لها, وغادرناها قبل حلول الليل بقليل, كان ذلك بعد اندلاع حركة الاحتجاج الشعبي في سورية المطالبة بالحرية والكرامة والديمقراطية, بايام قليلة, وقلنا في العلن مجموعة من الساسة والمثقفين بان النظام السوري سيتعلم الدرس جيدا, من الثورات الشعبية التي اندلعت في تونس ومصر واليمن وليبيا, وراهنا على ذلك فالنظام السوري يتسم بذكاء دبلوماسي, وغالبا ما كان يستبق الاحداث المتوقعة ليضع النقاط على الحروف, غير ان شيء من هذا القبيل لم يحدث منذ اندلاع ثورة الحرية والكرامة في سورية الى هذه اللحظة الراهنة.
على عكس ما توقع ساسة ومثقفون, سار المركب السياسي السوري بعكس التيار الشعبي, ولم يستثمر فرصة التجربة من الدروس السابقة في اربع دول عربية سبقت سورية الى الثورة, واستمر المركب في تجاه معاكس للتيار حتى بلغ الطوفان والغليان الشعبي واتسع نطاقهما ووصل الامر بين الشعب والنظام الى حد "كسر العظم" وسلخ الجلد, وبتر الاعضاء والتمثيل بجثث لم ترتكب جرم "الخيانة العظمى" ولا "العمالة لاسرائيل", ولا تحمل اجندة خارجية معادية للوطن.
سال الدم في سورية, واصبح من الصعب التزام الصمت اكثر من الصمت الذي دام نحو شهرين للعديد من المثقفين العرب, وكتّاب مارسوا الانتظار لمعرفة ما سيكون لاحقا في كيفية تعامل النظام السوري مع ثورة الشعب هناك بعد سقوط كل هذا العدد من ضحايا الحرية والكرامة, وكل هذا التهجير, وكل هذا الرصاص, وكل هذا التنكيل, والقادم ربما سيكون اعظم واخطر.
في السياسة, لم نختلف يوما على ان سورية ما قبل الثورة الشعبية هي دولة الممانعة, والمقاومة, وبالمقابل كنا ننتقد غياب الديمقراطية والحرية وتغول الفساد واتساع نطاق الثراء لمحظوظين بحكم صلتهم بالحكم والحاكم, بل وأشرّنا على ذلك وقلنا "كفى" في حينها بلقاء جمع عدد من المثقفين والاعلاميين مع مسؤولين سوريين في دمشق.
قد تكون عملية تسريع اعلان الموقف للذين مارسوا الصمت, واعلان النقد والمجاهرة به, بمثابة نصح للرئيس السوري, والمحيطين به الذين تولوا قيادة الازمة وحلولها المفترضة بذهنية امنية, ادت الى تدهور الوضع السياسي, وتمدد الثورة افقيا وعاموديا, وتحول الشعار من المطالبة بالحرية والكرامة الى :"اسقاط النظام".,
في ظني ان ارتفاع سقف الشعارات في سورية, لم يكن سوى ردة فعل طبيعية على الذهنية الامنية التي اراقت دماء الابرياء, وسحلت الجثث ومثلت بها, وسجنت واشياء اخرى امّر وادهى, ادت الى الغاء لغة الحوار واطفأت الانوار واعطت الارادة الشعبية شرعية الثبات على مواجهة هذا الاستبداد.
adnandyab@yahoo.com
adnan.nassar@alarabalyawm.net
(العرب اليوم)