اجمل ما في الوجود نفس جميلة في جسد جميل".وللاسف فهذه المأثورات باتت حلم الانسان وهو في اوج تفوقه رغم انها قيلت وهو ما يزال يحبو في ميادين العلم.
وحسب معلوماتي المتواضعة كأكاديمي متخصص في علم الاجتماع وجدت الناس يتسابقون على الشهرة ويتنافسون على الثروة، وجوع المناصب يتفشى في المجتمع حتى بين بعض الذين لم يستلموا شهادتهم الجامعية الأولى ، مما ولدّ ضغوطا نفسية لدى الفرد انعكست عليه امراضا جسدية ،ومن البدهيات ان القرحة والقولون العصبي والصداع وامراض القلب والشرايين والسكري وحتى السرطان هي محصلة طبيعية للضغوط الحياتية والمعيشية التي يتعرض لها هذا الكائن المكون من لحم ودم واعصاب على مدار الساعة،وما اسهم في ارتفاع نسبة هذه الامراض ايقاع الحياة السريع ووسائل الاتصال والتكنولوجيا الحديثة التي خطفت الانسان من اسرته ومن ذاته ، لينساق مرغما مع رقصة الحياة المميتة.
اذاً العلاقة وطيدة بين المرض الجسدي والتوتر النفسي والقلق والاجهاد والوسواس القهري والكآبة.والحقيقة انني لم ادهش للارقام المفزعة التي كشفها مشكورا الدكتور بسام حجاوي مدير الرعاية الصحية الاولية في وزارة الصحة خلال انطلاق حملة " سلامة قلبك " للوقاية من أمراض القلب والأوعية الدموية، التي نظمتها مؤخرا وزارة الصحة بالتعاون مع شركة )استرا زينكا) في غرفة تجارة الزرقاء، والارقام التي كشفها الدكتور الحجاوي تبين ان عن المصابين بداء السكري بلغ أكثر من مليون أردني، فضلا عن إصابة الكثيرين بعوامل الخطورة الأخرى ذات الصلة الوثيقة بالإصابة بالسكري، كزيادة الوزن والسمنة وارتفاع الكولسترول والشحوم الثلاثية. وان الدراسات التي أجرتها الوزارة بالتعاون مع الجهات المختلفة أظهرت أيضا ارتفاعا ملحوظا بنسبة المصابين بضغط الدم لتبلغ ( 26%) ، وهذا يعني ان ربع الأردنيين مصابون بامراض مزمنة . هذه الدراسات والارقام تدق ناقوس الخطر وتتطلب من الجميع الحرص والتوعية لمواجهة مخاطر هذه الامراض ومضاعفاتها .
وعلى قاعدة اذا عرف السبب بطل العجب فان الدكتور الحجاوي أرجع زيادة معدلات الإصابة إلى أسباب عدة أبرزها تحسن الظروف البيئية المعيشية والاجتماعية للسكان، وانخفاض معدلات الوفيات، وارتفاع معدلات الأعمار المتوقعة للفرد عند الولادة، وتغيير نمط الحياة الغذائي والحركي، ما أدى الى حدوث تحول ديمغرافي تمثل في ازدياد متسارع في أعداد الكهول والمسنين، وبروز الأمراض غير السارية، كأمراض القلب والسكري.
ولا يختلف اثنان على أن المجتمعات العربية بعامة والأردني بخاصة يمرون بظروف اقتصادية واجتماعية ونفسية غاية في الصعوبة فالمذابح الذي يتعرض لها الفلسطنيون، والغموض التي تحيط بالعملية السلمية، والتدمير الممنهج في العراق والمجازر في ليبيا واليمن، وتطور وتسلسل الاحداث في سوريه، لها اكبر الاثر على نفسية المواطن وتحطيم اعصابه، ولا ننسى الاوضاع الاقتصادية وارتفاع اسعار السلع الغذائية والمحروقات والماء والكهرباء . هذه الامور المجتمعة عصفت بهذا المخلوق المسمى " انسان " وجردته من مقاومته واضعفت جهاز مناعته حتى اصبح نهبا للعلل النفسية والافات الجسدية.
وبعد،،، التوعية والارشاد والتثقيف في خطورة امراض السكري وضغط الدم ، وزيادة وعي المواطنين بعوامل الخطورة المسببة لهذه الأمراض، يساعد في مواجهتها والوقاية منها، وهذا يتطلب تعاون مؤسسات المجتمع كافة لوضع الخطط والبرامج التي تدعم المواطن لمواجهتها ؟.
وبما اننا نتحث عن حملة سلامة قلبك ، فاننا ندعو لقلوبكم بالسلامة والعافية، وسلامتكم يا اردنيين من الآه. ومن وجع القلب، ومن هم الديون، والمديونية، وعجز الميزانية، والبطالة والفقر والفساد والافساد الاداري ،والمحسوبية والشللية وفضائح التقارير الطبية، واللجان الطبية، التي تزيدنا ضغطا وتصلب شرايينا، وترفع نسبة السكر والتوتر الشرياني و.... ،
مسك الكلام،،، كنت اعتقد ان غالبية الشعب الاردني يعانون التوترات القلبية وبحاجة الى زراعة شبكيات وعمليات قلب مفتوحه، وبما ان ربع الاردنيين يعانون من ازمات قلبية وسكريه ومعوية ، ونشكر المنفذين لحملة سلامة قلبك، لانها جاءت في وقت يكون فيه الاردنيين احوج الى الحرص والحيطة من النوبات القلبية فالمؤتمرات الصحفية الحكومية والهرج التي يدور خلالها كافية لشطب قلوب وعقول الاردنيين !!. وبما انني ممن يقدمون النصائح المجانية، واعرف جيدا بان دولة رئيس الوزراء " ابو سليمان " ممن يسمعون النصيحه، انصحه بعدم عقد اي مؤتمر صحفي مستقبلا حرصا على سلامة قلوب الاردنيين، ورشرش حبك يا جميل، وداويلي القلب العليل.
ohok1960@yahoo.com
اكاديمي،،، تخصص علم اجتماع