facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




مخاطر وتحديات خطط تهجير غزة وضم غور الاردن


الوزير السابق وجيه عزايزة
06-02-2025 10:41 AM

المقدمة:
الفت الانتباه الى ان هذه الدراسة تم اعداد جزء منها في 28/6/2020 وتم نشرها في صحيفة “رأي اليوم” بتاريخ تموز/2020 وذلك عند طرح ضم غور الأردن في حينها وفق خرائط اليمين الإسرائيلي، وحيث يتم الحديث حاليا عن هذا الموضوع مرة ثانية خاصة في ظل تداعيات ذلك فلسطينيا وأردنيا وإقليميا مع إعادة انتخاب ترمب وبدء ممارسته لمسؤولياته. وضغطه في البداية لوقف إطلاق النار ثم فجر مسألة تهجير سكان غزة الى الأردن ومصر ، والتي تأتي استكمالا لمشاريع سابقة تم طرحها في فترات ماضية وثم أثبتت الاحداث لاحقا عدم القدرة على تحقيقها. وإضافة الى ما حدث منذ 7 أكتوبر 2023 سواء في غزة او في المنطقة بصورة عامة مما يتطلب إعادة النظر في بعض القضايا المطروحة والتأكيد على أخرى خاصة ونحن نتحدث عن الاستيطان الذي هو صلب المشروع الاحتلالي والذي ارتكز عليه منذ بداية القرن العشرين وليومنا هذا سواء في البعد الديني أم العلماني.

المشروع الاحتلالي وركائزه اعتمد أصلا على الركيزتين الاساسيتين (انشاء وطن قومي لليهود) الوطن والتعبير عنه بالاستيطان كركيزة أولى متواصلة مستمرة وبأدوات وأساليب مختلفة سيتم شرحها لاحقا. والركيزة الثانية هي ما يسمى القومية اليهودية والتي أسست لمفهوم تحويل الدين الى قومية وربما هذا بل هو تفرد لم يحصل مع أي ديانة اخر.

الركيزة الأولى: الاستيطان
المبدأ الأول وهو الاستيطان والتأشير على مراحله المختلفة مع ذكر ان ما يتم الحديث عنه حاليا هو ضم الاغوار مما يوجب التنويه ان هذا ليس جديدا اذ تم طرح هذا الموضوع في خطة ايجال آلون في حكومة حزب العمل وذلك في شهر تموز 1967 أي بعد اقل من شهر على عدوان 67 ونتائجه الكارثية على الواقع العربي عامة والفلسطيني خاصة أن اهم ما احتوت هذه الخطة وفق الخارطة المرفقة هو تكثيف الاستيطان في غور الاردن كمنطقة فصل حدودية تمنع الاتصال الجغرافي بين الأراضي الفلسطينية والأردن.


وكذلك دعوته للاستيطان في أجزاء من الضفة الغربية الأخرى واعتبار ان الحديث يتم على أراضﹴ متنازع عليها وليست أراضﹴ محتلة، وكذلك الاستيطان في الجولان وانشاء كيان درزي فيها. رغم ان الحكومة الإسرائيلية او الاحتلالية (ان شئت ) لم تصادق على الخطة في وقتها عام 1967 لاعتبارات خارجية الا انها ابتدأت بتنفيذها على ارض الواقع واستمرار تطبيقها وإمكانية تحقيقها حاليا سواء في الضفة الغربية أم في التفكير باتجاه الجولان بعد التطورات الأخيرة في سوريا ومما يمكن ان يترتب من وقائع مستجدة لاحقا يقوم بها الإسرائيليين كخطوات تنفيذية.

وهنا نعود الى اساسيات الاستيطان والمفاهيم الاسرائيلية له وكيفية تطبيقه.

وتستند المعطيات التي طرحت من ايجال آلون اليساري في خطته واعتمدت من اليسار وقتها خلال حكومة حزب العمل ، للتعامل مع ارض فلسطين التاريخية ما تم طرحه من مفاهيم حكم للفلسطينيين وحصر حقوقهم بذلك سكانا وليس مواطنين.

أكمل اليمين حاليا اعتمادها مما يدلل ان طريقة التفكير في الاستيطان لدى عموم الإسرائيليين عامةً بغض النظر عن مشاربهم الايدولوجية يمينا او يسارا وبالتالي ما تم طرحه في صفقة القرن السابقة توافق مع خطط إسرائيلية قديمة تحت مسمى وغطاء امريكي جديد لإعطائها مبررات شرعية دولية ومحاولة تسويقها إقليميا ودوليا وتتماشى تماما مع الايدولوجيا الدينية اليهودية والحركة الاستيطانية . خاصة ان من قام بالإشراف على اعداد الصفقة في وقتها داخل الإدارة الامريكية غلاة وأكبر داعمين للاستيطان منذ فترة طويلة وهم الثلاثي (غرينبلات، فريدمان و كوشنر).
الركيزة الثانية (القومية والدينية)


ان أصل الفكرة الاسرائيلية انطلق من الأصل التوراتي الى فلسطين ومن منطلق ديني. الا ان التطبيقات العملية على الأرض لم تعتمد الدرب التوراتي في الاستيطان بداية بل ذهب بأبعاد اقتصادية زراعية ﺇذ ذهب بالتسلسل التالي: كان عدد اليهود في فلسطين اقل من 10000 في عام 1860 ثم ازداد الى حوالي 24000 في عام 1903 اي حوالي 5% من السكان وتزايد بعدها الى 8% عام 1914 بداية الحرب العالمية الأولى ومع انتهاءها وصل الى حوالي 11% في عام 1922 وفي عام 1948 وصل الى حوالي 31% من السكان ونظرا لتفاوت النسبة السكانية مع الفلسطينيين وعدم القدرة على حسم المواجهة في البدايات فان تفكير الحركة الاسرائيلية الاستيطاني ذهب الى استبعاد البعد الديني في البداية من مناطق الاستيطان خاصة في القدس والضفة الغربية (الخليل ونابلس) رغم الادعاء بوجود الابعاد الدينية في هذه المناطق والسبب الثاني السعي للحصول على وضع اقتصادي ومعيشي جيد للمستوطنين القادمين. وعليه اتجه البعد في التفكير للاتجاه العلماني للحركة الاسرائيلية وتركيز الاستيطان في الأراضي بأكثر من ٧٥٪ من اليهود في المناطق الساحلية والزراعية بالداخل حتى أراضي النقب مع وجودها في جنوب فلسطين فان التفكير الاقتصادي فيها كان من خلال جر مياه من طبريا الى النقب وتجفيف أراضي بحيرة الحولة وزراعتهما والابتعاد عن الأماكن ذات البعد الديني.

الخارطة رقم ….. توضح الاستيطان حتى عام 1946

وبعد نتائج الحرب العالمية الثانية وانتصار الحلفاء تم تسريع انهاء الانتداب البريطاني لفلسطين عما كان مقرر سابقا والذهاب لمقترح التقسيم الذي اقرته الأمم المتحدة 1947 والذي اعطى لليهود 54% من الأراضي اغلبها الزراعية والساحلية مع انهم يشكلون 31% من السكان، وأعطى العرب 44% والذين يشكلون 69% من السكان وأعطى 2% حكم دولي لمنطقة القدس وحولها. الملاحظة المهمة هنا ان الدولة اليهودية المقترحة لا تحوي الجغرافيا التوراتية التي استند عليها الادعاء الاسرائيلي وهي القدس والخليل ونابلس ويطلقون عليها اورشليم ويهودا والسامرة.


جاءت حرب 1948 لتحتل إسرائيل 78% من ارض فلسطين التاريخية وليس 54% من الأرض كما كان في قرار التقسيم وحتى في الأراضي الجديدة تم الابتعاد عن الأماكن الدينية رغم ان الوقائع على الأرض وإمكانية القوة المتاحة لإسرائيل في الحرب كانت تمكن من احتلال الأراضي ذات البعد الديني دون السعي الكبير وتهجير اليهود الشرقيين (السفارديم )


التكاملية بين الركيزتين:
استغل المستوطنون الإمكانيات المالية والقدرات التكنولوجية والمعرفية للمستوطنين القادمين من أوروبا (الاشكنازيم) في الاستثمار الاقتصادي للدولة الناشئة خاصة ما تم انشاؤه من قبل الحركة الكيبوتسية والموشافيم من تطوير القدرات المتاحة وتحديدا الزراعية منها وتركز ايدولوجيا العلمانية الغربية في ذلك الوقت وتسيد الطرح اليساري والعلماني على اغلبية المجتمع الإسرائيلي من خلال حزب العمل وحزب العمال (مبام ومبآي المعراخ لاحقا) وتكوين الانطباع الأوروبي عن الدولة الجديدة واستمر في الحكم لعام 1977 بشكل منفرد.

ثم حدث الانقلاب اليميني الانتخابي حزب حيروت (الليكود لاحقا) بزعامة مناحيم بيغن واستمر في الحكم ليومنا هذا مع تناوب قليل مع الوسط واليسار في بعض السنوات خلال هذه الفترة.

خلال حرب 1948 وما قبلها لم يكن اليهود الشرقيون أصحاب نفوذ لقلة عددهم وعدم مبادرتهم في الهجرة خاصة من الدول العربية حيث كان التركيز بترتيبات الحركة الاسرائيلية على البعد الاشكنازي ليهود أوروبا واستثمار ما حصل من توافق غير معلن مع أوروبا لتجاوز ما حصل مع اليهود فيها خلال قرون طويلة واهمها في الحرب العالمية الثانية وكيفية استغلال الابعاد الدينية لإنهاء المشكلة اليهودية في أوروبا ونقلها الى مكان اخر وهي فلسطين والتبرير بإيجاد مكان يشكل ملاذ آمن لليهود في المستقبل تحت مبررات دينية. ثم ابتدأ تكثيف هجرة اليهود الشرقيين بعد عام 1948 وحاجة الاشكناز لعناصر عاملة جديدة في الاقتصاد وكانت المبررات الدينية أساسا مبررا لهذا.

كان التركيز في تلك الفترة على الغاء كلمة فلسطين من أي بعد سكاني وجغرافي في كافة انحاء فلسطين خاصةً في غزة والضفة الغربية. حيث تم الغاء حكومة عموم فلسطين بعد انشائها في غزة عام 1949 بعد قيامها اصدار جوازات سفر وهويات وغيرها من الوثائق (مرفق صورتي الجواز والهوية لعموم فلسطين ). وكذلك إطلاق عبارة عرب إسرائيل او عرب 1948 على من بقي داخل إسرائيل واللاجئين في الخارج ومحاولة طمس أي معلم ذو دلالة فلسطينية.


كان تشكيل جامعة الدول العربية منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964 محاولة لإعادة تعريف المطالبة بالحقوق الفلسطينية ابتداءً بحق العودة والتمثيل السياسي مما اوجد وقائع جديدة في إعادة التركيز على الهوية الفلسطينية وان كانت ضعيفة حتى حصول هزيمة 1967.

كان لهزيمة 1967 والنتائج الكارثية للحرب اثار وتداعيات كبيرة و ابتداء تطبيق المرحلة الجديدة للاستيطان في البعد الديني والتوراتي الى جانب البعد الأمني والسياسي وامتد في القدس وحولها ابتداءً من هدم حي المغاربة في القدس في اول أسبوع من الاحتلال وبعد ذلك التمدد لباقي المناطق في الضفة الغربية وصولا للأغوار وامتد باتجاه أذرع طويلة وقليلة العرض داخل الضفة الغربية من مناطق وسط اسرائيل ذات الكثافة السكانية العالية لتمتد الى الاغوار ، وهي تشبه كف اليد والاصابع في الخارطة المرفقة والهدف تعقيد التواصل بين المدن الفلسطينية في الضفة الغربية وكذلك منع السيطرة الفلسطينية على الاغوار واستخدام الطرق الالتفافية للتواصل داخل التجمعات السكانية بين كل مدينتين فلسطينيتين ابتداءً من جنوب الخليل ثم الى جنين شمالا وتركيز الكثافة الاستيطانية الكبيرة بين المدن الفلسطينية الكبيرة في القدس ورام الله ونابلس والمستوطنات الأمنية في منطقة الاغوار .


والعمل على تكريس الحد الأقصى للفلسطينيين بإنشاء حكم ذاتي فقط للسكان دون أي سيادة على الأرض وهذا تم تبنيه والتأكيد عليه أمريكياً. من خلال مفاوضات كامب ديفيد الأولى مع مصر وما طرحه جيمس بيكر وزير الخارجية الأمريكي في مؤتمر مدريد للسلام تشرين الأول -أكتوبر/1991 في انه سيكون للفلسطينيين اقل من دولة وأكثر من حكم ذاتي.

وتم تأكيد ذلك من خلال اتفاقيات أوسلو13/أيلول/1993 وتقسيم المناطق الى A.B.C.


مراحل بناء إسرائيل (إسرائيل الأولى النموذج الغربي)
شكلت المرحلة الأولى منذ بدء الاستيطان في بداية القرن العشرين الى حرب عام 1967 ونتائجها الكبيرة إنجازا هاما بتحقيق ما ذهبت اليه برؤيتها التوراتية واستغلال الابعاد العلمانية والأمنية من خلال الحضور الرئيسي للأشكناز الغربين والمؤطرين ايدولوجيا والمتمكنين علميا واقتصاديا وتدريبا عسكريا في بناء أساسيات دولة حديثة ديموقراطية علمانية ومتمكنة تكنولوجيا بمفاهيم غربية اوروبية إضافة الى ما تحقق لها من دعم دولي بشكل عام واوروبي بشكل خاص مستغلين نتائج الحرب العالمية الثانية واستغلال ما تعرض له اليهود وعلى يد النازية الألمانية وخاصة التعويضات السخية من المانيا في خمسينيات القرن الماضي ومساعدة أوروبية وعسكرية وصلت الى مرحلة التكنولوجيا النووية من فرنسا في عام 1957 مقارنة مع واقع عربي ضعيف ومجزأ بين المعسكرين الأمريكي والسوفياتي وكانت حرب 67 نتيجة طبيعية لدولة قوية تحصنت في الابعاد الاجتماعية والاقتصادية والعسكرية والاستيطان الموزع على الحدود كحماية للدولة ببؤر عسكرية وقدرات بشرية مدربة خاصة في الكيبوتسات والموشافيم الحدودية والتي تنتج اغلب القيادات العسكرية والسياسة لفترة طويلة واستمرت هذه المرحلة الى عام 1973.

إسرائيل الثانية:
أحدثت حرب أكتوبر 1973 هزة اصابت إسرائيل دولة وجيشا من دولة قادرة عسكريا الى دولة معتمدة على أمريكا عبر الجسر الجوي العسكري الأمريكي في الحرب مما أكد في واقع إسرائيل المستقبلي في المنطقة وادت التحقيقات وقتها الى استقالة غولد مائير وقيادات الجيش وبدء تسجيل تراجع في الواقع العسكري لغرض نتائج انتصارات جديدة و الذهاب بالضغط الأمريكي الكبير والمباشر الذي أوصل بعدها الى فك الارتباط على الجبهتين المصرية والسورية عام 1974 وتوج ذلك في معاهدة كامب ديفيد 1978 بخروج مصر من دائرة الصراع المباشر ثم احتلال بيروت عام 1982 ومبادرة فيليب حبيب وخروج منظمة التحرير الى تونس وما تلا ذلك في الانتقال الى الداخل من خلال الانتفاضة الأولى 1987 وبدء تحول المقاومة من الخارج الى داخل فلسطين .

ثم جاءت انعقاد مؤتمر مدريد بعد حرب الخليج الأولى وصولا الى اتفاقيات أوسلو 1993 ومعاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية 1994 وإعطاء بوادر امل وانفراجات للسلام في المنطقة مع وجود قوى وشخصيات مؤيدة للسلام في إسرائيل مثل رابين وبيلين وساريد وشلومو بن عامي وغيرهم مما استنفر قوى اليمين في إسرائيل فاغتالت رابين وتصدرت القيادة السياسية اليمينية في إسرائيل لتطيح كل مبادرات السلام لاحقا ومنها مبادرة كلينتون وأنابوليس وجون كيري ورافقها واقع عربي ضعيف وغير مؤثر مما مكن إسرائيل من التأثير على واقع المنطقة بالتوجه نحو التطبيع في المنطقة بعيدا عن القضية الفلسطينية وتولد قناعة امريكية بذلك وتتويجها بصفقة القرن ومع كل هذه الوقائع السياسية لإسرائيل الا ان هناك وقائع أخرى سلبية قي القوة العسكرية لإسرائيل وادائها حيث لم تظهر اية معطيات عسكرية تبرز القوة المحتلة التي كانت سابقا كما حصل في عام 1967 واضطرت لمغادرة البنان عام 2000، وكذلك زيادة تأثير التيارات الدينية في كافة المؤسسات واهمها الشرطة والجيش حيث ازدادت نسبته المستوطنين المتدينين في الجيش من 5% الى 45% وعلى رأسهم رئيس هيئة الأركان الحالي الذي تبدأ استقالته في 6 اذار الوشيك هرتسي هاليفي واستمرار انتقال الحكم الى اليمين وما أحرزته الانتخابات في الدورات الأخيرة من انزياح لليميني نتيجة مغادرة اكثر من مليون إسرائيلي قبل 7 اكتوبر2023 واغلب هؤلاء من الوسط واليسار ولليمين وعندما نتحدث هنا عن مغادرة والمقصود بها ليست هجرة انما انتقل للإقامة الدائمة او شبه الدائمة خارج إسرائيل وعليه فان القوة في الاقتصاد والتطبيع رافقها ضعف في قدرات الجيش والتغيرات الاجتماعية وبدء الانقسام العامودي بين العلمانيين والمتدينين وانزياح الحكم الى اليمين اكثر وازدياد التطرف وتأثير السفارديم وتأثير الابعاد النيوليبرالية في إدارة الاقتصاد على حساب النهج شبه الاشتراكي في بداية انشاء إسرائيل 1948 والتعامل مع ابعاد القضية الفلسطينية ضمن الرؤيا الاقتصادية للسكان وجاهزية ممولين أمريكيين كذلك منهم موسكوفيتش وسابان وادلسون حيث كان جُل اهتمامهم في البعد الاقتصادي للواقع الفلسطيني ضمن صفقة القرن وإلغاء الحقوق السياسية للفلسطينيين. وهنا يمكن ان نسميها مرحلة إسرائيل الثانية.

إسرائيل الثالثة (الشرق أوسطية)

ما حدث بعد 7 أكتوبر 2023 اوجد تغييرات كبرى مهمة في اتجاهين:

الأول: أوضح تغير في المفاهيم السائدة عن طرح ان إسرائيل تدير حروبا قصيرة وعدم قدرتها على خوض حرب طويلة وتبين عدم صحة ذلك وقدرتها على تحمل حرب ممتدة وعلى عدة جبهات وباستخدام القوة المفرطة دون مراعاة القوانين الدولية والقدرات العالية الاستخباراتية وسلاح الجو.

وفي اتجاه آخر ضعف القدرة الإسرائيلية على احتلال جديد وتثبيت ذلك على الأرض سواء في غزة أم لبنان كما كان يحصل في الحروب السابقة وتغير واقع إسرائيل في العالم بما فيها تجمعات يهودية مهمة في العالم وخاصة في أوروبا وامريكا وعدم قدرتها على تحمل الصورة الانطباعية الجديدة عن إسرائيل والبدء في تحولها من دولة ملاذ الى عبء مستقبلي.

* اتساع المواجهة مع اطراف متعددة في المنطقة وإمكانية اتساع ذلك مع اطراف جديدة مستقبلا إضافة الى البعد العربي الذي كان سائداً سابقاً مثل تأثير تركيا في سوريا وتأثير ايران في لبنان وتطور إمكانيات حربية جديدة من مناطق بعيدة وليست محاذية لإسرائيل مثل العراق واليمن مما يشكل ساحات مواجهة جديدة وعدم القدرة على التعاطي الإسرائيلي المباشر والمنفرد في الرد على ذلك والاعتماد اكثر فاكثر على أمريكا وتزايد موجة مغادرة جديدة من الإسرائيليين التي ازدادت بعد 7 أكتوبر 2023 اذ وصلت حسب تقديرات جديدة الى حوالي نصف مليون إضافة الى مليون سابقا والتي أصبحت تقود الى ان يكون عدد الفلسطينيين بين النهر والبحر حاليا اكثر7.5 فلسطيني مقابل حوالي 7 مليون يهودي يحملون جواز سفر إسرائيلي ولكن يقيم منهم بشكل دائم او شبه دائم في ارض فلسطين التاريخية اقل من 6 مليون يهودي .

ولتوضيح الحديث عن المغادرة فهي الإقامة الدائمة او شبه دائمة خارج إسرائيل مع الاحتفاظ بالجنسية الإسرائيلية والغالبية تحتفظ بالجنسية اخرى.

مما يؤثر على الخطط القادمة للاستيطان وحاليا يتم الحديث عن توسع في المباني الاستيطانية مع عدم اشغالها فعليا إضافة الى عدم القدرة على التوسع في التجنيد خاصة الحرديم الذي لا يتجندون وأصبحوا يشكلون حوالي 15% من المجتمع الإسرائيلي أي حوالي مليون شخصا.

مما يؤثر على الإمكانيات البشرية للجيش وأثبتت الاحداث ان العنصر البشري في النهاية هو ما يفرض الامر الواقع على الأرض ودوام الاحتلال برغم امتلاك اهم وسائل التكنولوجيا.

وهذه العوامل فرضت نفسها على التفكير الإسرائيلي في اليوم التالي للحرب على غزة.

وأثبتت الاستقالات في المؤسسة العسكرية بعد بدء صفقة التبادل. إضافة الى الانقسام العمودي بين المجتمع العلماني والديني والتناقض الكبير بينهما وتأثير الانزياح لليمين ومحاولة السيطرة على جهاز القضاء الذي يشكل اهم الركائز الاجتماعية لمحافظته طيلة الفترة الماضية على قوانين الأساس السائدة في الدولة العبرية في ظل عدم وجود دستور دائم في إسرائيل مما يدل على عمق الازمة في ركائز الفكرة الاسرائيلية السائدة وازدياد وتغلغل السفارديم في التأثير على الحياة العامة في إسرائيل و تراجع فكرة الملاذ لليهود في العالم وما يسمح بالقول ان إسرائيل بدت اقرب الى دولة شرق أوسطية حاليا بدل إسرائيل الاشكنازية الغربية في مرحلتها الأولى
المواقف الفلسطينية والعربية والإقليمية والدولية

فلسطينيا:
تصدى الفلسطينيون لأطماع الاسرائيليين منذ بداية القرن الماضي وقدموا الالاف من التضحيات وتفوقوا في جميع مراحل النضال الفلسطيني على قياداتهم التي لم تكن على مستوى الاحداث في اغلب الاوقات مقارنة مع ضعف الإمكانيات مقابل إمكانيات المشروع الاسرائيلي الضخمة والدعم الدولي الكبير والمستمر الى يومنا هذا مما أدى الى نتائج مؤلمة وقاسية كان أهمها ما حصل في عام 1948 واحتلال 78% من مساحة فلسطين التاريخية واللجوء الفلسطيني الكبير الى ما تبقى من أراضي فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة والدول العربية المجاورة واوجد فراغاً جامعاً للشعب الفلسطيني بعد ذلك حتى على صعيد الصورة التعبيرية. الى ان تشكلت منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964 بقرار من جامعة الدول العربية وطرحت طرحاً واعياً مستنداً الى قيام دولة ديموقراطية علمانية على كامل ارض فلسطين لكل أبنائها من مختلف اديانهم واصولهم بما فيهم اليهود.

بعد هزيمة 1967 ونتائجها المؤلمة والقاسية في بعدها الفلسطيني والعربي ابتدأت حالة مقاومة جديدة ما لبثت بعد فترة قصيرة ان اصبحت جزءاً من التناقضات والخلافات العربية مما أدى الى احداث مؤلمة في العديد من الدول العربية وابتداء الطروحات الوطنية الكلية كما تم في عام 1964 على كامل ارض فلسطين التاريخية تذهب لأهداف جزئية .بدءا من مؤتمر القمة العربية في الرباط 1974 ثم اعلان الاستقلال في الجزائر 1988 والدعوة لقيام الدولة الفلسطينية على أراضي 1967 ما يعني التنازل عن 78% من الأراضي الفلسطينية قبل الدخول في أي مفاوضات والاعتراف بالشرعية الإسرائيلية عليها دون الحصول على أي نتائج سياسية مقابل ذلك .

جاء اتفاق أوسلو وكرس مبدأ القبول بالطرح الإسرائيلي بتعريف الأراضي A.B.C والحديث عنها من حيث الإدارة والسيطرة الامنية وليس السيادة وإصرار إسرائيل على تسمية السلطة الفلسطينية وليس السلطة الوطنية الفلسطينية لاستبعاد مصطلح وطن للفلسطينيين من أي مراحل قادمة. تضخمت السلطة الفلسطينية وتم دعمها ماليا ومعنويا من مانحين وأصبح الاحتلال مُربحاً لإسرائيل وهذه الظاهرة قد تكون الوحيدة التي يربح فيها المحتل في استمرار احتلاله. بدأت السلطة تحتل دور منظمة التحرير الفلسطينية التي انبثقت عنها أصلا وتراجع دورها كممثل شرعي وحيد للفلسطينيين داخل فلسطين وخارجها وأصبح ارتباط السلطة مع إسرائيل كبيراً في ابعاد مختلفة أهمها البعد الأمني. وأصبحت جزئية السلطة صاحبة الأولوية في القرار وتهمشت اللحمة الفلسطينية الجامعة التي شكلتها منظمة التحرير.

حدث الشرخ الكبير عام 2007 اي الانقسام الفلسطيني بين غزة والضفة الغربية سكانياً وجغرافياً وصراعاً تنظيمياً بين حركتي فتح وحماس بداية مما أدى الى اضعاف الموقف الفلسطيني امام الإسرائيلي والمجتمع الدولي وما زال هذا الانقسام مستمرا ليومنا هذا. ورغم كل المآسي الناتجة عنه الا انه لا توجد بوادر جادة لمعالجة هذا الانقسام حيث ان المستفيدين من استمراره بحكم مصالحهم الذاتية والتنظيمية اقوى وأكثر تأثيراً من العاملين على إعادة وحدة الصف الفلسطيني رغم الامنيات الطيبة بإنهائه.

وأدى كل ذلك ان تذيلت القضية الفلسطينية الاجندات العربية والقفز فوقها لصالح مشاريع اقتصادية مع إسرائيل على حسابها ما أنتج صفقة القرن وغيرها من المشاريع.
استجد زلزال 7 أكتوبر 2023 وأعاد القضية الفلسطينية لواجهة الاحداث رغم ما رافقه من كوارث وخسائر كبيرة ومؤلمة خاصة في غزة والضفة الغربية وترافق ذلك مع دعم امريكي وغربي مطلق لإسرائيل رغم كل ما تم اقترافه من جرائم ضد الإنسانية وخرق للمواثيق والأعراف والقوانين الدولية وحالة الضعف الإقليمية خاصة ما حصل لأطراف إقليمية فاعلة مثل إيران في سوريا ولبنان وترافق مع واقع عربي هش وضعيف وعدم قدرته على وضع خيارات تتماشى مع الامن القومي العربي الجمعي ما يؤشر على واقع صعب وخطير قادم.

اردنياً
تشكل التداعيات المتوقعة للانحيازات الامريكية الأخيرة اوضاعاً صعبة ومقلقة وتهديدا مباشراللمصلحة الوطنية الأردنية العليا في كافة ملفات حل الصراع الفلسطيني مع إسرائيل خاصة في الملفات الرئيسية التالية:

ملف القدس وضمها والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل من قبل إدارة ترمب سابقاً وعودته حالياً والتحديات الممكنة لدور الأردن في الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس.

ملف اللاجئين وما تم طرحة من خلال صفقة القرن وانكار حق العودة والذي يشكل ملفاً مهما يمثل مصلحة وطنية اردنية على كونه يستضيف حوالي 5 مليون لاجئ وغالبيتهم يحملون الرقم الوطني وضرورة الدفاع عن حقهم في العودة والتعويض وكذلك التعويضات للدولة الأردنية وأيضا ما تتعرض له وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين UNRWA التي تتولى تقديم الخدمات لهم بموجب قرارات الشرعية الدولية.

ملف الحدود وتشكل خطة الضم الأخيرة واخطرها على الاطلاق وهي ترسيم الحدود من طرف إسرائيل وهو تعدي على واحدة من اهم النقاط في المعاهدة الأردنية الإسرائيلية التي حافظت بالإشارة للحدود مع الضفة منقطة وغير متصلة بالرسم كما تم على باقي طول خط الحدود مع فلسطين التاريخية شمال وجنوب الضفة الغربية ما عنى ان هذه الحدود مع الدولة الفلسطينية القادمة وليست مع إسرائيل.


من هنا فان التداعيات القادمة تشكل خطورة كبيرة جدا تتساوى مع المخاطر التي يمكن ان تلحق بالفلسطينيين نظراً لوجود اعداد كبيرة ممن يحملون الرقم الوطني الأردني في الضفة الغربية وكذلك ممن يحملون الجواز الأردني المؤقت او جواز السلطة الفلسطينية على الأراضي الأردنية.

وما يمكن ان تحمله أي حالة فوضى في الأراضي الفلسطينية نتيجة اية ممارسات إسرائيلية قاسية بدءا بتضيق سبل الحياة على الفلسطينيين بالضفة الغربية عامة و ما يحدث في المخيمات تحديدا خاصة وتخريب البنى التحتية لخلق وقائع تؤدي الى التهجير ومحاولة تقليد نموذج ما حدث في غزة خاصة في المخيمات.

كل ذلك يدلل على الحاجة الى إيجاد حالة اردنية متوافقة وداعمة للمصالح الوطنية وتحصين الجبهة الداخلية لحماية الحقوق الأردنية في الملفات الثلاثة مناقضاً بل رافضا لاي دعوات من اطراف تدعو لعدم التدخل في التفاصيل القادمة والخسارة التي ستنتج لعدم الوجود المستمر على الطاولة وفاعلية في الحدث واستغلال عناصر القوة الأردنية الجغرافية والديموغرافية.

امريكياً
كان الاهتمام بالمنطقة في بدايات القرن لماضي أوروبيا والتدخل الأمريكي في الشرق الأوسط ضعيفا ولم تكن اهتمامات أمريكية واضحة تجاه إسرائيل منذ وعد بلفور ولغاية عام 1967 باستثناء الاعتراف بإسرائيل 1948 وطلب اليها بالانسحاب من قطاع غزة 7/3/1957 بعد احتلالها له نتيجة حرب السويس 1956 والمفارقة ان انسحاب إسرائيل من غزة لم يستغرق اكثر من أيام قليلة من الطلب الأمريكي. وقتها بعد ان كانت قيادتها تُصرح انها تعتزم ضمها اليها وكذلك الانسحاب من سيناء بعد حرب السويس.

بعد عام 1967 والنتائج المذهلة التي حققتها إسرائيل وقتها امام الدول العربية، ابتدأ الاهتمام الأمريكي بالاعتماد على إسرائيل كذراع متقدمة لها في التحولات في المنطقة وضمن خيارات أمريكا خلال الحرب الباردة واصبح التنسيق الأمريكي الإسرائيلي في اعلى مستوياته من خلال المساعدة المباشرة في حرب اكتوبر73 وبعدها طرح مبادرات التسوية ابتداءً من مشروع وزير الخارجية روجرز 1970 ثم حرب 1973 وتدخلها المباشر فيها إضافة الى مبادرات كيسنجر وما اسفرت عنه من فك الارتباط بين إسرائيل وكل من مصر وسوريا ثم مفاوضات كامب ديفيد والتسوية مع مصر وخروجها من الصراع وضرورة المحافظة على هذا الإنجاز الكبير والمهم وبعدها حرب الخليج الأولى 1991 في مرحلة ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.

شكلت حرب الخليج الأولى تحولات في الموقف الأمريكي بدخول مباشر لأمريكا بإدارة الصراع العربي الإسرائيلي وتجلى ذلك في مؤتمر مدريد 1991 وتأكيد الموقف الأمريكي السابق عن السعي لإقامة أكثر من حكم ذاتي واقل من دولة بالنسبة للفلسطينيين حسب تصريح جيمس بيكر وزير الخارجية الامريكي ثم مباركة اتفاقية أوسلو وبعدها معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية ثم محاولات أمريكية لإنجاز حلول عبر مبادرة كلينتون وكامب ديفيد/ 2 وأنابوليس وجون كيري وغيرها.

حرب الخليج الثانية 2003 واحتلال العراق أتاح الفرصة لإسرائيل باستغلال ذلك بالتوسع في الاستيطان وقمع الانتفاضة الثانية والانقلاب على القيادة الفلسطينية من خلال محاصرة المقاطعة في رام الله ثم ابتدأت أمريكا بالتراجع التدريجي عن إدارة ملف الحلول السياسية مباشرة وازداد تغلغل اللوبي الاسرائيلي في إدارة أمريكا لملف الصراع في المنطقة خلال فترة كلينتون وما بعدها.

حاولت الإدارة الامريكية في عهد بارك أوباما إعادة احياء فرص الحلول في المنطقة والانتقال من طرح الفوضى الخلاقة في عهد بوش الابن الى مرحلة الربيع العربي للوصول لتسويات كبرى في المنطقة وإيجاد قوى جديدة من خلال التيارات الدينية السنية والشيعية ما أدى الى تدخل دول إقليمية مثل إيران وتركيا في المنطقة بشكل أكبر ومحاولة إيجاد توازنات جديدة للصراع في المنطقة مع المحافظة على قوة إسرائيل، ولكن ضمن محددات أمريكية للوصول الى معاهدات تطبيع مبنية على خلفية اقتصادية للمنطقة وليس معالجة الحقوق الوطنية الفلسطينية.

كما أدى ازدياد تأثير اللوبي الاسرائيلي على الإدارة الامريكية خاصة في مرحلة ترمب الأولى وتأثير الثلاثي (غرينبلات – فريدمان – كوشنر) وصياغتهم لصفقة القرن مدعوما من المولين الأمريكيين موسكوفيتس وسبان وادلسون الذين نسقوا مع كوسشير لتمويل الصفقة ومشاريعها.

جاءت احداث غزة في السابع من أكتوبر وبعده والتدخل الأمريكي الكبير بتزويد إسرائيل بما يلزمها خاصة عسكرياً واستخباراتياً واقتصادياً وكذلك دعمها في المحافل الدولية وملفات جرائم الحرب ومجلس الامن وغيرها واستمر ذلك ليومنا هذا وبالدخول بأدق التفاصيل ثبت صحة المقولة التي تقول ان الحروب في المنطقة تصنعها وتديرها وتسيطر عليها امريكا والسلام تصنعه اسرائيل ولذلك لا يمكن لاي دور امريكي ان يؤثر في صناعه السلام إذا لم تكن اسرائيل قابله لتنفيذ هذا السلام اما بالنسبة للحروب فتستطيع امريكا ان تنهيها او ان تؤججها وبالتالي قرار الحرب ليس قرارا اسرائيلي بل هو مجرد هو قرار يتم التوافق عليه مع امريكا، ولكن قرار السلام هو قرار اسرائيلي بالتأكيد خاصة اننا اصبحنا امام منعطف جديد للصراع في المنطقة ويجب التحوط له واستمرار تداعياته ما يولد نتائج كارثيه على السلم في العالم أجمع.
دوليا:
المواقف الدولية وخاصه المواقف الأوروبية فهي بالتأكيد مواقف غير قادره على التأثير الجوهري فيما يتعلق بإنجاز اختراقات كبيره سواء على نطاق الحرب او على نطاق السلام وبالتالي تبقى هذه الجهود جهود مسانده لاي جهود مؤثره للعناصر الفاعلة في المنطقة وهي القوى الإقليمية في المنطقة اضافه الى الولايات المتحدة وبالتالي اعتقد ان التعويل على الدعم الدولي ربما يكون غير ذي جدوى لإنجاز شيء استراتيجي ومهم، ولكن يمكن ان يكون مساندا لبعض الحلول. ومن اسف ان ما حصل من احداث في غزه في الفترة الأخيرة الخاصة الجرائم التي ارتكبت بحق المدنيين وتعطيل كل قوانين الشرعية الدولية المتعلقة بحقوق المدنيين خلال الحروب والإبادة التي تعرض لها الفلسطينيين وما عرض ايضا امام الجهات الدولية سواء المحكمة الجنائية الدولية منظمه العفو الدولية يدل بل يؤكد على ان حتى المواثيق الدولية والمنظمات الدولية لن تكون قادرة في المستقبل ربما على تحقيق انجازات تتعلق بتحقيق الحقوق الفلسطينية والتي يستمر الحديث عنها دون ان تكون هنا قوه فاعلة ومؤثرة وداعم لهذا الحق وطريقه إنجازه.

دوليا
ربما يثار تساؤل عن مسألة دور القوى الاخرى سواء كانت الصين أم روسيا وتداعيتها في المنطقة واعتقد ان هذا الموضوع لن يكون له تأثير كبير خاصه في الابتعاد الصيني عن ملفات المنطقة والتركيز على الواقع الاقتصادي.

وكذلك روسيا وتدخلها في سوريا في مرحله من المراحل ثم ما حصل مع النظام السوري وسقوطه وبالتالي انحسار المد الروسي في المنطقة ما يعني تراجع هذا التأثير على نحو كبير.

عربياً
شكلت القضية الفلسطينية محور اهتمام الشعوب العربية منذ بداياتها وأدت في تداعياتها الى تغييرات كبيرة في استقرارها وامنها ومسارها خاصة بعد ما حدث في عام 1948حيث ان المساهمة العربية في هذه الحرب قدرت بحوالي 20000 جندي فقط إضافة الى حوالي 20000 مقاتل فلسطيني بينما جند اليهود حوالي مئة ألف بين رجل وامرأة ذو قدرات عالية تدريبا وتسليحا وادت وقتها للهزيمة امام العصابات اليهودية ما أدى الى سقوط أنظمة عربية كثيرة وتغييرها وانتقلت القضية الفلسطينية لتصبح جزءاً مهما من الاحداث العربية الكبرى عام 1956، 1967 1973 وحروب الخليج وفي الوقت الذي حاول البعض العمل عليه لاحقاً بالابتعاد عن القضية الفلسطينية والنأي بالنفس عنها يتبين لاحقاً انه في تضارب المصالح وحدوث الفراغ فان قوى أخرى ستقوم بالتأثير عليه وتعبئته. واضعاف العرب في التأثير على الاحداث وهذا ما شاهدناه ونشاهده حاليا من تأثير تركيا وإيران ووجودهما في الواجهة وبناء مصالحهما واقتصادهما على المعطيات الموجودة في منطقتنا وبالتالي في الواقع المستند للتاريخ والجغرافيا يتطلب عملا جمعيا عربيا بما يحفظ حقوق هذه الامة، وتطلعاتها، واستقرارها، وامنها.

اقليمياً
كانت القوى الإقليمية الكبرى المؤثرة في المنطقة بواقع الجغرافيا والديموغرافيا في بعديها العرقي والديني (إيران وتركيا) جزء من القبول في إسرائيل في المنطقة عند نشأتها 1948 ولمدة تزيد عن ثلاثين عاماً وكانتا بوابة لتقديم إسرائيل عالميا مستغلين البعد الإسلامي لهما.

الا ان التحولات في إيران وتركيا اعادت هذه الدول لترتيب اجندتها الوطنية والاستفادة من واقع القضية الفلسطينية خدمة لها في العالمين العربي والإسلامي الرسمي والشعبي واكتساب نفوذها على الإطار الدولي واستغلال التراجع العربي. اثبتت الاحداث التي تدور حاليا ان هذه الدول أصبحت على الواجهة وصاحبة الكلمة المهمة في الحلول القادمة واكتساب الغنائم والسعي لتحقيق مصالحهما في العالم مستغلتين مساحات نفوذهما الجديدة في العالمين العربي والإسلامي والبوابة الرئيسية لذلك هي القضية الفلسطينية.

التداعيات والحلول القادمة
اللهب السابق والحلول القادمة
في دراستي السابقة كان الجزء الأخير منها متعلقاً باللهب القادم المتوقع وقتها نتيجة للمعطيات التي كانت سائدة وتصارع المحاور ومراكز القوى إقليميا ودولياً وتأثيرها من القضايا المطروحة واهمها القضية الفلسطينية ومعالجتها. تنبئ بأن المخطط له وعلى رأسه صفقة القرن غير قابل للتطبيق وعدم القبول بها أيا كانت درجة الضغوط وحجم القوى الفاعلة والمؤثرة في حينه. إضافة الى تأثير الملفات الإقليمية العامة ومنها وضع إيران وخططها للتمدد في المنطقة على حساب الفراغ العربي وكذلك برنامجها النووي وكيفية تسويته اضافة الى التطلعات التركية التمدد ايضاً ما أنجزت وقائع هامة خاصة في سوريا بالإضافة الى السعي الأمريكي لتوسيع مروحة التطبيع مع إسرائيل وبناء التصورات لدور إسرائيل القادم في المنطقة ومحاولة فرض مخططات اليمين الإسرائيلي في توسيع الاستيطان وضم الاغوار والضغط على ملف الوصاية الهاشمية في القدس. كل ذلك كان يؤثر وما يزال على إمكانية الوصول الى التسوية الكبرى في المنطقة و كان يؤشر الى توتر كبير سيقود الى حرب تفرز وقائع جديدة على الأرض وهو ليس تنبؤا وقتها بل صيرورة الاحداث وهذا ما احدثه زلزال 7 أكتوبر2023. اذ أدى اللهب السابق الى الواقع الذي نعيشه حاليا في الإقليم وحدوث تطورات كبيرة في حجمها وقوتها ونتائجها سواء بما حصل في غزة والضفة الغربية أم لبنان ثم سوريا والاشتباك الإقليمي الاوسع من قبل ايران وتركيا ورغم كل ما قامت به إسرائيل فإنها لم تستطع انجاز رئيسي ومركزي على الأرض وتثبيت اية مواقع احتلال دائمة سواء في غزة او لبنان رغم امتلاكها قوة نارية واستخبارية كبيرة، وشكل ما تعرضت له المستوطنات الحدودية وكذلك القصف الكبير والجديد على المساحة الجغرافية الصغيرة حوالي 2000 كم2 من وسط إسرائيل والتي تضم حوالي 75% من السكان حوالي 5 مليون إسرائيلي يدخلون للملاجئ كل ذلك انعكس مستجدا على الواقع الإسرائيلي ليضاف الى الوقائع الأخرى السابقة واهمها الشرخ الحاصل بين القوى العلمانية والدينية والتغييرات الديموغرافية من خلال الهجرة الى خارج إسرائيل وتغلغل عالم الجريمة والمافيات إضافة لعدم قدرة الجيش الإسرائيلي على زيادة المتطوعين للوحدات القتالية وارتفاع الخسائر البشرية الكبيرة والقدرة على تحمل ذلك وتعزيز مفاهيم جديدة تتناقض مع مفهوم دولة الملاذ الامن الذي تم السعي اليه بعد الحرب العالمية الثانية . وانقسام المجتمع الإسرائيلي الى أربعة أجزاء متساوية ومتناحرة في نفس الوقت وهم (الاسرائيلية الدينية – الاسرائيلية العلمانية – اليهود الأصوليين الحرديم – العرب) إضافة الى الانقسامات العرقية وهذا ما اثبتته الانتخابات في السنوات الماضية وما يؤثر ذلك من ضعف مستقبلي وتحد وجودي. وتعزيز قناعات داخلية و في مستويات عالية (نموذج ابراهام بورغ) رئيس الكنيست الأسبق ورئيس حزب العمل سابقاً والجنرال (عاموس جلعاد) كبير المخططين الاستراتيجيين في الجيش الإسرائيلي سابقا ورئيسة محكمة العدل العليا السابقة ( استر حيوت) إضافة الى رؤساء الموساد تامير باردو، يوسي كوهين وداني ياتوم السابقين والمؤشرات التي يتحدثون عنها بضعف النسيج الداخلي الإسرائيلي واهم وصف ما تم اطلاقه من هؤلاء ان إسرائيل دولة تحميها اسوار منيعة من الخارج ويأكلها النمل الأبيض من الداخل وانها دولة الهزيمة الواحدة.

* رغم خطورة الأفكار اليمينية الإسرائيلية المطروحة خاصة ما يتعلق بالضفة الغربية تحديداً ولعدم القدرة على الحسم في غزة ما يسرع في التفكير برسم مسار يميني إسرائيلي جديد في الضفة الغربية وسيكون له تداعيات كبيرة على أهالي الضفة الغربية والسلطة الفلسطينية وقدرتها على الاستمرار في نفس المحددات الحالية والمستمرة منذ اتفاقية أوسلو وسعي هذه القوى اليمينية الإسرائيلية المحافظة على وجودها وزيادة نفوذها مستقبلا بأنها ستكون أكثر شراسة ما يضع المنطقة عموما فلسطين والأردن خصوصا امام تحديات كبيرة. وهنا الضرورة إعادة التأكيد على ان خطة الضم ليست جديدة او يمينية فقط، بل خطة إسرائيلية قديمة منذ عام 1967وكذلك خطة تهجير أهالي غزة موجودة من عام 1953 ومكرر عدة مرات في التاريخ وليست بالطرح الجديد كما يتضح لاحقا.


المرحلة الترامبية:
رغم عدم الوضوح والثبات الممكن قراءته مع ترامب وانحيازاته القديمة في مرحلته الرئاسية الأولى لليمين في إسرائيل وطروحاته الا ان سعيه لتحقيق إنجازات تخلد مرحلته ربما تذهب باتجاه معطيات جديدة وإذا تأكد ما تردد من تعامل مبعوث ترمب ستيفن ويتكوف مع نتنياهو وخرقه لحرمة السبت وهذه اسقطت رابين في 1976 عندما استقبل طائرات أمريكية قادمة تم تسليمها لسلاح الجو يوم السبت ورضوخ نتنياهو في اجتماع استمر خمس ساعات ثم الأمر بذهاب وفد المفاوضات الإسرائيلي الى الدوحة والتوقيع على الاتفاق للالتزام به وفرض تطبيقه قبل التنصيب يوم 20/1/2025 واختصار مراحل الاعتراض عليه لدى المحكمة فهذا يثبت دائماً ان الحرب ومساراتها في النهاية تقررها أمريكا وليس إسرائيل رغم ان المراوغات يمكن ان تحدث وان كنا سابقا نقول ان هذه مرحلة أمريكية فأن المرحلة القادمة هي عصر الترامبية تحديدا وحصرياً وعلى كل من سيختلف مع ذلك ان يبدأ بإعادة حساباته وتحسس راسه خاصة مع احتمال الذهاب في سعيه لتحقيق جائزة نوبل للسلام بعرف النظر على حساب من. مع التأكيد مرة أخرى أن ما تم الحديث عنه لتهجير الفلسطينيين من غزة ليس الاول من نوعه في التاريخ والتي تشكلت وقتها من خطة وضعها (بلاند فورد ) سنة 1953 وتجهيز مبلغ 30 مليون دولار في ذلك الوقت لإسكان 12500 عائلة من اللاجئين الى غزة والذي كان عددهم حوالي 200.000. أي ما يعادل 40.000اسرة في الوقت الذي كان عدد سكان غزة قبل اللجوء 80.000 مواطن وكان الهدف تقليل عدد اللاجئين وتهجيرهم الى شمال سيناء . الا ان تصدي القوى الفاعلة وقتها افشل هذا المشروع والذي تم وضع خطوات ومخططات تنفيذية له حيث قام الشيوعين بقيادة معين بسيسو والاخوان المسلمين بقيادة فتحي البلعاوي بمظاهرات كبيرة في غزة وأيضا مظاهرات اندلعت في سيناء ما أدى الى توقف المشروع، وبعدها تكررت المحاولات على 1971 وكذلك عام 2008 بخطة غيور آيليند اضافة الى طروحات ترامب حاليا عن غزة وان هناك نهجا جديد ميغير مسار اكثر من خمسين مما يعني ان ما تم الابتداء والتمهيد له في مؤتمر الرباط عام 1974 بإنتاج حل الدولتين إسرائيلية وفلسطينية على حدود 1967 اصبح الان موضع لتساؤل واقرب الى التراجع عنه على ارض الواقع ، ويقود الى استعادة الذاكرة لمراحل سابقة لم يتم تطبيقها في مراحل هذا الصراع .

وان وترامبية هذا الطرح ذات مفهوم عقاري بعيد عن المفاهيم السياسية التي تحملها الابعاد الاقتصادية والاجتماعية والوطنية والتأكيد على فشل الطروحات السابقة وهي ابتدأت من طروحات روجرز عام 1970 ثم محاولات كيسنجر وجورج شولتز ومبادرة بيل وكلينتون وغيرها الكثير من المحاولات التي تثبت ان الطروحات الامريكية ليست قدر وتطبيقها من عدمه يعتمد من يتصدى لها وصفقة القرن سابقا خير دليل على ذلك إضافة الى ما اثبتته الايام الأخيرة في المنظر المهيب لعودة النازحين الى شمال غزة الى ديارهم لأول مرة في التاريخ الفلسطيني مما يعطي مؤشرات للمستقبل باتجاهات المحافظة على حق للعودة للفلسطينيين الى ديارهم يقابلها واقعا موجودا اشرنا اليه سابقا وهي مغادرة اليهود من إسرائيل الى الغرب مرة أخرى.

الخلاصة
اثبتت الاحداث ان إسرائيل الحالية ليست إسرائيل 1967 وكذلك الفلسطينيين خاصة وجزء من العرب ليسوا كما كانوا في 1967 وخرجوا من عباءة الهزيمة ما أدى الى تطور الاحداث في المنطقة وتسارعها وزيادة اعداد المتدخلين والمؤثرين والتغيرات الكبيرة والهامة على الصعد كافة من حيث القوة وتغير مراكز ثقلها وانتقال جزء مهم الى حواضن شعبية غير مندمجة في الأطر الرسمية إضافة الى معطيات وظروف الصراع وعدم القدرة على الحسم على الأرض بشكل واضح يجعلنا نذهب باتجاه مزيد من التوترات الإقليمية مع وجود اطراف إقليمية جديدة . إضافة الى تغيرات مهمة على الواقع الإسرائيلي من حيث الإمكانيات والفكرة التي تم البناء عليها سواء الاستيطان وعلاقة ذلك مع الافراد في مختلف مواقعهم بهذه المستوطنات خاصة الحدودية وسهولة نزوح سكانها منها وتغيرات في دور المؤسسة العسكرية والانتقال من مفهوم دولة الجيش الى جيش الدولة خاصة مع تغول اليمين اكثر في مستوى القرار السياسي وكذلك الانتقال الى التغيرات في قوانين الأساس المتعلقة في القضاء والانتقال من الاسرائيلية العلمانية الى الاسرائيلية الدينية يضع المستوطنين في هذا المجتمع في حالة انقسام عامودي في الركيزة الثانية للاستيطان وهو المستوطن إضافة الى قيمة المستوطنة خاصة الحدودية منها . واهم التداعيات في المفهوم الاستيطاني في الركيزتين الاساسيتين هما : تراجع اهمية المستوطنات الحدودية لصالح المدن الكبرى في الوسط وازداد هذا التراجع بعد الحرب الأخيرة والنزوح في مستوطنات الحدود في الشمال والجنوب في البناء الوطني القومي وتراجع الاسرائيلية العلمانية والاقرب لمبدأ التكافل والتشاركية والذي جسدته الحركة الكيبوتسية والموشافيم وهذه الحركة كانت اهم منتجي كبار القادة خاصة العسكرين منهم إضافة الى ازدياد موجات المغادرة مقارنة مع الهجرة القادمة التي تمثلت في القرن العشرين وحاليا تفيد كافة التقارير بزيادة المنشآت الاستيطانية دون وجود قاطنين جدد بها.

ان انتقال إسرائيل من دولة القوة والمكانة الأوروبية بقيادة غربية لبناء دولة الاشكناز حتى أواخر القرن الماضي وتحولها من العلمانية الى الابعاد الدينية والتركيبة الديموغرافية الجديدة بازدياد تأثير السفارديم وانتقالها الى ممارسات الدول الشرق أوسطية . سوف يقود هذا الى ان كلمة نعم أولا ستكون لمن يمتلك قوة ومنعة واوراق تفاوض يستطيع ووضعها على طاولة المفاوضات وحماية مصالحه الوطنية.

ان ما افرزته حرب 1948 و1967 اثر على الأنظمة العربية لاحقا أدى الى احداث وتغيرات كبرى في العديد منها ان لم يكن في اغلبها وبالتالي فأن النتائج الممكن توقعها في المرحلة القادمة يمكن ان يقود الى نتائج وتداعيات اكبر بكثير مما تم سابقا وربما لا يستطيع احد ان يحسم ارتداداته والتغيرات القادمة المستندة للأحداث الكبيرة.
ان مرحلة التطرف في المنطقة ستزداد وستنتقل لمزيد من التصادم خاصة مع شراسة اليمين الإسرائيلي ومحاولة فرض وقائع على الأرض نتيجة خطط الضم مما سيقابلها زيادة مساحة المواجهة والعودة الى مربع الحرب الدينية.

رغم ان اللهب السابق كان زلزلا وكبيرا فأن القادم ربما يكون أصعب واقسى في نتائجه ومرشحا لمزيد من الاحتمالات حلوها ومرها و مرحلة عض الأصابع التي ابتدأت ستبين نتائجها لاحقا خاصة اذا رافقتها خسائر كبيرة ومؤلمة وقاسية كما حصل سابقا ما سيدفع الجميع للتفكير بالحلول المستقبلية والقابلة للتطبيق وقدرة تمريرها في اطار التسوية الكبرى للمنطقة وعدم قدرة أي طرف منفردا على ايقافها في حالة توفر القرار لإنجازها.



"رأي اليوم"





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :