ملف الكازينو وثيقة مرعبة!
د. محمد أبو رمان
23-06-2011 05:09 AM
من المتوقع أن يكون تقرير لجنة التحقيق في الكازينو على طاولة السادة النواب مع انطلاق الدورة الاستثنائية، اليوم، وهو ملف سيكون له صدى إعلامي كبير، بخاصة بعد أن تتسرب (بصورة أكبر) حيثياته وتفاصيله إلى الإعلام وتكون في متناول الجميع.
يدخل الرئيس إلى الدورة الاستثنائية غداة إعلان وزير الإعلام المرموق، طاهر العدوان استقالته احتجاجاً على التعديلات “العرفية” التي أدرجت على أجندة الدورة، وهي بمثابة “مجزرة” حقيقية للحرية الإعلامية، بدعاوى إثارة الإشاعات واغتيال الشخصية. إذ من الواضح أنّ “العقلية الرسمية” تنتمي لمرحلة “ما قبل الثورات الديمقراطية والانفجار الإعلامي”، وأسيرة معادلات أكل عليها الدهر وشرب.
استقالة العدوان تتجاوز الاحتجاج على هذه القوانين إلى اعتبارها وثيقة تاريخية تعزّز القناعة بوجود حبال سميكة تجر البلاد إلى وراء، وتضعف من “نوايا الإصلاح”، وتزيد الشكوك بمصداقية الخطاب الرسمي.
لا يمكن للرئيس أن يدخل بهذه الحالة إلى الدورة الاستثنائية، إلاّ إذا كان قد أعدّ نفسه وحكومته لحفلة قاسية، من العيار الثقيل. وفي ظني أمامه خياران لا ثالث لهما، للتخفيف من عبء المرحلة القادمة، الأول القيام بتعديل وزاري موسّع، يعيد ضخ الدماء في حكومته، ويطعّمها بوزراء مختلفين، مقنعين، وهي قصة صعبة، مع استنكاف كثيرين عن اللحاق بقطار يعاني من اختلالات كبيرة، والثاني الإصرار على الاستقالة فوراً.
القضية الأمّ في الدورة الاستثنائية هي ملف الكازينو، وهو ملف أعدّ باحترافية شديدة وبصورة محكمة، وإذا كان وقف إلى ما قبل توجيه اتهامات الفساد لأشخاص معينيين، فإنّ ما قدّمه من شهادات ووثائق حول الاختلالات الإدارية والتلاعب بالتواريخ وإخفاء الأوراق، والاستهتار بمصالح الدولة وبالقرارات السيادية أخطر من توجيه اتهامات مباشرة بالرشوة أو الفساد.
التقرير يصل إلى اتهام رئيس الوزراء ومجلس الوزراء حينها (باستثناء من رفضوا التوقيع) بمخالفات إدارية جسيمة، وهي قضايا يشملها قانون العقوبات، إذا ما تمّ المصادقة على تقرير اللجنة من ثلثي مجلس النواب (80 نائباً)، وسنكون أمام سابقة كبيرة، بالإضافة إلى اتهام شخصيات أخرى وتحويل ملفها إلى مكافحة الفساد، ومن ثم القضاء، لأنّهم لم يكونوا وزراء.
ثمة أسئلة هائلة بانتظار الرئيس وفي تفاصيل الملف أمور مقلقة جداً، نتمنى أن نسمع أجوبة حاسمة دامغة عنها: كيف نفسّر أن يتم إخفاء موقف وزير العدل حينها، شريف الزعبي، ومرافعته الصارمة ضد الكازينو، وتأييد طاهر حكمت له، عن مجلس الوزراء؟ وكيف يتم القفز عن رأي ديوان التشريع، فلا يستشار، وكيف تختفي كتب في غاية الأهمية على الطريق؟ وكيف يتم التوقيع على اتفاقية مخالفة تماماً لتلك الرديئة التي وقعها مجلس الوزراء؟ وكيف تتم مخالفة القوانين والأنظمة الإدارية لتمرير الاتفاقية؟ كيف يقبل الوزراء التوقيع على اتفاقية لا يعرفون عن فحواها شيئاً (بشهادات بعضهم)؟ بالإضافة إلى جملة أخرى من الأسئلة الشبيهة..
ملف الكازينو وثيقة مرعبة أعدّتها لجنة التحقيق، وما فيه يرقى إلى حدود الفضائح والجريمة، إن لم نسمع رداً حاسماً مجلجلاً، يرد الاعتبار للرجل بل وللدولة، لأنّ الأسئلة المتولدة من الكازينو تتجاوز هذا الملف وتلك الحكومة لمساءلة بنية المعادلة والإدارة ذاتها.
لا نريد أن نستبق الأمور بانتظار المناقشة النيابية. إلاّ أنّ رهان الرئيس على عدم حصول قرار الاتهام على الثلثين في المجلس، يقفز على ما هو أخطر من المجلس، أي محكمة الشارع وموقف الرأي العام، وهنا تحديداً تتلاشى وتختفي الحسابات النخبوية والسياسية وتقف أمام مواطن يقاتل لتأمين أساسيات الحياة، حين يشعر أنّه طعن في صميم القلب، وتعرّض لخيانة حقيقية في الأمانة والمسؤولية.
القصة ليست سهلة ولا عابرة، نحن أمام محطة صعبة جداً جداً.
الغد