الفرق بين الديمقراطي والجموهوري .. وكيف يتعاملون معنا؟
محمود الدباس - ابو الليث
16-02-2025 04:02 PM
أكتب هذا المقال بعد قراءتي لمقال د. خليل الهندي.. الذي نشر في رأي اليوم بتاريخ 5 نوفمبر 2024.. والذي تناول فيه الجذور الفكرية للحزبين.. الجمهوري والديمقراطي في أمريكا.. وانطلاقهما من عقيدتين متناقضتين ظاهرياً.. لكنهما متفقتان جوهرياً في الهيمنة والاستعمار.. وإذا كان ما ورد في مقاله.. قد فتح الباب واسعاً لفهم الأبعاد الدينية والتاريخية.. لنشأة هذين الحزبين.. فإنني أسعى هنا لتعميق الصورة.. والربط بينها.. وبين مفهوم الدولة العميقة.. وكذلك استقراء أثر هذه العقيدة المزدوجة.. على سياسات أمريكا.. تجاه العرب والمسلمين.. وقضية القدس تحديداً..
الولايات المتحدة تتزين بالديمقراطية.. لكنها تفرضها وفق مقاييسها الخاصة.. تدعم أنظمة ديكتاتورية.. إذا ضمنت ولاءها.. وتحرض على الثورات.. متى كان ذلك يخدم مصالحها.. وهذا ليس تناقضاً.. بل جزء من عقيدتها السياسية.. فهي لم تقم يوماً على مبادئ ثابتة.. بقدر ما قامت على البراغماتية المطلقة.. أي أن المبدأ الوحيد هو المصلحة.. وعندما يكون المطلوب تفتيت دول عربية.. كالعراق وسوريا وليبيا.. فإن أمريكا لن تتردد في دعم الميليشيات.. وتمكين الجماعات المتطرفة.. حتى لو كانت هذه الجماعات.. على النقيض من قيمها المعلنة..
هذه السياسة ليست مجرد قرارات مؤقتة تتغير بتغير الرؤساء.. أو الأحزاب.. بل هي استراتيجية دولة.. مدفوعة بقوى.. تمتد عميقاً داخل المؤسسات الحاكمة.. أي ما يعرف بالدولة العميقة.. وهي شبكة من المصالح المترابطة.. بين مؤسسات الأمن.. والاستخبارات.. والشركات الكبرى.. والمجمع الصناعي العسكري.. وهذه الدولة العميقة تفرض ثوابت.. لا يحيد عنها أي رئيس.. ومنها الدعم المطلق لـ "الكيان الإسرائيلي".. وضمان السيطرة على منابع النفط.. والممرات الاستراتيجية.. وإبقاء المنطقة العربية في حالة من التبعية.. والضعف المزمن..
إذا كان الحزب الجمهوري.. قد نشأ على يد البروتستانت الصهاينة.. الذين يرون في قيام "دولة إسرائيل" شرطاً لعودة المسيح.. فإن الحزب الديمقراطي.. هو وريث الحركة الماسونية.. التي تعتبر الهيمنة على العالم مشروعاً أبدياً.. يجب أن يستمر بكل الوسائل.. ومن هنا يمكن فهم ازدواجية السياسة الأمريكية تجاه العرب.. الجمهوريون يعتبرون دعم "الكيان الإسرائيلي" واجباً دينياً.. والديمقراطيون يرونه واجباً استراتيجياً.. والنتيجة واحدة.. "الكيان الإسرائيلي" يبقى فوق القانون الدولي.. والعرب مجرد أدوات في لعبة الأمم.. الجمهوريون يؤمنون باستخدام القوة المباشرة لتحقيق الهيمنة.. وقد رأينا ذلك في غزو العراق وأفغانستان.. تحت راية "الحرب الصليبية الجديدة" كما صرح جورج بوش الابن.. بينما يفضل الديمقراطيون الحروب غير المباشرة.. عبر الثورات الملونة.. والفوضى الخلاقة.. رأينا كيف دعمت إدارة أوباما ما سمي بالربيع العربي.. ليس حباً في الديمقراطية.. ولكن لإعادة رسم الخرائط.. بما يخدم مصالح واشنطن و"الكيان الإسرائيلي"..
ما لا يدركه كثيرون.. أن الرئيس الأمريكي ليس أكثر من واجهة.. فهو يأتي إلى الحكم.. مقيداً بشبكة من المصالح المالية.. والعسكرية.. والمخابراتية.. قد تختلف توجهاته في بعض الملفات.. لكنه لا يستطيع تجاوز الخطوط الحمراء.. التي تفرضها الدولة العميقة.. ومن بين هذه الخطوط.. الالتزام بأمن الكيان الإسرائيلي كأولوية مطلقة.. أي رئيس أمريكي يتجرأ على تخفيف دعم الكيان الإسرائيلي.. سيتعرض لحملة تدمير ممنهجة من الإعلام.. واللوبيات الاقتصادية.. منع أي دولة عربية من التحول إلى قوة إقليمية حقيقية.. سواء عبر التدخل العسكري.. كما حدث مع العراق وليبيا.. أو عبر دعم الفوضى الداخلية.. كما حدث مع سوريا ولبنان.. التحكم في القرار السياسي العربي.. من خلال الديون والمساعدات الاقتصادية.. بحيث تبقى معظم الدول العربية أسيرة للبنك الدولي.. وصندوق النقد.. لذلك.. لا فرق حقيقياً بين رئيس وآخر.. ولا بين حزب وآخر.. فالسياسة الأمريكية تجاه العرب مرسومة مسبقاً.. وكل من يدخل البيت الأبيض.. يعرف حدود لعبته.. يتغير الأسلوب.. لكن الهدف لا يتغير..
في كل صراع عالمي هناك منطقة رمادية.. يمكن أن يكون فيها تباين بين الديمقراطيين والجمهوريين.. إلا في موضوع القدس وفلسطين.. هنا تتلاشى الفوارق بين الحزبين تماماً.. الجمهوريون يرون أن التمهيد لعودة المسيح.. يقتضي سيطرة الكيان الإسرائيلي الكاملة على القدس.. وبناء الهيكل.. والديمقراطيون يرون أن بقاء الكيان الإسرائيلي في موقع القوة.. ضرورة لمشروعهم الاستعماري في المنطقة.. ولذلك لم يتغير شيء منذ وعد بلفور.. وحتى صفقة القرن.. بل إن كل رئيس أمريكي جاء.. ليضيف خطوة جديدة في ترسيخ الاحتلال.. من الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الإسرائيلي في عهد ترامب.. إلى التوسع في التطبيع في عهد بايدن.. والهدف النهائي.. هو طمس أي أمل في قيام دولة فلسطينية حقيقية..
ما قامت به أمريكا في المنطقة.. خلال العقود الماضية.. ليس مجرد سلسلة من الأخطاء السياسية.. بل هو مشروع تفكيك مدروس.. العراق لم يدمر لأنه كان يشكل تهديداً فورياً.. بل لأنه كان نموذجاً لدولة قوية في المنطقة.. وليبيا لم يتم إسقاطها لأنها كانت ديكتاتورية.. بل لأنها حاولت الخروج عن الهيمنة الغربية.. وسوريا لم يتم استهدافها لأنها معادية للكيان الإسرائيلي فقط.. بل لأنها تقع على خط التوازنات الإقليمية الكبرى.. كل هذه السياسات تهدف إلى إبقاء العرب في حالة ضعف.. وانقسام دائم.. بحيث يبقى الكيان الإسرائيلي القوة الوحيدة.. التي لا يهددها أحد..
البعض ما زال يعتقد.. أن هناك فرقاً بين الحزبين.. وأنه يمكن التعويل على الديمقراطيين.. لمواجهة اليمين المتطرف.. أو الاستفادة من الجمهوريين.. ضد تغول العولمة.. لكن الحقيقة.. أن أمريكا لا تعمل بمنطق الخيارات.. بل بمنطق المسارات المرسومة مسبقاً.. العرب أمام خيارين لا ثالث لهما.. إما الاستمرار في انتظار أن تتغير السياسة الأمريكية.. وهذا وهم لن يتحقق.. أو العمل على بناء مشروع عربي مستقل.. بعيداً عن لعبة الأحزاب الأمريكية.. القوة لا تُستجدى من واشنطن.. بل تُبنى من الداخل.. وأمريكا لن تحترم.. إلا من يفرض نفسه قوة على الأرض.. أما من ينتظر تغيير المواقف في البيت الأبيض.. فهو كمن ينتظر أن يُغيّر الذئب طبيعته.. ليصبح نباتياً..
فهل نفيق من سباتنا.. ووهمنا.. وأحلامنا الوردية؟!.. وهل نتعظ من التاريخ القريب.. قبل البعيد؟!.. أم سنبقى مرتهنين لعواطفنا وخيالاتنا.. وما يقرره غيرنا؟!..