حينما يصبح الإعلام مأزوماً !
أ.د.فيصل الرفوع
20-06-2011 04:05 PM
لا بد ابتداء من الاعتراف بأن هذا الاستهلال حدي ويحمل في طياته استفزازاً كبيراً. وربما كان هو نفسه حالة استهجانية في التعاطي مع القضايا الاجتماعية والسياسية والفكرية في الدولة الأردنية. وربما كان أيضاً استهلالاً مأزوماً هو في حد ذاته. ولكن مع كل هذه الإمكانات والاستدراكات فإن الإعلام، يعيش الآن وبكل المقاييس حالة عدم رؤية وتخبط تأخذه أهواء السياسة ولمعان الخطاب الفكري المبهر نحو الجهات المشبوهة فيندفع وراءها الخف على الخف والقد على القد، دون وعي أو إدراك لهول الإخلال الأمني والقومي والسياسي والاجتماعي الذي تخلقه تلك المقاربة غير العلمية والخاوية من أي تحليل أو نظر إلى ما وراء الحدث.
إن الدولة الأردنية تعتمد كغيرها، وبصورة كبيرة على وسائل الإعلام كأحد السبل لإعلان قراراتها أو استجلاب الفوائد أو صيانة الأمن والاستقرار فيها أو حماية مصالحها الوطنية والقومية. وللإعلام في جميع الدول دور فاعل ومقدر ومهم في الحراك السياسي لها سواء على المستوى الداخلي أو الإقليمي أو الدولي. وحرصت الدولة الأردنية على أن يكون الإعلام فيها معافى ومنسجماً مع حالة الولاء العام للمواطن، لذا فقد كانت الجرائم الإعلامية محط استنكار بل ورفض ومحاربة من قبل الرأي العام في الدولة.
إلا أننا في الأردن وخلال السنين القليلة الأخيرة لم نتنبه إلى خطورة ما أسميناه في أدبياتنا السياسية والفكرية والاجتماعية بالسلطة الرابعة في النظم السياسية وهو الإعلام وعلى رأسها الصحافة، فبدأنا ندرج على مسالك وعرة ونترك إعلامنا ينحدر إلى أدنى مستويات العمل الجمعي بعد أن رهن نفسه لمصلحة ذاتية جزئية على حساب المصلحة القومية أو حتى القطرية أحياناً؛ فنراه على سبيل المثال يتصدى لقضايا الوطن والأمة من منطلق الترويج قصير المدى وإن كان ذلك يضر بالعامة أو يصيب الدولة أو يلحق الأذى بالأمة. وأصبح الهدف الأول لهذا الإعلام النقل عن تلك الصحيفة أو الإذاعة أو القناة الفضائية وغدا ذلك أهم بكثير من نجاحات الدولة أو المجموع.
لقد احتكمت بعض وسائل الإعلام إلى حسابات «البقالة» أكثر من احتكامها إلى الحسابات «المؤسسية» وحسابات الدولة، وأصبحت مراجعاتها اليومية تنتهي عند حالة الربح أو الخسارة أو ما يسمى السبق الصحفي، الأمر الذي أوقعها في كثير من الحالات بقبضة العمل ضد مصالح الوطن الحيوية، وسواء كان ذلك عن قصد أو غير قصد فإنه في حقيقته جريمة بحق الأمة والوطن والمواطن، وهو مسلك يحمل ضرراً أكثر مما تحمله فوهات المدافع أو تدوسه أحذية الأعداء. فالابتلاء من الداخل اشد ضرراً من الاعتداء من الخارج ونتائجه السلبية مضمونة النجاح.
فالمواطن الأردني يقع في حيرة وتيه إن هو حاول أن يتابع هذا الإعلام مستمتعاً أو مشاهداً أو قارئاً. فما تنقله وسيلة معينة يتضاد وبصورة واضحة مع الواقع، بل مع ما تنقله الأخرى، وليس ذلك نتيجة تفارق في الاجتهاد أو التحليل، ولكن انطلاقاً من أجندات معينة وربما قناعات مختلفة في التناول بل مختلقة، في اتخاذ مواقف؛ وهذا ما حدث فعلاً ورأيناه جلياً في تغطية بعض وكالات الإعلام لزيارة جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين إلى محافظة الطفيلة يوم الاثنين 13/6/2011.
لقد كانت الزيارة من أنجح الزيارات التي يلتقي فيها القائد بشعبه، وأفرزت مدى الفهم الملكي العميق والشامل لمطالب شعبه المشروعة. وكشاهد عيان يمكن أن أؤكد انه لم يكن الأمر كما نقلته وكالة الأنباء تلك، وفوجئت كغيري من الإختلاق المزعوم والمأزوم لتغطية الحدث، والذي يتناقض بشكل مطلق مع الواقع.
كان أبناء الطفيلة في غاية السعادة والفخار وإستذكار للتاريخ ومحطاته وهم في حضرة القائد، وكانت الطمأنينة وراحة البال والعزة تبدو على محيا جلالة الملك وصحبه الكرام من أمراء وأشراف وصناع قرار مؤتمنين على الشعب والعرش، كرئيس الوزراء ورئيس الديوان الملكي الهاشمي وقائدي الجيش العربي وقوات البادية ومستشاري جلالته وأعيان ونواب والعديد من الرسميين الآخرين.
(الراي)