قوى متنفذة اختطفت شعارات التغيير وقادت الدولة الى الأسوأ .
يقول الملك عبدالله الثاني لصحيفة واشنطن بوست ان الربيع العربي منحني الفرصة التي كنت انتظرها منذ 11عاما , في اشارة الى رغبته بانجاز الاصلاحات السياسية والاقتصادية التي طالما تحدث عنها.
تصريحات الملك تطرح سؤالا مهما وحساسا: ألم يكن الملك قادرا وهو صاحب القرار الاول والاخير على تحقيق ما يريد قبل الربيع العربي ?
منذ الايام الاولى التي تسلم فيها الملك سلطاته الدستورية كشف عن برنامج طموح للاصلاحات في الاردن , وتحدث في اكثر من مناسبة عن امله بملكية في الاردن على النسق البريطاني. وكان ينظر الى الاصلاحات باعتبارها حاجة وطنية لا يمكن الاستغناء عنها. سرت في الدولة روح تحديثية شملت معظم قطاعاتها , وتحسن منسوب الحريات العامة , وحرية الاعلام على وجه التحديد. وصعد الى مراكز القرار شخصيات محسوبة على التيار الليبرالي , وتراجع لبعض الوقت حضور المحافظين في الدولة.
رغم هذه التحولات أخفق الاردن في التحول الى دولة ديمقراطية , ومرت السنوات دون ان يتمكن الملك من تحقيق طموحاته بالاصلاح. فقد فشلت جميع خطط الاصلاح السياسي, وتدهورت قيم النزاهة التي تحكم الانتخابات والحياة السياسية , وزادت الفجوة بين مؤسسات الدولة والمجتمع وانكشف زيف ادعاءات الليبراليين في الدولة.
وفي كل مناسبة كان يأتي الحديث فيها عن مسيرة الاصلاحات في الاردن , كان الملك يعبر عن مرارة من هذا الفشل , ولايخفي ضيقه من اولئك الذين يشدّون البلاد الى الخلف.
لقد نجحت قوى الشد العكسي ومعها تيار النيوليبرالية في احباط عملية التغيير , وتشويه قيم الاصلاح التي اصبحت في نظر الرأي العام مجرد خطة لتفكيك الدولة وبيع ممتلكاتها للاجانب.
ولم تكن الظروف الاقليمية من حولنا تساعد على المجازفة كثيرا , فحالة الحرب ظلت مسيطرة شرقا وغربا , والانظمة الدكتاتورية في العالم العربي لا ترغب في رؤية دولة ديمقراطية في جوارها. اما الولايات المتحدة فان ما يهمها من الاردن او غيره من الحلفاء هو الخدمات الامنية المرتبطة بمصالحها الاستراتيجية.
طوال السنوات الخمسة الاخيرة كانت ارادة الاصلاح في الاردن تعاني من ارتباك شديد , وساد في الاوساط العامة شعور بالاحباط حيال فرص التقدم الى الامام.
اصيب الكثيرون بالحيرة , فهم يسمعون كلاما معسولا عن الاصلاح , لكنهم لا يرون غير التراجع في الميدان , خاصة مع تفاقم اشكال التزوير للانتخابات , واتساع ظواهر الفساد الى الحد الذي يهدد الاستقرار الداخلي , والاخطر بوادر صدام اهلي تطل برأسها جراء سياسات رسمية عملت على اضعاف الرابطة الوطنية للشعب.
تظهر تجربة الاردن الاصلاحية ان الحاكم مهما امتلك من عزيمة للاصلاح فانها لاتكفي لضمان النجاح , هناك حاجة لقوى حليفة في المجتمع تحمل على عاتقها مسؤولية النهوض بعملية التغيير , قوى اصيلة ومنتمية تملك رؤية متكاملة للمستقبل. لم يكن هذا متوفرا , بل ان الدولة لم تسع لخلق مثل هذه القوى , ومن كان منها موجودا تعرض للاقصاء والتهميش والبطش في احيان كثيرة.
وتمكنت نخب سياسية متزلفة ومدعية من اختطاف شعارات الاصلاح ومشاريعه وايهام الملك بأنها الجهة الوحيدة القادرة على تحويل طموحاته بالاصلاح الى واقع.
لكن الاحلام تحولت الى كابوس لنعود الى المربع الاول من جديد.
الثورات العربية تمنحنا اليوم فرصة جديدة يبدو ان الملك مصمم على استغلالها ,من دون تردد , فقد قدم الربيع العربي طاقة هائلة للسير قدما في عملية الاصلاح بسرعة , وتجاوز كل القوى التي نجحت في تعطيل العملية في الماضي.
تكلفة الخسارة في السابق كانت قابلة للاحتمال , في زمن الثورات العربية الطويل الخسارة ستكون باهظة.
fahed.khitan@alarabalyawm.net
(الغد)