اقام محمد بن علي بن أبي طالب المعروف بابن الحنفية في آيلة العقبة ، ولما كانت آيلة من محطات الحج الهامة ، وطريقا هاما يربط الحجاز بالشام ومصر ، كان المارون بها يلتقون بابن الحنفية . ولما وصلت هذه الأخبار إلى مسامع الخليفة الاموي عبد الملك بن مروان ، شعر بخطر ابن الحنفية الذي لم يبايعه ، فبعث إليه اما أن يبايع له أو يغادر آيلة أي العقبة ، وقال له : " انك قدمت بلادنا بإذن منا ، وقد رأيت أن لا يكون في سلطاني رجل لم يبايعني . فلك ألف ألف درهم ، أعجل لك منها مائتي ألف درهم ، ولك السفن التي ارفأت إليك من مصر " . فغادر ابن الحنفية آيلة أي العقبة عائدا إلى مكة . ومع أن عبد الملك بن مروان أدرك خطر وجود ابن الحنيفة في آيلة ، إلا انه لم يقدر هذا الخطر لعلي بن عبد الله بن العباس المقيم بالحميمة في البلقاء من شرقي الأردن ، والذي رفض بيعة ابن الزبير . وبايع لعبد الملك . فقد حاول الاستفادة من وجوده في الشام ليعزز موقفه أمام أهل الشام قائلا : هذا ابن عم محمد (ص) قد أتاني عارفا باني أولى من ابن الزبير " .
وقد سكن علي بن عبد الله بن العباس الحميمة في جنوبي الأردن بناء على وصية والده عبد الله بن العباس ، المقرونة بنبؤة ملك بني العباس قائلا له : " فانزل الشراه فان الملك إذا تحول من بني أمية تحول إلى رجل من أهل الشراه ، من أكثر أهل بيت في الناس ، وانتم أولئك " . إلا أن صاحب كتاب أخبار الدولة العباسية يعطي تفصيلات دقيقة لخروج علي بن عبد الله بن العباس إلى الحميمة ، حيث قال له عبد الملك ،" وصلتك رحم ، ما أنت بمتهم ، والبلقاء منزل صدق ، تضم فيه اهلك وحشمك ، وتقيم عندي ما أحببت ، وتأتيني إذا شئت ، ولست تبعد عني ، ولا ينساك ذكري ، فنزل على بالشراه من البلقاء ، ونزل من الشراه بالحميمة . وقد سمي علي بن عبد الله بن العباس أثناء إقامته بالحميمة بابي الأضياف تأتيه الناس من كل اتجاه وتقيم عنده .
وقد كانت البلقاء متنفسا للخليفة الأموي عبد الملك بن مروان ، كان يخرج إلى الموقر كلما دعت الحاجة . ومن البلقاء تزوج عبد الملك الشقراء بنت شبيب بن عوانه الطائية ، ونالت الشقراء حظوة عالية حيث كانت تنافس عاتكة بنت يزيد بن معاوية في حظوتها .
وكانت عمان جرش في عهد عبد الملك كل منهما مركزا لضرب العملة الأموية وسكها .
وقد أصبحت البلقاء في عهد عبد الملك بن مروان وحدة إدارية مستقلة عن أجناد الشام تتبع مباشرة للخليفة ، فقد كان على جند الأردن أبو عثمان بن مروان بن الحكم ، وعلى البلقاء محمد بن عمر الثقفي ، ثم أسندت البلقاء بعد محمد إلى أبان بن مروان بن الحكم ، وجعل على شرطة البلقاء الحجاج بن يوسف الثقفي .
وقد كان مركز الثقفيين في البلقاء ، حيث كان ليوسف بن عمر الثقفي مزرعة في البلقاء ، كما كانت آيلة أي العقبة في عهد عبد الملك تتمتع بحكم ذاتي مستقل يتبع للخليفة مباشرة إذ جعل عليها يحيى بن الحكم بن مروان .
وقد شارك أهل الأردن في عهد الوليد بن عبد الملك في الفتوح ؛ خاصة في شمال افريقية والأندلس ، حيث كان من ابرز القبائل التي شاركت في الفتوح في الأندلس قبائل جذام ولخم وغسان ، ولما آلت الخلافة إلى سليمان بن عبد الملك نقم على آل أبي عقيل أصحاب البلقاء ، وسلمهم إلى يزيد بن الهلب ليخرج أموالهم ويعذبهم . وقد حاول يزيد بن عبد الملك وهو الذي أمضى حياته في مناطق الأردن ؛ في الموقر وزيزياء والقسطل واربد وغيرها ، التوسط لدى ابن المهلب من اجل إطلاق سراحهم . اما موقف سليمان بن عبد الملك من العباسيين في الحميمة في جنوبي الأردن ، فكان يشوبه القلق حول الأخبار التي يتم تناقلها من تطلعات العباسيين للخلافة ، فقد قال سليمان : " إن هذا الشيخ ـ ويعني علي بن عبد الله ـ قد اختل وأسن وخلط ، فصار يقول : إن هذا الأمر سيصير إلى ولده ".
وقد أبقى سليمان بن عبد الملك ولاية البلقاء من ولايات أجناد الشام وأعطاها استقلالا، فقد كان على الأردن في زمنه عبادة بن سبي الكلبي ، وعلى ولاية البلقاء الحرث بن عمرو الطائي .