استراتيجية الاحتلال في غزة والضفة: سيناريوهات التهجير والمواجهة
صالح الشرّاب العبادي
18-02-2025 02:03 PM
تسعى إدارة الاحتلال الإسرائيلي إلى خلق واقع جديد استثنائي في غزة والضفة الغربية وجنوب لبنان، من خلال سياسات تتراوح بين المراوغة السياسية والتصعيد العسكري، مع تركيز واضح على سيناريو التهجير القسري كجزء من مشروع استراتيجي طويل الأمد، في هذا السياق، تبرز عدة سيناريوهات محتملة بناءً على المعطيات الحالية، سواء في غزة أو الضفة، وفي ظل التعاطي مع القرارات الأمريكية الداعمة لخطة التهجير.
منذ بداية العدوان على غزة، اعتمدت إسرائيل تكتيكًا يقوم على تقسيم العمليات إلى مراحل متعددة، بدأت بزعم تحقيق أهداف عسكرية محددة، ثم وسعت نطاق عملها ليشمل كامل القطاع، ساعيةً إلى جعله منطقة خالية من الحياة، هذا التلاعب بالمراحل، الذي استمر على مدار خمسة عشر شهرًا، يهدف في جوهره إلى إدارة الصراع بما يخدم الأجندة الإسرائيلية الأطول أمدًا.
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يواجه ضغوطًا داخلية من اليمين المتطرف وخارجية من المجتمع الدولي، يجد نفسه عالقًا بين مطرقة الفشل العسكري وسندان الضغوط السياسية، فمن جهة، هناك ضغوط عائلات الأسرى والوسطاء الدوليين للالتزام ببنود الاتفاقيات، ومن جهة أخرى، هناك إصرار على تنفيذ خطة التهجير التي طرحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، هذا الوضع دفع نتنياهو إلى التلاعب بالمراحل لتجنب الالتزام بإنهاء الحرب، محاولاً كسب الوقت لتحقيق مكاسب عسكرية وسياسية.
إحدى أخطر التطورات هي استحداث مديرية التهجير داخل الحكومة الإسرائيلية، وهي خطوة تعكس تحضيرًا عمليًا لفرض واقع جديد على الأرض، تسعى إسرائيل إلى تسهيل خروج الفلسطينيين من غزة عبر توفير وسائل النقل والمعابر إلى دول أخرى، مستغلةً الأوضاع المأساوية التي يعيشها السكان تحت الضغط العسكري والاقتصادي المتواصل، هذا المشروع، الذي يُروج له تحت ذريعة الهجرة الطوعية ، يهدف إلى تنفيذ تهجير واسع النطاق، مدعومًا بتصريحات ترامب والقرارات الأمريكية الأخيرة.
تشير التقارير الاستخباراتية إلى احتمال حدوث صدام عسكري بين إسرائيل وكل من الأردن ومصر، خاصة في ظل رفض هاتين الدولتين القاطع لفكرة التهجير القسري، إذا حاولت إسرائيل فرض هذا الأمر بالقوة، فقد يؤدي ذلك إلى تصعيد غير مسبوق في المنطقة، قد يتعدى حدود غزة والضفة ليشمل دول الطوق وربما مناطق أوسع في الإقليم، هذا السيناريو يعتمد على مدى نجاح القوى الفاشية داخل إسرائيل في فرض أجندتها، ومدى استجابة الولايات المتحدة والغرب لضبط التصعيد.
في ظل هذه التطورات، تبرز سيناريوهان رئيسيان:
الأول هو سيناريو المواجهة النهائية، حيث قد يؤدي استمرار السياسات العدوانية الإسرائيلية دون ردع إلى حرب إقليمية واسعة، تشمل مناطق متعددة وتصل إلى مواجهة مباشرة مع دول الطوق، هذا السيناريو يعتمد على مدى قدرة إسرائيل على فرض أجندتها، ومدى استعداد الدول العربية والمجتمع الدولي لمواجهة هذا التصعيد.
أما السيناريو الثاني فهو سيناريو السلام المستدام، الذي يعتمد على ضغوط دولية وعربية جادة لإجبار إسرائيل على إنهاء الحرب والجلوس إلى طاولة الحوار، هذا السيناريو يتطلب موقفًا عربيًا قويًا لا يقتصر فقط على رفض التهجير، بل يشمل دعمًا حقيقيًا لإنهاء الاحتلال وتحقيق حل سياسي شامل، نجاح هذا السيناريو مرهون بقدرة الدول العربية والقوى الدولية على كبح جماح السياسات الإسرائيلية العدوانية.
تمر إسرائيل بمرحلة مفصلية في إدارتها للحرب على غزة والضفة، حيث تحاول التلاعب بالمراحل العسكرية والسياسية لتحقيق مكاسب استراتيجية. في المقابل، يبقى مستقبل هذه المخططات مرهونًا بالمواقف الدولية والعربية، ومدى قدرة الفلسطينيين على مقاومة محاولات فرض واقع جديد عليهم بالقوة. في النهاية، يظل الموقف العربي التاريخي غير القابل للتفاوض هو العامل الحاسم في تحديد مسار هذه الأحداث.