سواعد الوطن ونبضه: تحليل زيارة القائد الأمين لرفاق السلاح
د. تمارا زريقات
18-02-2025 04:33 PM
لم يكن لقاء جلالة الملك عبدالله الثاني حفظه الله ورعاه مع رفاق السلاح من المتقاعدين العسكريين مجرد مناسبة بروتوكولية، بل حمل بين سطوره رسائل سياسية ووطنية بالغة الأهمية، تتجاوز الحضور المباشر إلى التأكيد على ثوابت الدولة الأردنية في مرحلة إقليمية حساسة. في هذا اللقاء، تحدث جلالته حفظه الله ورعاه بصراحة ووضوح، مشددًا على قضايا جوهرية تمس السيادة الوطنية، الأمن القومي، والاستقرار الداخلي، وهو ما يضعنا أمام قراءة أعمق لمضامين هذه الرسائل وأبعادها.
في كلمة جلالته والتي استمرّت حوالي أربع دقائق، عبّر القائد عن فخره بوفاء رفاق السلاح وتضحياتهم التي تُعدّ حجر الزاوية لإنجازات الأردن ومؤسساته. وجاء التأكيد مجددًا على ثوابت السياسة الأردنية تجاه القضية الفلسطينية، خاصة فيما يتعلق برفض التوطين والتهجير والوطن البديل. لم يكن هذا التأكيد مجرد إعادة لموقف معلن، بل جاء ضمن سياق إقليمي ودولي متغير، يضع الأردن أمام تحديات سياسية وأمنية تتطلب وضوحًا في الرؤية وثباتًا في الاستراتيجية.
توقيت هذا اللقاء يعكس أيضًا دلالات سياسية عميقة؛ فمع عودة جلالته من زيارة إلى واشنطن، حيث التقى بصناع القرار الأمريكي، بات لا بد من التأكيد على مواقف الأردن الراسخة وبعث رسائل واضحة مفادها أن الأردن لن يكون جزءًا من أي ترتيبات تتجاوز ثوابته الوطنية. هذا الموقف الأردني لم يكن يومًا عائقًا أمام السلام، بل على العكس، هو تأكيد على أن أي حلول لا تأخذ بعين الاعتبار حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة لن تكون سوى وصفة جديدة لإدامة الصراع؛ فعلى مدى العقود الماضية، شكّلت القضية الفلسطينية محورًا أساسيًا في السياسة الخارجية الأردنية ومع تصاعد التوترات في الأراضي الفلسطينية، وتزايد الحديث عن حلول خارج إطار الشرعية الدولية، شدّد جلالته حفظه الله ورعاه على موقف الأردن الثابت وغير القابل للمساومة بعبارات —“كلا للتهجير، كلا للتوطين، كلا للوطن البديل”—لم تكن مجرد شعار، بل إعلانًا سياسيًا يحمل في طياته رسالة حاسمة لكل من يحاول إعادة صياغة واقع المنطقة على حساب الأردن أو حقوق الشعب الفلسطيني.
كما حمل هذا اللقاء رسالة سياسية وأمنية مؤثرة تُعبر عن قناعة راسخة بعدم التساهل مع من يستقبل أوامر من الخارج، ويعبر عنها بجملة صارمة “مش عيب عليهم” التي تُوجه لكل من يحاول بث الفوضى والانقسام داخل حدود الوطن. إن من يقبل بتلك الأوامر من الخارج -بالرغم من قلة عددهم- ومهما كانت دوافعهم؛ فإنه يُستهدف بالانتقاد والرد الوطني القوي بلا هوادة؛ فالأردن يقف شامخاً بأن كل من يحاول تزوير معالمه واستبدال مبادئه، وكل من يسعى للتدخل في شؤون الأردن، سواء كان من خارج الحدود أو من داخلها، سيواجه جداراً من الحزم الوطني والولاء المطلق لهذا الوطن.
في هذا السياق، جاء تأكيد جلالته حفظه الله ورعاه على جهوزية المتقاعدين العسكريين واستعدادهم للوقوف إلى جانبه في مواجهة التحديات بمثابة تأكيد آخر على أن الأردن يعتمد على نفسه قبل أي شيء آخر، وأن أبناء القوات المسلحة الأردنية والأجهزة الأمنية، سواء في الخدمة أو التقاعد، هم خط الدفاع الأول عن الدولة، فقد حمل اللقاء إشارات واضحة إلى أهمية الدور الذي يلعبه المتقاعدون العسكريون، ليس فقط في الماضي، بل أيضًا في المستقبل؛ إذ انه عندما يتحدث جلالة الملك عن خبراتهم ودورهم في تعزيز إنجازات الدولة، فهو يرسل رسالة واضحة بأن الأردن يعتمد على كوادره الوطنية في مواجهة أي تحديات مستقبلية. وهذا يعيدنا إلى فكرة الاستدارة إلى الداخل، حيث يتضح أن الحلول للأزمات لا تأتي من الخارج، بل من الداخل، من الاعتماد على الإرث الوطني، والخبرة المتراكمة، والوعي الجمعي الذي يحفظ الدولة من أي محاولات لزعزعتها.
كما جاء استخدام كلمة "الفوتيك" في حديث جلالته رمزاً للجاهزية المطلقة، وتأكيد بأن الأردن، كما واجه تحدياته عبر التاريخ بسواعد أبنائه، لا يزال قادرًا على حماية نفسه وسط العواصف الإقليمية؛ إذ تُحمل هذه الكلمة معنى استعداد كل عنصر من عناصر الجهاز العسكري والأمني لارتداء الزي العسكري في أي لحظة، لتأكيد أن شباب الأردن، سواء في الخدمة أو في مرحلة التكريم، يقفون صفاً واحداً في وجه كل التحديات. فجاء رد رفاق السلاح بكلمة "ابشر" بمثابة تأكيد جماعي، لنداء أخوي ينبض بروح الوحدة والعزيمة التي لا تلين، مؤكداً أن كل فرد في هذا الصف العسكري الراسخ جاهز ومستعد للوقوف دفاعاً عن الوطن.
الرسالة التي خرج بها اللقاء تجاوزت حدود الكلمات؛ إذ شددت على أهمية أن يتوحد الشعب الأردني، من الداخل قبل الخارج، ضد كل من يحاول التلاعب بمصير الوطن؛ فقد ركز اللقاء على ضرورة تبني مسار استراتيجي متماسك، يستمد قوته من جهازه العسكري والأمني الحامي الأمين للسيادة الأردنية، ومن مؤسسات الوطن الراسخة،
وما يميز هذا اللقاء عن غيره من التصريحات السياسية أن جلالة الملك حفظه الله لم يكتفِ بإعادة التأكيد على الثوابت الوطنية، بل اتجه بوضوح نحو تعزيز الجبهة الداخلية، والاستدارة إلى الداخل، وهو ما تجلى في عدة محاور: أولها، إشادته بالشعب الأردني ورفاق السلاح، وإعرابه عن استمداد القوة والشجاعة منهم، في إشارة إلى أن التحديات لا تُواجَه إلا بوحدة الصف الداخلي، هذا الربط بين تماسك الجبهة الداخلية والاستقرار السياسي والأمني يؤكد أن الأردن بقيادته الحكيمة التي توازن بين الواقعية السياسية والصلابة الوطنية ، يدرك أن المواجهة الحقيقية ليست فقط على طاولة السياسة الإقليمية، بل تبدأ أولًا من الداخل، من تعزيز الثقة بين القيادة والشعب، ومن حماية المؤسسات التي تمثل الركيزة الأساسية لصمود الدولة.
ختاماً، يبقى درس هذا اللقاء بمثابة نداء لكل أردني وأردنية؛ نُلم شملنا ونحزم همة الصف الداخلي، لأن قوة الوطن تنبع من وحدة أصحابه واستعدادهم الدائم للدفاع عن سيادته. إن التاريخ يشهد على أن الأردن، بقيادة صلبة لا تعرف التراجع، سيظل معقلاً منيعاً يحميه رجال الوطن الحقيقيون، وسيظل الرد على كل من يحاول المساس بكرامته إعلاناً ثابتاً: الأردن عصي وآمن؛ وسنظل نردد قولا وفعلا:
رايتكم فــوق السحايب يالجيش بيكوا نتغنى
يـــا قهارين الصعايب والفـرج للي نصنا
حنا فـــي يوم الحرايب افـعـالـنا مـا تـثـنى
ندعي الأعادي عطايب حـريـبـنا مـا يتهنى
"حمى الله الأردن وطنا وملكا جيشا وشعبا"