facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




كيف هزّت "أفخاذ بوش" الاقتصاد الروسي؟! ..


محمود الدباس - ابو الليث
06-02-2025 01:28 PM

في تسعينيات القرن الماضي.. كان البرد يلف موسكو.. كما يلف الفقر موائد أهلها.. مصانع صدأت أبوابها.. ومتاجر تملؤها بضائع لا يقدر أحد على شرائها.. في شوارع المدينة.. لم يكن البحث عن لقمة عيش مجرد حاجة.. بل كان معركة يومية.. الدولة التي كانت تُرهب العالم بصواريخها النووية.. أصبحت تستورد حتى أبسط احتياجاتها الغذائية.. وما لم يستطع خصومها تحقيقه بالحصار والسلاح.. كادت تفعله أفخاذ دجاجٍ باردة.. جاءت على متن سفن أمريكية..

"أفخاذ بوش".. هكذا أطلق عليها الروس ساخرين.. لكن السخرية لم تكن تخفي مرارة الواقع.. لم تكن أمريكا تتصدق على روسيا.. بل كانت تمارس هيمنة اقتصادية.. مغلفة بالتجارة.. فالشعب الأمريكي لم يكن يفضل أفخاذ الدجاج الداكنة.. كان يستهلك الصدور البيضاء، بينما كانت الأفخاذ تعتبر بقايا غير مرغوبة.. وبدلاً من التخلص منها.. وجدت واشنطن في روسيا سوقاً مثالياً لهذه الأجزاء الرخيصة.. شحنتها بأطنان هائلة.. وبأسعار زهيدة.. حتى أصبحت وجبة رئيسية.. على موائد الفقراء والطبقة الوسطى.. كان الروس يظنون أنهم يعالجون أزمة غذائية.. لكنهم لم يدركوا أنهم وقعوا في فخٍ اقتصادي محكم..

لم يكن الأمر مجرد تجارة.. كان إذعاناً غير مباشر.. فكيف لدولة بحجم روسيا.. بسهولها الواسعة.. وثرواتها الطائلة.. أن تعجز عن إنتاج ما يسد حاجتها من الدواجن؟!.. لم تكن المشكلة في غياب الموارد.. بل في غياب الإرادة والتنظيم.. فالمناخ القاسي كان تحدياُ.. لكنه لم يكن مستحيلاً.. والخبرة الزراعية السوفيتية تراجعت.. لكنها لم تختفِ.. والأهم من ذلك.. أن روسيا لم تكن دولة فقيرة.. بل كانت تمتلك مقومات النهوض.. إن قررت استخدامها..

وحين أدرك الروس.. أن استمرار هذا الاعتماد.. يعني مزيداً من الخضوع.. جاءت لحظة التغيير.. لم يكن الحل في قرار سياسي.. بل في نهضة شاملة.. خصصت الحكومة مليارات الروبلات.. لإنشاء مزارع حديثة.. استُقدمت أفضل السلالات من الخارج.. لكن لم يكن ذلك كافياً.. فبدأت عمليات تهجين دقيقة.. لإنتاج سلالات جديدة.. قادرة على العيش في المناخ الروسي القاسي.. استثمر رجال الأعمال الروس أموالهم في هذه النهضة.. مدفوعين ليس فقط بحب الوطن.. بل أيضاً برؤية اقتصادية.. حققت لهم أرباحاً طائلة.. كان التحدي كبيراً.. لكنه لم يكن مستحيلاً.. لأن الأرض الروسية كانت خصبة.. والمقدرات كانت متاحة.. والرجال كانوا حاضرين.. ليخوضوا معركة الاستقلال الغذائي..

كانت أمريكا قد أرسلت أفخاذ دجاجٍ.. لم يعد شعبها يرغب بها.. لتفرض بها واقعاً اقتصادياً على روسيا.. ولكن ما لم تحسب حسابه.. هو أن هذه الأفخاذ.. ستكون الشرارة التي أشعلت ثورة زراعية غير مسبوقة.. لم تكتفِ روسيا بالوصول إلى الاكتفاء الذاتي.. بل تحولت إلى أحد أكبر مصدري الدواجن في العالم.. واليوم.. لم تعد موسكو تنتظر "أفخاذ بوش".. بل تصدر دجاجها إلى العالم.. وكأنها ترد الجميل بسخرية التاريخ..

هكذا هو الزمن.. يسخر ممن يظن أن القوة تُفرض بالهيمنة وحدها.. فأحياناً.. يكون التحدي الذي يراد به السيطرة.. هو ذاته المحفز لقيام نهضة لا تُقهر.. وكم من مشكلة صغيرة.. صنعت دولة عظيمة..

فهل نتعظ؟!..





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :