خلال ملتقى الشباب الأسبوع الماضي، قدمت إحدى المشاركات توصية بأن نعطي جميعا في حياتنا مساحة لخطاب الأمل والتفاؤل، وأن يكون هذا الخطاب حاضرا في تعاملنا مع قضايانا العامة. وهي توصية لا أدري إن توقفت عندها الجهة المنظمة أم لا.
وخطاب الأمل والتفاؤل جزء من الفكر الإصلاحي، لأن من لا يملك الأمل بالقادم لا يمكن أن يعمل للإصلاح، ومن يتعامل بمنطق الإحباط واليأس لا تجد لديه الحافز للإصلاح، لأن البديل عن خطاب التفاؤل إشاعة أجواء عدم الثقة في كل شيء، بل تخريب علاقة الإنسان بكل ما حوله، ويمكن أن يؤدي إلى انتحار اجتماعي أو سياسي؛ وفي معادلة العلاقة بين الإنسان ووطنه يصبح غريبا عن بلده.
خطاب التفاؤل ليس سهلا، وهو ليس أغنيات وكلاما إنشائيا بلا مضمون، بل هو أصعب أنواع الحديث، لأنه يجب أن يعتمد على المنطق والمعلومة والعاطفة. وهو خطاب موضوعي منصف، يشير إلى الأمور السلبية ولا يغمض العيون عن أي نقاط ضعف، لكنه يقاوم تلك الرغبة لدى البعض في تجاهل عوامل الخير والإنجازات والنقاط المضيئة، لأن من لا يؤمن بخطاب الأمل يذكر مضطرا بعض الإيجابيات لكنه يقلل من شأنها ويقدمها للناس وكأنها سلبيات محدودة الشر.
خطاب التفاؤل والأمل هو خطاب العقل الذي يحاكم كل القضايا من دون الانصياع لعين الرضى أو عين الغضب؛ خطاب فيه الحكمة ومنع هيمنة الغضب، لأن نقيض خطاب الأمل أنواع من الخطاب منها خطاب الحقد الذي ينظر إلى كل الأمور على قاعدة مشاعر غير سوية لدى فرد أو مجموعة نتيجة موقف أو علاقة غير ناضجة.
خطاب التفاؤل والأمل جزء من أدوات بناء العلاقة السوية بين الأفراد ودولتهم ومجتمعهم، وهو ليس مطلوبا من طرف في الدولة بل مطلوب من كل الأطراف والجهات. فالدولة أو الجهات الرسمية يجب أن يكون خطاب التفاؤل والأمل جزءا من بنية خطابها السياسي وعملها الإعلامي، لكن ليس بطريقة الوعظ أو التوجيه المباشر فقط، بل بكل الوسائل العلمية، لأن هذا علم واحتراف.
وإلى جانب الجهات الرسمية، فإن خطاب التفاؤل وروح الأمل مطلوب من بقية فئات المجتمع، سواء كانت معارضة سياسية أو قطاعات مهنية أو اقتصادية.. وهو جزء من طريقة تفكير المعلمين والموجهين في كل مراحل التعليم؛ إنه روح ومنهج تعامل للأفراد مع دولتهم وقضاياها، كما أنه جزء من احترام الحكومات للمواطن بأن تتحدث معه بموضوعية.
خطاب الأمل والتفاؤل يبني علاقة سوية، فلا تجد مبالغة في الحديث عن الإيجابيات وإغماض العيون عن السلبيات، ولا تجد الجانب الآخر الذي يقدم الأردن وكأنه غابة من السوء والفساد والظلم والجوع خدمة لغرض سياسي أو لإضعاف حكومة أو لامتلاك مادة للنقد والمعارضة.
في بلادنا مشاكل وقضايا تحتاج إلى حلول جذرية، لكننا أيضا نملك إنجازات كبيرة، وشعبا متعلما وبنية تحتية وفئات كثيرة تعيش بشكل ميسر، ولدينا مسار من الديمقراطية والأمن... نقول هذا لأننا نريد أن نبقى دائما نشعر بالأمل بأننا نستطيع أن نطور أنفسنا، وأن نحل مشاكلنا، فليست وظيفة أي منا أن يشعرنا أننا في جنة الخلد أو أننا في جهنم، بل نحن في بلد يستحق منا أن نبذل من أجله مزيدا من العمل والإصلاح. ونختم بحديث للرسول الكريم قال فيه: "من قال هلك الناس فهو أهلكهم"، أي هو من صنع الهلاك فيهم.
(الغد)