زوبعات ترامب هل تغطي على انقلابه ضد "الدولة العميقة"؟
داود عمر داود
07-02-2025 03:58 PM
العداء المستحكم بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وبين "الدولة العميقة" في بلاده معروف، منذ أن حاول التمرد عليها عندما رفض نتيجة انتخابات عام 2020، التي خسرها أمام الرئيس السابق جو بايدن، وادعى أنها مزورة. ثم دعا "أتباعه" لاحتلال مبنى الكونغرس في مسعىٍ لتغيير نتيجة الانتخابات لصالحه.
وترتب على تلك الأحداث العنيفة أن حاولت "الدولة العميقة" تأديب ترامب وإبعاده عن الوسط السياسي بالطرق القانونية، من خلال رفع الدعاوى ومقاضاته أمام المحاكم، طوال الاربع سنوات التي أمضاها خارج البيت الأبيض. ورغم إدانته في عدد من تلك القضايا إلا أن ذلك لم يعيقه من الترشح لانتخابات الرئاسة الأخيرة.
محاولات اغتيال ترامب:
وكانت محاولاتي اغتيال ترامب، خلال الحملة الانتخابية، سبباً في ازدياد حقده على "الدولة العميقة"، التي يلمح أو يتهمها بأنها وراء المحاولتين. وقد كادت المحاولة الأولى أن تقضي عليه. وظل يردد، خلال حملته الانتخابية، أنه نجا من الاغتيال بلطف الله الذي قدر له أن يبقى حياً كي يعود لحكم بلاده.
فكانت تلك هي القشة التي قصمت ظهر البعير، كما يقال، بينه وبين "الدولة العميقة". فوضع نصب عينيه أن ينتقم لمحاولة أخذ حياته. فكانت أولى ضرباته أن أعلن أنه سيكشف سر اغتيال الرئيس الأسبق "جون كنيدي"، عام 1963، حتى يحرج "الدولة العميقة" من أن تعيد المحاولة ضده.
مقتل كنيدي على يد حراسه:
كان الظن أن الكشف سيكون عن وثائق مكتوبة مثلاً، تدل على تقصير لجان التحقيق في مقتل كنيدي، أو إعلانٍ عن مؤامرة دبرها خصوم الرئيس المغدور لم تكن معروفة، أو تأكيد أن المافيا وراء العملية كما أُشيع آنذاك، أو مؤامرة خارجية، أو أي شيء آخر.
لكن ترامب نشر دليلاً لا يمكن الطعن فيه، عبارة عن تسجيل مصور لعملية اغتيال كنيدي، يبين بوضوح، أن الحراس المرافقين للرئيس الأسبق هم من قاموا فعلياً بتصفيته، في وضح النهار، في شوارع مدينة دالاس، بولاية تكساس.
صحيح أن كثيراً من الأفلام الوثائقية، المتاحة منذ عقود، تحدثت عن نظرية أن مؤامرة اغتيال كنيدي كانت مدبرة داخلياً، واستخدمت تسجيلات مصورة اخرى مشابهة لما نشره ترامب، إلا أنها لم تكن تحظى بالمصداقية، لأنها لم تصدر عن جهة رسمية، فلم تؤخذ على محمل الجد.
اغتيال كنيدي على يد الدولة أصبحت رواية رسمية:
أما الآن وقد كشف رئيس أمريكي حقيقة اغتيال سلفٍ له، على يد حرسه الرئاسي، بدليل دامغ، بعد ستة عقود، فيكون قد أضفى مصداقية عالية على كل نظريات المؤامرة التي تناولتها كتب التاريخ، والوثائقيات التلفزيونية، من قبل. إذ أصبحت هذه هي الرواية الرسمية لمقتل كنيدي، أمام الناس والتاريخ.
وقد وعد ترامب أنه سيقوم بالكشف عن مؤامرة اغتيال روبرت كنيدي، شقيق الرئيس كنيدي، واغتيال مارتن لوثر كينغ، داعية الحقوق الأسود، وكلاهما اغتيل عام 1968. لكن ترامب لم ينشر شيئاً عنهما لغاية الآن.
