التراث المقدس في أوزبكستان: قصة مصحف كاتا لانجار
الشيخ نور الدين خالق نزار
18-02-2025 09:45 PM
يعد مصحف "كاتا لانجار" الموجود في مكتبة مجلس مسلمي أوزبكستان،
أحد أقدم المخطوطات وأكثرها تميزًا في العالم. ويستمد المصحف اسمه من موطنه التاريخي في مسجد لانجار أوتا في منطقة كاشكاداريا بأوزبكستان، حيث كان ممثلو الطريقة الإشقية، المعروفون باسم "شيوخ كاتا لانجار"، يحمون صفحاته لأجيال.
يرجع العلماء تاريخ هذه المخطوطة إلى الربع الأخير من القرن الثامن، وهو ما يتزامن مع الفترة التكوينية لقواعد اللغة العربية. ويوجد منها حالياً 81 صفحة في معهد المخطوطات الشرقية التابع للأكاديمية الروسية للعلوم في سانت بطرسبرغ. ووفقاً لكتاب "عن المخطوطات العربية" لإغناطيوس كراتشكوفسكي، فقد تم الحصول على هذه المخطوطة بطريقة غامضة من امرأة مسنة في عام 1936.
اكتسبت أهمية المخطوطة اهتمامًا دوليًا في عام 1998 عندما نشر الأستاذ الروسي إفيم رضوان كتاب "القرآن وعالمه"، مسلطًا الضوء على مخطوطة مخزنة تحت رقم المخزون E 20 في معهد المخطوطات الشرقية. بعد فترة وجيزة، أرسل المستشرق الفرنسي فرانسوا ديروش رسالة إلى سانت بطرسبرغ، يشارك فيها نسخًا فوتوغرافية لصفحات القرآن الكريم التي تم اكتشافها في قرية كاتا لانجار في أوزبكستان. عرضت هذه الصفحات خطًا وأسلوبًا مطابقين لمخطوطة E 20.
وبعد ذلك، علم إفيم رضوان أن أجزاء من هذه المخطوطة محفوظة أيضًا في كاتا لانجار وطشقند وبخارى. وفي عام 1999، نُظمت رحلة أكاديمية إلى أوزبكستان، جمعت مجموعة من العلماء المستشرقين. وفحص الفريق مصحف عثمان وصفحة من مصحف لانجار في مكتبة مجلس مسلمي أوزبكستان في طشقند، وصفحة أخرى في معهد المخطوطات الشرقية، واثنتي عشرة صفحة إضافية في مساجد لانجار أوتا. وتم إنتاج فيلم وثائقي بعنوان "على خطى مصحف عثمان" لتوثيق هذا المسعى المهم.
وقد قدمت التحليلات العلمية الحديثة أدلة دامغة على قدم المخطوطة. ففي عام 2000، أجرى علماء روس وهولنديون في مركز أبحاث النظائر بجامعة جرونينجن عملية تأريخ بالكربون المشع لتحديد تاريخ الرق إلى الفترة ما بين 775 و995 بعد الميلاد، وهو ما يدعم إسناد العلماء تاريخه إلى أواخر القرن الثامن.
وفي أوزبكستان اليوم، لا تزال 16 صفحة من هذه المخطوطة الرائعة محفوظة في معهد أبو الريحان البيروني للمخطوطات الشرقية، وتوجد صفحتان منها في بخارى: إحداهما في مكتبة ابن سينا الإقليمية والأخرى في متحف آرك للمخطوطات، وتحتوي على نصوص من سورة المجادلة إلى سورة الحشر. وتحتوي مكتبة مجلس مسلمي أوزبكستان على 13 صفحة، بما في ذلك 12 صفحة جلبت من مسجد لانجار أوتا في عام 2003.
تتميز المخطوطة بخصائصها المادية الرائعة، فهي مكتوبة على ورق مصقول، ويبلغ قياس كل صفحة منها 53×35 سم تقريبًا. ويظهر النص بالخط الكوفي الحجازي، وهو من أقدم أشكال الخط العربي. وقد تم تعزيز غلافها الجلدي، الذي يعود تاريخه إلى القرن الرابع عشر وتم ترميمه في القرن السابع عشر، باستخدام ورق يحمل نصوصًا عربية.
على مدى قرون من الزمان، خضعت المخطوطة لجهود مختلفة للحفظ، بما في ذلك الإصلاحات والإضافات الزخرفية. تلقت الزوايا التالفة رقعًا بآيات أعيد كتابتها بخط النسخ، وأضيفت عناصر زخرفية بين السور. تحتوي الصفحات الباقية على جزئين من القرآن الكريم، مما يشير إلى أن المخطوطة الكاملة كانت تتألف في الأصل من 190 إلى 200 صفحة. اليوم، لم يتبق سوى 97 صفحة - 47 في المائة من الإجمالي المقدر.
وقد أعادت جهود الحفظ الأخيرة الحياة لهذا الكنز القديم. فبموجب مبادرة رئيس أوزبكستان شوكت ميرضيائيف، خضعت المخطوطة لترميم مكثف بين عامي 2019 و2021. وقد أزالت هذه العملية الدقيقة، التي أجراها مرممون من متحف اللوفر الفرنسي إلى جانب خبراء محليين، قرونًا من الضرر والتدهور المتراكم. وفي عام 2022، عُرضت صفحتان في معرض في باريس يحتفي بالتراث الثقافي لأوزبكستان.
إن مخطوطة كاتا لانجار القرآنية لا تمثل مجرد مخطوطة قديمة؛ بل إنها بمثابة شهادة على الدراسات الإسلامية والحفاظ على التراث الثقافي. وتمتد أهميتها إلى ما هو أبعد من حدود أوزبكستان، حيث تعمل ككنز روحي وتاريخي للبشرية. ومع استمرارنا في دراسة هذه القطعة الأثرية الرائعة والحفاظ عليها، فإنها تربط بين قرون من التقاليد الإسلامية والدراسات الحديثة وتقنيات الحفظ.