الملك ورواية جديدة لقصة النعمان بن المنذر
د.سالم الدهام
13-02-2025 04:23 PM
مرة أخرى يجدد جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين تأكيده على موقف عربي موحد في مواجهة خطط ترامب والإدارة الأمريكية الجديدة الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية لصالح دولة إسرائيل الطارئة، عبر تهجير الفلسطينيين أصحاب البلاد الشرعيين إلى الدول المجاورة ودول عربية أخرى، دون مراعاة لمشاعر الغزيين الذين ضحوا بكل ما يملكون من أجل أن يظلوا فوق ترابهم الوطني رغم القتل والدمار والجوع والحرمان، ليتجنبوا الهجرة والرحيل عن أرضهم، ودون مراعاة أيضا لمشاعر العرب الذين اتخذوا خيار السلام بديلا للصراع المسلح الذي عانت منه منطقتنا وما زالت تعاني منه حتى الآن.
لقد امتص جلالة الملك بحنكته وحكمته ودبلوماسيته العالية صلف ترامب وغروره، وأكد على أن أمريكيا ليست قدرا، وترامب ليس ربا يعبد من دون الله... عندما أكد على وحدة الموقف لكل من الأردن، ومصر، والسعودية، ومن بعدهما الأمة العربية تجاه غزة والضفة الغربية... فلم يترك جلالته لترامب(كسرى هذا العصر) فرصة الاسترسال في انتزاع تنازلات خاصة بالقضية الفلسطينية كان الأخير عازما في الحصول عليها، ليتبعها بتنازلات أخرى من مصر والسعودية بشكل فردي، لكن جلالته بدهاء نادر، وبلغة دبلوماسية هادئة، ووعي حاد أعاد السيناريو المرسوم إلى المربع الأول ... لقد كان لجلالة الملك شرف أنه أول المتقدمين لمواجهة هذا المخطط، ومواجهة ذلك الفخ الذي نصبه ترامب لإيقاع الزعماء العرب فيه واحدا بعد الآخر، وهذا هو ديدن الهاشميين وقدرهم، فلطالما كانوا طلائع الأمة في كل المنعطفات التاريخية الحادة... في هذه الجولة الطليعية المباركة كانت النتيجة صفر نقاط في المرمى الأردني ... الأمر الذي يرتب على الزعماء العرب المستهدفين اليوم، والمستهدفين غدا أن يبنوا على الموقف الأردني، وأن يصلبوا هذا الموقف، ويحافظوا عليه إن لم يستطيعوا أن يتقدموا به خطوات إلى الأمام، فقد منح جلالة الملك بردوده وتصريحاته الوازنة العرب جميعا فرصة ثمينة لبناء موقف موحد ومدروس تحترمه الشعوب العربية، وتقدره الأجيال القادمة.
لقد وضع جلالته النقاط على الحروف، وترك المجال مفتوحا أما الشقيقتين مصر والسعودية لتعبران عن مواقف متقدمة تليق بثقل هاتين الدولتين، وتتناسب مع وزنهما النوعي ودورهما المحوري في المنطقة، فما زال ترامب يحاول هز شباك الحلبة دون أن يسجل أهدافا تذكر.. لقد أصغى التاريخ جيدا لجلالة الملك ودون موقفه الذي رفض التهجير، و لم يتجاوز البعد الإنساني لمرضى السرطان من الأطفال الغزيين، وما زال مصغيا لمن أراد أن يقول شيئا يؤكد على الكرامة، والشرف ، والرجولة ...فقضية فلسطين ليست قضية الهاشميين وحدهم بل هي قضية العرب والمسلمين جميعا، ولابد من أن يتحدوا لمواجهة الأخطار المحدقة، وسيسجل التاريخ للأمة العربية هذا الموقف كما سجل من قبل يوم "ذي قار" في أيام العرب المشهودة، ذلك اليوم الذي أراد كسرى أن يكسر عنفوان العرب عبر كسر شوكة النعمان بن المنذر ملك الحيرة، الملك الذي رفض أن يخضع لكسرى، وضحى من أجل الكرامة، فاستنفر العرب كلهم ومرغوا أنف كسرى إمبراطور فارس، وقطب الرحى في عالم الأمس بالتراب.
وها هو التاريخ يعيد نفسه من جديد، وسيكتب في سجل الخالدين أن ملكا قرشياً هاشميا جمع الأمة ووحدها لمواجهة كسرى القرن الحادي والعشرين، وأن شعبه وقف خلفه وتقاسم الرغيف واللقمة لكي لا تنحني الجباه، وأنه استطاع أن يجمع الصف العربي حول قضية العصر لإحباط صفقة القرن...عاش الأردن حرا عزيزا تحت ظل الراية الهاشمية الخفاقة بقيادة جلالة الملك المعظم عبد الله الثاني بن الحسين، وولي عهده الأمين حفظهما الله ورعاهما، وسدد على دروب الخير خطاهما.