إنقلاب ترامب على الدولة العميقة:
واستكمالاً لجهوده الانتقامية فإن ترامب قام، منذ أولى ساعات تسلمه مقاليد الحكم، بالتوقيع على مجموعة كبيرة من القرارات التنفيذية التي لا يُفهم منها إلا أنها انقلابٌ على "الدولة العميقة" في بلاده، تزامنت مع عدد كبير من "الزوبعات"، إن جاز التعبير، أثارها في آن واحد، شغلت الأمريكيين والعالم بأسره، لتحويل الأنظار عما يحدث في واشنطن، من تفكيك منهجي وسريع للحكومة الفدرالية، وأجهزتها الاستخبارية، الداخلية والخارجية.
ويعاون ترامب في انقلابه "إيلون ماسك" الذي تم استحداث وزارة له تحت مسمى "وزارة الكفاءة الحكومية"، التي منحته صلاحيات واسعة في كل دائرةٍ من دوائر ومؤسسات الحكومة الفدرالية. وقد سيطر "ماسك" وفريقه على أنظمة بيانات مالية، وألغوا بروتوكولات أمنية، وفصلوا من الخدمة مسؤولين رفيعي المستوى، وأغلقوا الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID.
وقد ذكرت جريدة "نيويورك تايمز" أن "ماسك يتمتع بمستوى من الاستقلالية لا يمكن لأحد السيطرة عليه، وهو ما يجعله الرئيس الفعلي، بينما ترامب يوفر له الغطاء السياسي". ويصف مراقبون أن ما يجري في واشنطن هو إعادة تشكيل جذرية للحكومة الفدرالية، ربما يؤثر على مستقبل البلاد والعالم، لما سيجلبه من فوضى سياسية.
تفكيك وكالات الاستخبارات:
وقد تردد أن من أخطر الإجراءات، التي تم اتخاذها، أنه تم تقديم عرضٍ الى جميع العاملين في الوكالات الاستخبارية الأمريكية، البالغ عددها 16 جهازاً، تعرض عليهم التعويض مقابل الاستقالة الطوعية. كما طالب ترامب، بدافع الانتقام الشخصي، الكشف عن هويات من حققوا في أحداث اقتحام الكونغرس في 6 كانون ثاني يناير 2021.
عندما يصبح ترامب الزعيم الأوحد:
من المتوقع أن يستمر انقلاب ترامب لفترة، تطول أو تقصر، حتى يُطّهر الحكومة الفدرالية من خصومه، فيصبح الزعيم الأوحد، الحاكم بأمره لدولة كلها طوع بنانه، بما فيها "الدولة العميقة" الجديدة التي هو في طور إقامتها، دولة كانت يوماً ما تفتخر بأنها تتصف بـ "الديمقراطية". وسيظل ترامب يثير "الزوابع"، ويذر الرماد في العيون، حتى ينتهي انقلابه بنجاح وتستقر الأمور لصالحه بشكل كامل.
أما إذا فشل انقلاب ترامب فسيكون لذلك تداعيات اخرى لا يُحمد عقباها على الإطلاق. تداعياتٌ خطرة جداً على كيان الدولة نفسها.
الخلاصة: انقلاب فاشل سرّع تفكك الاتحاد السوفياتي:
عندما تمر الدول العظمى بظروفٍ وتغييراتٍ جذرية، كالتي تمر بها الولايات المتحدة الآن، يكون الأمر مفتوحاً على كل الاحتمالات. فآخر وأقرب مثال على ذلك عندما سرّع انقلاب فاشل، ضد الرئيس الروسي "بوريس يلتسن"، بتفكك الاتحاد السوفياتي.
فهل ستواجه الولايات المتحدة ظروفاً مشابهة؟ أم أن لديها صمام أمانٍ تم زرعه في إدارة ترامب يتمثل بشخص نائبه "جي دي فانس"، الذي كان عدواً لدوداً لترامب وفجأة إذا به يختاره نائباً له؟ فهو ليس مثل ترامب متمردٌ على "الدولة العميقة"، بل ربما يكون جزءاً منها، وتابعاً لها.