** اختلالات خطيرة في آليات صناعة القرار والبخيت يتحمل القسط الاكبر من المسؤولية ..
تباينت ردود الفعل على استقالة وزير الدولة لشؤون الاتصال والاعلام طاهر العدوان, فقد رأى فيها البعض خسارة للحكومة, ومنهم من اعتبرها خطوة شجاعة من اعلامي عريق انحاز الى قيم الحرية الصحافية التي طالما دافع عنها وضحى من اجلها.
في الحالتين الرأي صحيح, فالعدوان واحد من الوزراء الذين منحوا الحكومة مصداقية وثقة في اوساط الرأي العام, واستقالته في هذا الظرف تعمق مآزق الحكومة. واحسب ان العدوان لا يبحث من وراء الاستقالة عن شعبية او يسعى الى اضعاف الحكومة او التسريع في رحيلها, فقد اختلف خلال الفترة الماضية مع اسلوب الحكومة في ادارة الازمات, وحاول جاهدا التغلب على العقبات التي تعترض طريق الاصلاحات وشكل مع وزراء اخرين ما يشبه " اللوبي " داخل مجلس الوزراء, ونجحوا مرات في مسعاهم, كما اخفقوا في مناسبات اخرى, وتحملوا جراء ذلك لوم الشارع والوسط الاعلامي.
السبب المباشر لاستقالة العدوان هو رفضه للتعديلات المقترحة على قوانين المطبوعات وهيئة مكافحة الفساد والعقوبات, لكن في الخلفية ايضا شعور بالمرارة من التراخي في التعامل مع حوادث الاعتداء على الاعلاميين ومظاهر البلطجة في الشارع وضد الناشطين في العمل العام, ومحاولات البعض جر البلاد الى حالة من الاحتقان الداخلي.
البيان التوضيحي الذي اصدره العدوان بعد تقديم استقالته يكشف عن اختلالات خطيرة في آليات صناعة القرار, وكأننا لم نغادر بعد المربع الاول, وان ما نسوقه من تصريحات عن الاصلاح السياسي مجرد مسرحية لالهاء وتخدير الناس. والا كيف نفسر ادراج مشاريع قوانين على جدول الدورة الاستثنائية رفضها مجلس الوزراء, واخرى لم يطلع عليها بعد?
والاسواء من ذلك تجاهل الحكومة لرأي نقابة الصحافيين والوسط الاعلامي في التعديلات على قانون المطبوعات والنشر والاصرار على طبخها بعيدا عن اعين الاعلاميين والوزير المعني ايضا.
ليس بيان العدوان الذي اشار الى ذلك فقط, بل تصريحات وزراء فضلوا عدم ذكر اسمائهم عبروا فيها عن غضبهم من التجاوز على صلاحيات مجلس الوزراء وسلطته الدستورية.
استقالة الوزير العدوان ضربة قاسية للحكومة ومؤشر على حالة التفسخ التي بدأت تعيش فيها, والمسؤول عن ذلك هو رئيس الوزراء بالدرجة الاولى الذي سمح منذ البداية لاطراف عدة بالدخول على خط الحكومة, ولم يظهر الحزم المطلوب في مواجهة التجاوزات, ناهيك عن التباطؤ في اتخاذ القرارات مما اغرى الاخرين بالتدخل في عمله.
الحكومة الضعيفة كما يجمع على وصفها المحللون تبدو اكثر ضعفا بعد استقالة العدوان, وستواجه ازمات جديدة في الايام المقبلة, خاصة مع عودة النواب الى مقاعدهم حاملين ملف " الكازينو".
ان الاعلام الاردني يحتاج الى الاصلاح مثله مثل كل القطاعات في الدولة, لكن ذلك لا يتم في الغرف المغلقة ثم يسقط على الناس بالبراشوت, ينبغي اجراء حوار واسع قبل اتخاذ اي خطوة, والوصول الى حالة التوافق اللازمة لاي عملية اصلاح.
لقد وفرت استراتيجية الاعلام التي اقرتها الحكومة منذ ايام الارضية المناسبة لذلك, فلماذا نقفز عنها بتشريعات تفوح منها رائحة عرفية ?
استقالة العدوان في الجوهر هي تعبير عن خيبة امل لاعلامي وسياسي قرر المشاركة في الحكومة لدفع عملية الاصلاح الى الامام فلم يحتمل اكثر من بضعة شهور, فأي رسالة نبعث للمتفائلين بنجاح الاصلاحات ?!.
fahed.khitan@alarabalyawm.net
العرب اليوم