facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




ما بين الخطاب العلني والغرف المغلقة .. كيف أدار الملك المواجهة مع ترامب؟


د. خالد وليد محمود
12-02-2025 09:00 PM

عندما حاول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب استدراج الأردن إلى موقف مُحرج، واجهه الملك عبدالله الثاني بدبلوماسية هادئة لكنها حاسمة، مُحبطًا محاولات البيت الأبيض لانتزاع موقف يمكن استغلاله لاحقًا.

الجميع يعرف أن هذه الزيارة لم تكن مجرد لقاء بروتوكولي عابر، وهذا أمر يدركه أي متابع بسيط للسياسة والعلاقات الدولية، ولا يحتاج إلى خبراء لفهمه؛ بل كانت اختبارًا شديد التعقيد في ظل إدارة تتعامل مع السياسة بمنطق الصفقات العقارية، حيث تُدار الأمور بالمساومات والضغوط. ومن هنا، فإن قراءة دقيقة لما جرى تكشف عن إدارة حذقة للموقف، نجحت في تفادي الفخاخ دون تقديم أي تنازلات جوهرية.

ما أُفصح عنه لاحقًا من داخل البيت الأبيض، لم يكن هناك مؤتمر صحفي مجدول بعد لقاء الملك بترامب. كان الاجتماع مغلقًا، لكن فجأة، ودون سابق إنذار – وهو أسلوب ترامب المعتاد – تم استدعاء الصحفيين. كانت الخطوة محسوبة بدقة؛ فمن يدير السياسة كصفقة يعلم أن الضغط العلني قد يكون أكثر فاعلية من النقاشات المغلقة.

ترامب، بحدسه التفاوضي، سعى إلى دفع الملك الأردني إلى زاوية ضيقة، وإجباره على الإدلاء بتصريح علني حول مسألة حساسة: تهجير الفلسطينيين. أراد الرئيس الأمريكي أن يخلق التزامًا لفظيًا، يمكن لاحقًا استخدامه كضوء أخضر لمخططات لم يُفصح عنها رسميًا بعد.

الأردن لطالما كان واضحًا في رفضه لأي مخططات تهجير، لكن التعامل مع إدارة ترامب يختلف عن أي إدارة أمريكية أخرى. نحن أمام رئيس يرى العلاقات الدولية بعيون الصفقات التجارية والعقارية، الربح والخسارة، لا يتردد في استخدام التهديدات الاقتصادية والدبلوماسية لفرض إرادته. وبالتالي، فإن المواجهة المباشرة لم تكن خيارًا حكيمًا، لأن أي “لا” قاطعة كان يمكن أن تتحول إلى ضغوط جديدة على الأردن.

لكن الملك عبدالله لم يقع في الفخ، ولم يمنح ترامب ما كان يسعى إليه. بدلاً من ذلك، اختار استراتيجية المناورة الذكية. عندما واجه أسئلة حول التهجير، لم يرفض صراحةً، لكنه حوّل القضية إلى قرار عربي مشترك، مشيرًا إلى أن هناك خطة مصرية-عربية سيتم تقديمها. بهذه الخطوة، نقل القضية من “قرار فردي” إلى “موقف جماعي”، مُصعّبًا على ترامب استهداف الأردن منفردًا.

وفي مواجهة الإلحاح الإعلامي، قدّم الملك إجابة غير متوقعة: بدلاً من الحديث عن التهجير، ركّز على استقبال الأردن لـ2000 طفل فلسطيني للعلاج، مُحوّلاً القضية من زاوية “الحل السياسي” إلى زاوية “المسؤولية الإنسانية”، مما أفقد ترامب القدرة على استثمار الموقف لصالح أجندته.

صحيح أن الملك لم يكن مرتاحًا في المؤتمر الصحفي. لغة جسده كانت حاسمة، أظهرت رفضًا واضحًا دون الحاجة إلى كلمات مباشرة. في المقابل، بدا ترامب محبطًا، وهو مؤشر على أن خطته لم تؤتِ ثمارها.

لكن القصة لم تنتهِ عند هذا الحد. بعد اللقاء، قامت بعض وسائل الإعلام الأمريكية، وعلى رأسها نيويورك تايمز، بتحريف تصريحات الملك، موحيةً بأنه مستعد لمناقشة آليات التهجير. اللافت أن الفيديو الرسمي للمؤتمر لم يتضمن السؤال أو الإجابة، مما يثير تساؤلات حول وجود حملة إعلامية موجهة لتصوير الأردن في موقف متراخٍ تجاه هذه القضية الحساسة.

على المستوى الاستراتيجي، يدرك الأردن أنه ليس في موقع يسمح له بمواجهة واشنطن مباشرة، لكنه في الوقت نفسه يملك أدوات دبلوماسية تمنحه مساحة للمناورة. أبرز هذه الأدوات هو التحرك العربي المشترك، وهو ما أكده الملك خلال اللقاء، في رسالة واضحة مفادها: أي حل يجب أن يكون عربيًا، وليس صفقة منفردة يُمليها البيت الأبيض.

رغم الضغوط، خرج الأردن من اللقاء دون تقديم أي تنازل جوهري. لم يوافق الملك على التهجير، ولم يمنح ترامب التصريحات التي كان يسعى إليها. لكنه أيضًا لم يصعّد المواجهة، بل فضّل اللعب وفق قواعد الدبلوماسية الصامتة، حيث تُدار المعارك بالتصريحات المرنة، لا بالمواقف الصدامية.

الضغوط الأمريكية لن تتوقف، هذا أمر محسوم. التحدي الحقيقي للأردن سيكون في كيفية إدارة هذه الضغوط خلال الأشهر المقبلة، دون خسارة موقفه الثابت، ودون الدخول في مواجهة قد تكون مكلفة.

قد ينتقد البعض عدم استخدام الملك لهجة أكثر صرامة في رفض التهجير، وهو رأي مطروح، لكن السياسة لا تُدار بالشعارات الحماسية، بل بحسابات دقيقة ونتائج ملموسة. والنتيجة هنا واضحة: ترامب خرج من الاجتماع دون أن ينتزع أي تنازل، بينما حافظ الأردن على موقفه بثبات ودون خسائر.

إن التعامل مع إدارة ترامب لا يحتاج فقط إلى رفض مباشر، بل إلى بناء استراتيجية متماسكة، تعيد صياغة المشهد وفق المصالح العربية، لا وفق رؤية رئيس أمريكي يرى السياسة كسوق مفتوح للمساومات. الملك عبدالله لم يربح المواجهة بالصدام، بل بتكتيك سياسي منع واشنطن من فرض رؤيتها، دون أن يمنحها فرصة لتصعيد قد يكون مكلفًا.

الرهان الآن لا يقتصر على موقف الأردن، بل يمتد إلى قدرة الدول العربية – وخاصة مصر – على تبني موقف مشترك يحبط أي محاولات لإعادة رسم خريطة المنطقة وفق الرؤية الأمريكية. لأن المعركة الحقيقية لا تُحسم في التصريحات الإعلامية، بل في التوازنات السياسية، حيث لا تُحسب المكاسب بالكلمات والخطابات، بل بالنتائج الملموسة.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :