facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




هذا ما حصل مع "أبو فلاح" .. وليس كما يتم تداوله


محمود الدباس - ابو الليث
10-02-2025 12:22 PM

في البادية.. حيث يتوارث الرجال حمل السلاح.. كما يتوارثون تقاليد الفروسية والشجاعة.. لم يكن أبو فلاح فارساً ولا صياداً ماهراً.. بل كان رجلاً هادئاً.. قليل الكلام.. لكن ذلك اليوم كان مختلفاً.. فقد عاد إلى قبيلته.. يجر خلفه ذئباً.. طالما أهلك ماشيتها.. وأرهق فرسانها.. وأفلت من رصاصهم وكبريائهم.. فاحتشد الناس حوله بذهول.. ولم تمضِ ساعات.. حتى اجتمع الجميع في مجلس الشيخ يتناقلون الخبر.. عندها سأله أحدهم "كيف استطعت ذلك يا أبا فلاح؟!"..

روى أبو فلاح القصة كما وقعت.. كيف باغته الذئب.. وهو يستريح في ظل الصخرة الفلانية.. وكيف واجهه مضطراً.. ببندقيته التي لا يستخدمها كثيراً.. وكيف أن رصاصته أصابت رأس الذئب بتوفيق الله.. حتى أن آثراً الدم مازالت خلف الصخرة.. لمن أراد التأكد.. لكن الضحكات المخنوقة علت المكان.. ضحكات لم تحمل الدهشة.. بل التكذيب والسخرية.. وكأن هذا الرجل.. لا يمكنه أن يحقق إنجازاً.. عجزوا عنه.. حينها.. فهم أبو فلاح أن عقولهم.. لن تصدق إلا ما تريد تصديقه.. فقال "يا الربع.. أنا بالغت بالقصة.. مش هيك اللي صار.. أنا لما كنت خلف الصخرة الفلانية.. وشعرت بشيء يقترب.. التفتّ.. فوجدته الذئب الذي لم تستطيعوا قتله.. حاولت التصويب.. لكنني من شدة الخوف والهلع.. ما قدرت اطلق عليه ولا طلقة.. وهجم عليّ وأكلني.. هيك بيعجبكم؟!"..

في كل زمن.. يظهر أمثال هؤلاء.. الذين لا يفرحون لإنجازٍ لم يخرج من عباءتهم.. ولا يرون الحقيقة.. إلا إذا توافقت مع أهوائهم.. أو اهواء أسيادهم.. ولو كان الرجل قد عاد إليهم خاوي الوفاض.. لقالوا إنه جبان.. وحين عاد بإنجاز لم يتوقعوه.. كذبوه وسخروا منه.. بدل ان يصدقوه.. ويشكروه.. ويشجعوه..

فهؤلاء لا يطلبون الحقيقة.. بل يبحثون عن سرديات.. ترضي كبرياءهم.. وتتماشى مع مصالحهم.. فإن كان الفاعل منهم.. أو مم يرضون عنهم.. كبّروا وهللوا.. حتى وان كان الفعل بسيطاً.. وإن لم يكن.. طعنوا فيه.. واحتقروه.. مهما كان الفعل عظيماً..

هذه العقلية التي تعيش في ظلال التصفيق والتكذيب.. ليست جديدة.. لكنها اليوم.. تفاقمت مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي.. ومجموعاتها.. أصبح الناس أسرى لما يثير ضجة.. أكثر مما هو صحيح.. وصار الميزان الوحيد لقياس المواقف.. هو عدد الإعجابات والتعليقات.. حتى من نظنهم أصحاب علم وفكر.. انحدروا بوضاعة إلى مستوى البحث عن التصفيق.. والتعليق.. ولو كان على حساب العدل والإنصاف.. فإن انتقدوا.. فعلوا ذلك لأجل "الترند".. لا لأجل الإصلاح.. وإن مدحوا.. كان مديحهم انتهازياً.. لا اعترافاً بالفضل..

علماء النفس والاجتماع.. يسمّون هذه الظاهرة بـ"التنافر المعرفي" (Cognitive Dissonance).. حيث يرفض العقل البشري.. تصديق ما يتعارض مع معتقداته.. أو توقعاته السابقة.. وإن قُدمت له الأدلة الدامغة.. فهو إما أن يكذبها.. أو يلتفّ حولها بحجج واهية.. وهذا ما فعله رجال القبيلة مع أبي فلاح.. وما يفعله اليوم.. مَن يرفض الاعتراف بإنجازاتِ مَن يخالفونه.. أو لا يحبهم لأشخاصهم.. حتى لو كان الحق واضحاً وضوح الشمس..

أما في علم الاجتماع.. فهناك "نظرية الجماعة" (Groupthink).. التي تفسر كيف أن الأفراد داخل مجموعة ما.. يميلون إلى مجاراة رأي الجماعة.. حتى لو كان خاطئاً.. خوفاً من العزلة.. أو السخرية.. وهذا ما نشهده في زمن السوشيال ميديا.. حيث صار التصفيق معيار النجاح.. والموافقة الجماعية.. أهم من قول الحق.. فمن يسبّ.. ويشتم.. و"يُجَحِش".. يصبح بطلاً.. ومن يُنصف بالحق مَن ليس مِن شِلّتهم.. أو ليس على هواهم.. يصبح خائناً.. وخصوصاً.. إن كان مسؤولاً.. فإن مصطلح "سحيج" سَيُوضع وسماً على "صباحه" مع اضاءة تعمل ليل نهار..

والأدهى.. أن مَن يحملون الدرجات العلمية.. ويدّعون حمل الفكر المستنير.. والذين نتوقع منهم السموّ في الطرح والرأي.. والعقلانية والمنطقية في الحوار.. أنحدروا الى مستويات وضيعة.. ويمارسون نفس اللعبة القميئة.. متناسين أن قول الحق.. لا يحتاج إلى جمهور.. وأن الوقوف مع العدل.. لا يتطلب تصفيقاً.. وأنهم بهكذا افعالٍ.. يَسقطون من أعين المراقبين.. والواعين..

فلم أعد أستغرب من غوغاء السوشيال ميديا.. لكنني أستغرب من المثقفين.. الذين انجرّوا خلف ثقافة التهليل والتصفيق.. وكأنهم لم يتعلموا شيئاً من علومهم.. ولا وعوا شيئاً من تجارب الحياة.. صاروا أسرى لجماهيرٍ.. تحركهم كيفما شاءت.. يمدحون حين يُطلب منهم المديح.. ويشتمون حين يُطلب منهم الشتم.. وكأنهم مجرد أدوات بلا رأي.. ولا مبدأ.. يلهثون خلف حصد التعليقات والإعجابات من امثالهم.. كما تسير البعوضة خلف الضوء الأزرق..

إن الإنصاف.. لا يحتاج إلى شجاعة.. بقدر ما يحتاج إلى ضمير حيّ.. ومن يملك هذا الضمير.. لن يخشى قول "أحسنت" لمن أحسن في أمرٍ ما.. و"أسأت" لمن أساء في أمرٍ ما.. مهما كان الطرف الآخر..

أما الذين باعوا ضمائرهم.. بثمن بخس من التصفيق.. فليتذكروا قول الله تعالى "كَلَّا ۖ بَلْ ۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ".. وليحذروا أن يكونوا من هؤلاء الذين رانَ على قلوبهم التطبيل.. فلم يعودوا يرون شيئاً.. إلا عبر عدسة أهوائهم..

أما أبو فلاح.. فليته كان يعلم.. أن المشكلة لم تكن في أنه اصطاد الذئب.. بل في أنه لم يكن الشخص الذي توقعوه ليصطاده.. وهذا وحده.. كان كافياً.. لجعلهم يكذبونه..





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :