facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




اعطيني "التعريفة" .. وأعطيك القرش ونص


محمود الدباس - ابو الليث
15-02-2025 01:26 PM

هكذا كانت عقليته.. لا يهمه إلا أن يحصل على حقه البسيط.. قبل أن يعطي ما عليه.. لم ينظر إلى الصورة الأكبر.. لم يفكر في أن المسألة يمكن أن تكون أكثر ربحاً.. او أيسر تعاملاً.. لو غير زاوية النظر.. كان همه فقط أن يدخل جيبه ما يظنه ملكاً له.. دون أن يحسب ما سيخسره في المقابل.. ربما لم يكن يدرك ذلك وقتها.. ولكن لو عاد به الزمن.. لرأى أن فلسفة الإدارة المالية.. لا تقوم على الحسابات الضيقة والآنية.. بل على رؤية تتجاوز اللحظة الراهنة.. إلى المستقبل البعيد..

وهكذا هي حكوماتنا.. تتعامل مع المال.. بعقلية المقاول.. الذي يريد استرداد "التعريفة".. قبل أن يدفع القرش ونصف.. فكل سياساتها المالية.. تنحصر في كيفية تحصيل الأموال المباشرة.. في فرض الضرائب والرسوم والغرامات والتراخيص المتجددة.. في إلقاء الأعباء على كاهل المستثمر والمنشأة التجارية والصناعية.. وكأنها لا تدرك.. أن هذه الأعباء.. قد تعجّل من انهيار تلك المنشآت وإغلاقها.. او تقليص نشاطها.. فتكون النتيجة.. خسارة أكبر مما كانت تسعى إلى تحصيله.. تماما كما أن ذلك المقاول.. لو منح العامل قرشاً وهو الفارق بين المطالبتين.. لكان اسهل واسرع.. فما بالك لو أعطاه قرشه ونصف.. دون أن يطالبه بالتعريفة.. فربما كسب ولاءه وإخلاصه وعمله الدؤوب.. ليحقق ربحاً مضاعفاً لاحقاً.. ولكن كيف لعقله أن يعطيه قرشاً ونصف.. وهو يريد استرداد تعريفته؟!..

ما الذي يمنع الحكومة من تغيير هذه العقلية المحاسبية الضيقة.. والنظر إلى الاقتصاد بعين استثمارية.. لا بعين الجابي والمحصّل؟!.. ما الذي يمنعها من أن تدرك أن التسهيلات الحقيقية.. لا الوعود الإعلامية.. هي ما يبني اقتصاداً قوياً ومستداماً؟!.. أن دعم المنشآت.. وتخفيف الأعباء عنها.. سيؤدي بلا شك.. إلى نموها وتوسعها.. مما يخلق فرص عمل أكثر.. ويزيد من القوة الشرائية لدى الأفراد.. فينتعش السوق.. وتدور العجلة الاقتصادية بشكل صحي.. ليعود على الخزينة أضعاف ما كانت تسعى لتحصيله.. من الضرائب والرسوم المباشرة..

ولو أن القائمين على إدارة المال في الدولة.. فكروا بعقلية اقتصادية أوسع.. لوجدوا أن الحل ليس في فرض المزيد من الضرائب والرسوم.. بل في تحفيز الاقتصاد نفسه.. ليولد العائدات بشكل طبيعي ومستدام.. وهذا ما أثبته منحنى لافر (Laffer Curve).. الذي يوضح.. أن الضرائب عندما تكون مرتفعة جداً.. فإن العائد الفعلي للحكومة لا يزيد.. بل ينخفض.. لأن أصحاب الأعمال.. إما يلجؤون إلى التهرب الضريبي.. أو يغلقون منشآتهم بالكامل.. أو يقلصون استثماراتهم.. مما يؤدي في النهاية.. إلى إيرادات أقل.. وليس أكثر..

ومنحنى لافر ليس مجرد نظرية أكاديمية.. بل واقع أثبتته تجارب عالمية عديدة.. فالدول التي خفضت الضرائب.. وجعلتها معقولة.. شهدت انتعاشاً اقتصادياً.. أدى إلى زيادة إيرادات الدولة بطرق غير مباشرة.. بينما الدول التي بالغت في الضرائب.. انتهى بها الحال.. إلى تراجع الاستثمار.. وهروب رؤوس الأموال.. وزيادة البطالة.. تماما كما يحدث عندنا الآن..

وإذا نظرنا إلى نظرية "كينز في الطلب الفعّال".. نجد أن أحد أسس النمو الاقتصادي.. هو زيادة القوة الشرائية للأفراد.. فعندما تثقل الحكومة كاهل الشركات والأفراد.. بالضرائب والرسوم المرتفعة.. فإنها تقلل من قدرتهم على الإنفاق.. مما يؤدي إلى ركود الأسواق.. وانخفاض الإنتاج.. وضعف الاستثمارات الجديدة.. وهذا يعني في النهاية.. أن الحكومة تخسر أكثر مما تعتقد أنها تربحه.. بينما لو خففت من تلك الأعباء.. فإن الدورة الاقتصادية ستنشط.. وستتولد الضرائب من زيادة الحركة التجارية والاستثمارية.. وليس من استنزاف المنشآت حتى تنهار..

ولكن للأسف.. من يدير المال في هذه الدولة.. يفكر بعقلية المحاسب.. لا بعقلية رجل الأعمال.. أو المسؤول الاستراتيجي.. يرى الأرقام التي يجب تحصيلها اليوم.. ولا يفكر في الأرقام التي يمكن أن تتضاعف غداً.. إن أحسن التخطيط.. يرى الإيرادات المباشرة.. ولا يفكر في العوائد غير المباشرة.. يريد أن يمسك "التعريفة" قبل أن يعطي "القرش ونصف".. لكنه لا يدرك أنه بهذه العقلية.. يخسر الدينار..

علينا أن نضع نصب أعيننا.. من أراد أن يبني اقتصاداً حقيقياً.. فليتعلم كيف ينظر إلى المستقبل.. بعقلية من يريد أن يكسب أكثر.. لا بعقلية من يخشى أن يخسر الآن.. فليس كل ما يدخل الجيب اليوم.. يبقى فيه غداً.. بل قد يكون ثقباً يتسع.. حتى لا يبقى فيه شيء على الإطلاق..





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :