سمير حجاوي يكتب : خطة خليجية لإنقاذ الاردن ..
سمير حجاوي
19-06-2011 06:49 PM
يقف الأردن على مفترق طرق، فهو يعاني أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية، تبدو للوهلة الأولى أنها اقل حدة من الأزمات في الدول العربية التي اندلعت فيها ثورات بدأت لأسباب اقتصادية ومعيشية سرعان ما تحولت إلى مطالب سياسية انتهت بإسقاط الأنظمة.
صحيح أن الأزمة في الأردن اقل حدة من الدول العربية الأخرى، فالمملكة الاردنية الهاشمية حظيت باستقرار معقول أرسى دعائمه ملك الأردن الراحل حسين بن طلال الذي استطاع أن يبني شبكة علاقات داخلية وخارجية فاعلة مكنته من التغلب على الأزمات الداخلية والخارجية، ولم يكن هناك تاريخ دموي في الأردن، إذا استثنينا أحداث أيلول عام 1970 بين الجيش الأردني والفصائل الفلسطينية، وهي أحداث لا يمكن النظر إليها بوصفها تاريخا من القمع ضد أفراد، بل صراعا بين طرفين مسلحين. كما استطاع إدارة شبكة من العلاقات الإقليمية والدولية ساعدته في الحصول على دعم عربي وأجنبي أسهم بتأسيس بنية تحتية جيدة في الأردن.
ولهذا لا يوجد خلاف في الأردن على "الحكم الملكي"، الذي يحظى بقبول الأردنيين على مختلف انتماءاتهم السياسية والفكرية والحزبية والعشائرية، مما يجعل من "مؤسسة العرش" مؤسسة مرجعية مقبولة من جميع الأطراف.
إذا تجاوزنا حالة الاستقرار السياسي "النسبي المعقول والمقبول"، فان "النار تكمن تحت الرماد" بسبب مشاكل أخرى على رأسها بالطبع الوضع الاقتصادي، فالأردن يعاني من شح الموارد الاقتصادية، ويعاني من نسبة عالية من الفقر والبطالة ويرزح المواطن الأردني تحت عبء الأسعار المرتفعة والضرائب التي تعتبر الأعلى في العالم، إضافة إلى المديونية التي تتفاقم يوما بعد يوم ووصلت إلى أرقام فلكية بمقاييس بلد فقير مثل الأردن.
هذا الوضع تعبر عنه بيانات الحكومة الأردنية إذ تشير آخر الإحصائيات الصادرة عن وزارة المالية الأردنية إلى أن المديونية وصلت إلى 12.127 مليار دينار "حوالي 18 مليار دولار" وأنها ارتفعت في الشهور الأربعة الأولى من العام الجاري بنحو 664 مليون دينار،"حوالي مليار دولار"، أي أن المديونية تزيد 166 مليون دينار شهريا " 233 مليون دولار" وهي أرقام مرشحة للزيادة. وإذا بقيت مؤشرات المديونية تسير بنفس الاتجاه التصاعدي خلال الأشهر المتبقية من العام الجاري فان صافي الاقتراض الداخلي والخارجي سيصل إلى 2 مليار دينار ليرتفع بذلك صافي المديونية العامة الداخلية والخارجية عند مستوى 4ر13 مليار دينار " 20 مليار دولار" مقارنة مع 5ر11 مليار بنهاية العام 2010، مما سيدفع الحكومة الأردنية إلى اتخاذ خطوات صعبة مثل رفع أسعار الخدمات والضرائب ويفاقم من الوضع الاقتصادي الصعب في الأردن، وهو ما دفع الخبير الاقتصادي الدكتور جواد العناني وهو رئيس سابق للديوان الملكي ونائب سابق لرئيس الوزراء إلى التحذير من اضطرابات محتملة إذا استمر الوضع على حاله، مشيرا إلى أن فوائد القروض الخارجية السنوية تبلغ 495 مليون دينار "حوالي 700 مليون دولار" ، وهو ما دفع الكاتب الاقتصادي الأردني فهد الفانك إلى القول "بمقياس ارتفاع المديونية فإن سـنة 2010 قد تكون أسـوأ سـنة مالية في تاريخ الأردن" مما يعني أن الوضع في العام الحالي سيكون أسوأ إذا أخذنا بعين الاعتبار ارتفاع أسعار النفط وتدني تحويلات الأردنيين العاملين في الخليج، وانخفاض عدد السياح وقلة الاستثمارات الخارجية.
الأردن يحتاج إلى خطة إنقاذ اقتصادية عاجلة قبل أن ينفجر الوضع على غرار اليونان التي أسعفها الاتحاد الأوروبي بمليارات الدولارات، وهاهو على وشك تقديم خطة ثانية للحيلولة دون إعلانها الإفلاس، وبالتأكيد فان خطة الإنقاذ الخليجية للأردن اقل كلفة بكثير من كلفة إنقاذ اليونان، وهي خطة تستطيع دول الخليج العربية تقديمها لأنها ستجني الكثير من فوائد دعم الاستقرار في الأردن،فوقوع الأردن في دوامة العنف يفتح الباب أمام انتقاله إلى الجزيرة العربية، وليس هناك ضمانة تحول دون انتقال الفوضى إلى دول الخليج، ومن هنا فان كلفة الحفاظ على الاستقرار في الأردن اقل بكثير من كلفة حماية الحدود ومنع الفوضى من التمدد.
صحيح أن الأردن فقير اقتصاديا ويعاني من شح الموارد، لكنه يتمتع بموارد بشرية هائلة، تتسم بالحيوية والتأهيل والكفاءة، وهذا يتطلب إعطاء الأولوية في العمل في دول مجلس التعاون للعمالة الأردنية وتنفيذ استثمارات كبيرة في الأردن من شانها تلبية احتياجات الأسواق الخليجية وتشغيل العمالة الأردنية في بلدها.
الأردن يحتاج إلى خطة مارشال خليجية قبل فوات الأوان، وهي خطة مفيدة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، للأردن والخليج معا، وهي أموال قد تضطر دول الخليج لإنفاقها على السلاح والجيوش والأمن لدرء مخاطر فوضى محتملة إذا سادت حالة من عدم الاستقرار على خاصرتها الشمالية، هذا بمنطق المصالح والعقل التجاري، أما بمنطق الإخوة العربية والإسلامية والتداخل العشائري فان الأردن اقرب لدول الخليج من الروابط التي تجمع اليونان بالمانيا وفرنسا والاتحاد الأوروبي ، وأكثر مما يجمع أيسلندا بروسيا، وهي الدول التي قدمت المليارات لإنقاذ اليونان والبرتغال وايرلندا وأيسلندا من خطر الإفلاس، فالمديونية الأردنية تعاني من "الفلتان" ولن يستطيع الأردن أن يكبح جماحها وحيدا دون مساعدة خليجية كبيرة، وليس من الحكمة الانتظار حتى يقع الأسوأ وينتقل "فلتان" المديونية إلى "فلتان" على الأرض.
hijjawis@yahoo.com