facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




قراءة: حق مجلس الأمن بإحالة الوقائع للجنائية الدولية


الدكتور موسى الرحامنة
05-02-2025 08:36 AM

من بين الحالات التي ينعقد فيها اختصاص المحكمة طبقاً لنص المادة (13) من النظام الأساسي حيال الجرائم المنصوص عليها في المادة (5) من ذات النظام؛ تلك الحالة المنصوص عليها في الفقرة (ب) من المادة (13) التي يحيلها مجلس الامن الى المدعي العام متصرفاً وفقاً للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة؛ إذا تعلّقت هذه الحالة المحالة من قبله بواحدة أو أكثر من تلك الجرائم المنصوص عليها في المادة (5) الآنفة الذكر.

وتطبيقاً لاختصاص مجلس الامن في هذا السياق؛ فقد نصت المادة (17/1) من الاتفاق المبرم بين المحكمة الجنائية الدولية والأمم المتحدة؛ بأنه في الحالة التي يقرر فيها مجلس الامن بما له من صلاحية التصرف بموجب الفصل السابع من الميثاق؛ أن يحيل الى مدعي عام المحكمة إعمالاً للمادة (13/ب) من نظام المحكمة الأساسي حالة ارتكبت فيها على ما يبدو جريمة أو أكثر من الجرائم التي ينعقد لها اختصاص المحكمة؛ فإن الأمين العام للأمم المتحدة يحيل على الفور قرار مجلس الأمن هذا الى المدعي العام مشفوعاً بالمستندات وأي وثائق أخرى لها صلة بقرار المجلس.

لقد كانت هذه العلاقة مثار نقاش وجدل في مرحة إعداد وصياغة مشروع النظام الأساسي للمحكمة؛ أو ما يعرف بميثاق روما الأساسي من قبل لجنة القانون الدولي؛ فقد ذهب أتجاه الى أن تخويل المجلس صلاحية الإحالة للحالات والوقائع الى المحكمة؛ فيه تجاوزٌ لصلاحيات مجلس الامن المقررة بموجب ميثاق الأمم المتحدة؛ بينما يرى اتجاه آخر؛ أنه من غير المنطق تهميش دور المجلس بصورة كلية؛ لا سيما وأنه الهيئة المعنية بموجب الميثاق بحفظ السلم والأمن الدوليين.

لقد جاء مشروع النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الذي جرى تبنيه من قبل لجنة القانون الدولي عام 1994 يتضمن العلاقة بين مجلس الأمن والمحكمة وهو ما نصت عليه المادة (23) من المشروع بقولها: ( (أ) ان المحكمة لن تستطيع التعامل مع أية شكوى أو مسألة تتصل بشكل مباشر بعمل من اعمال العدوان، ما لم يصدر تحديد مسبق من مجلس الأمن بأن الدولة المعنية ارتكبت العمل العدواني الذي يتعلق بموضوع الشكوى. (ب) أن المجلس يمكن ان يحيل حالات ضد اشخاص معينين أو ظروف خاصة الى المحكمة الجنائية الدولية بموجب سلطاته طبقاً لأحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة). وبالتالي فوفقاً للنص السابق من المشروع لن تستطيع المحكمة توجيه الاتهام في مسألة تتعلق بموضوع تعامل معه المجلس وفق احكام الفصل السابع من الميثاق ما لم يوافق المجلس صراحة على ذلك.

ومما قيل في تبرير صلاحية المجلس وحقه في الإحالة؛ سنداً للفصل السابع من الميثاق للجرائم الداخلة في ولاية المحكمة؛ هو أن تكون المحكمة متاحة دونما تقيد بالشروط والإجراءات الخاصة لممارسة اختصاصها أو بالقواعد التي تخول الدول حق الإحالة الى المحكمة.

لقد عُرض مشروع النظام الأساسي على اللجنة المؤقتة التي شكلتها الجمعية العامة بغية دراسته واستعراضه؛ ولا سيما بحث مسألة العلاقة بين المحكمة ومجلس الأمن؛ والتي أيد فيها فريق سلطة المجلس في الإحالة الى المحكمة نظراً لاتفاقها مع مهمة المجلس ودوره الأساسي في حفظ السلم والامن الدوليين؛ في حين عارضها فريق آخر؛ خشية ممارسة النفوذ السياسي على استقلالية عمل المحكمة؛ وما يشكله ذلك من تجاوز لصلاحيات المجلس المقررة بموجب الميثاق.

ثم كانت مسألة العلاقة بين المجلس والمحكمة مجالاً للنقاش والبحث من قبل اللجنة التحضيرية التي شكلتها الجمعية العامة لمناقشة واعداد مشروع النظام الأساسي للمحكمة وقد رأى غالبية المشاركين في هذه اللجنة أن مجلس الأمن هو الجهة القادرة على التعامل مع الحالات التي ترتكب فيها مثل هذه الجرائم وأن المجلس سبق له إنشاء لجان لتقصي الحقائق في بوروندي وتأسيس محاكم جنائية مؤقتة في كل من يوغسلافيا السابقة ورواندا بموجب صلاحيته ضمن الفصل السابع من الميثاق؛ ومن ثم فإن الإقرار لمجلس الامن بصلاحية الإحالة الى المحكمة لمثل هذا الصنف من الجرائم؛ سوف يقطع الطريق على تشكيل محاكم جنائية أخرى مؤقتة لاحقاً؛ وعموماً كان لهذا الاتجاه الدور الأبرز في إقرار صلاحية مجلس الامن في الإحالة الى المحكمة الجنائية الدولية.

وأخيراً؛ كانت العلاقة بين مجلس الأمن والمحكمة الجنائية الدولية حاضرة بقوة؛ خلال مناقشات المؤتمر الدبلوماسي لمشروع النظام الأساسي للمحكمة الذي قدمته لجنة القانون الدولي؛ وقد انقسم المؤتمر الى اتجاهين: اتجاه يرى بأن مجلس الأمن وهو الهيئة السياسية التي لا ينبغي أن تقرر ما تفعله المحكمة التي هي هيئة قضائية وقانونية صرفة؛ ويرى هذا الاتجاه ايضاً بأن حق الإحالة هذا لا ينبغي أن ينحصر في المجلس وحده؛ بل يجب أن يُعطى لجهات أخرى كالجمعية العامة؛ بينما راح الاتجاه الآخر الى تبني فكرة إعطاء المجلس حق الإحالة الى المحكمة وان إعطاء المجلس مثل هذه السلطة من شأنه الحد من سلطته في انشاء المحاكم الجنائية الدولية المؤقتة؛ وإن مجلس الامن قد اظهر قدرة واضحة في مواجهة الجرائم الأساسية في نطاق القانون الدولي الإنساني من خلال المحاكم الجنائية الدولية التي انشأها؛ وكذلك لجنة التحقيق الدولي في بوروندي؛ لا سيا وأن الهدف من إنشاء المحكمة الجنائية الدولية هو أن تكون محكمة دائمة ومتخصصة في المستقبل إذا ما تم اقرار نظامها الأساسي؛ ويؤكد أنصار هذا الاتجاه أن سلطة الإحالة من قبل المجلس سوف لن تؤثر على مبدأ استقلالية المحكمة؛ فالمدعي العام الذي ستُحال اليه الحالة او الواقعة انما يتمتع بقدر كبير من الحرية والاستقلال في التقرير والبت إذا ما كانت الأدلة المتوفرة كافية لتوجيه الاتهام في ارتكاب الجريمة في كل حالة تُعرض عليه.

ومما يؤيد سلطة المجلس في إحالة أية حالة طبقاً لاختصاصه بموجب الفصل السابع من الميثاق؛ ما ذهبت اليه معظم الوفود المشاركة في اللجان التحضيرية بالقول بتوسيع سلطة المجلس في الإحالة؛ لتشمل ايضاً المسائل ذات الصلة بالفصل السادس من الميثاق لا سيما التي تشجع على الإجراءات ذات الطابع السلمي في مواجهة أي نزاع من المرجح أن يعرض استمراره السلم والامن الدوليين للخطر؛ ولعل التسوية القضائية هي أحد هذه الحلول السلمية المشار اليها في هذا الفصل السادس.

هذه المناقشات والاعمال والمجهودات؛ التي قامت بها هذه اللجان وانتهت بالمؤتمر الدبلوماسي عام 1998 الذي أقر النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في مدينة روما؛ كلها أجمعت واستقرت على الاعتراف لمجلس الأمن بسلطة الإحالة الى المحكمة؛ وبالتالي خرج نظام روما الأساسي الى النور وهو ينطوي على مثل هذا الحق الذي تمثل بإقرار نص المادة (13/ب) منه؛ ولعل تضمين مثل هذا الحق لمجلس الامن كان سبباً رئيساً وراء احجام عدد من الدول وعزوفها عن قبول النظام الأساسي للمحكمة.

كانت تلك؛ هي نواتج وحصيلة نقاش امتد لسنوات؛ برعاية الجمعية العامة للأمم المتحدة وأحد أهم أذرعها " لجنة القانون الدولي" تمخض عنه "النظام الأساسي للمحكمة" كما أسلفت؛ ولكن الفقه الدولي؛ الذي يشكل مصدراً مهماً من مصادر القانون الدولي المعاصر؛ أبدى وجهة نظره في هذا السجال الدائر حول هذه العلاقة بين مجلس الامن والمحكمة.

فيرى جانب من هذا الفقه؛ بأن تخويل مجلس الأمن سلطة الإحالة تأسيساً على الفصل السابع من الميثاق؛ أمر يجافي السلامة والصواب؛ معتبراً أن ممارسة الادعاء التي خُولت للمجلس ليست كسلطة الادعاء التي أعطاها النظام الأساسي للدول الأطراف والمدعي العام؛ فالسلطة الأخيرة توصف بأنها ادعاءات قانونية؛ أما سلطة مجلس الأمن؛ فهي وثيقة الصلة بحالات يغلب عليها الطابع السياسي؛ يُضاف الى ذلك فإن سلطة مجلس الأمن هذه؛ وفي ظل المعطيات الدولية الراهنة التي يغلب فيها ازدواجية المعايير؛ فإن مجلس الأمن قد يحيد عن جادة الصواب من خلال الضغط الذي قد تمارسه الدول الدائمة العضوية في المجلس على بعض الدول لتبرير بعض تصرفاتها لحماية حقوق الانسان والقانون الدولي الإنساني.

بينما رحّب فريق آخر بإقرار سلطة المجلس في ممارسة الإحالة الى المحكمة؛ وبالتالي وطبقاً لنص المادة (13/ب) من النظام الأساسي؛ أصبحت أبواب المحكمة مفتوحة على مصراعيها أمام مجلس الامن؛ إذا ما أراد أن يحيل أي واقعة أو حالة يرى أن حسمها قد يكون بالطرق القضائية والقانونية تحقيقاً لحفظ السلم والامن الدوليين؛ ويرى أنصار هذا الفريق أن ذلك سيقلل من الكلفة المالية التي سيتحملها المجلس؛ فيما لو قرر التعامل مع بعض الوقائع الدولية من خلال تشكيل المحاكم الدولية المؤقتة؛ فضلاً عن الإجراءات المتعلقة بتعيين القضاة والمدعين العامين وغيره؛ ويضيف هذا الجانب الداعم لحق المجلس في الإحالة الى المحكمة؛ بأن المحكمة حين تتولى التعامل مع الوقائع والحالات المحالة من المجلس؛ فهي لا ترى سوى أن مجلس الامن يقوم بمثل هذا الدور نيابة عن المجتمع الدولي قاطبة؛ وليست الدول الأطراف في النظام الأساسي وحسب؛ باعتبار أن ما يحال من المجلس هو مسائل وثيقة الصلة بالأمن والسلم الدوليين وهي مسائل لا تتجزأ وتهم المجتمع الدولي كله بلا استثناء. كما أن الإحالة المباشرة من قبل مجلس الامن تعفي المحكمة الجنائية من التوجه الى الدائرة التنفيذية في المحكمة للحصول على الاذن بإجراء التحقيق الذي يعتبر شرطاً لمباشرة التحقيق من قبل المدعي العام؛ إذ تولاه من تلقاء نفسه بموجب نص المادة (15) من النظام الأساسي للمحكمة؛ وليس للمدعي العام في مثل هذه الحالة ايضاً؛ أن يحيل الاختصاص الداخلي او الوطني كبقية الحالات التي ينعقد الاختصاص فيها للمحكمة وذلك على النحو الوارد ذكره في أحكام المادة (18) من النظام الأساسي؛ لأن ولاية المحكمة هي في الأساس ولاية تكميلية؛ والأصل أن الوقائع والحالات التي تنظرها؛ هي من صميم الاختصاص الوطني الداخلي للدول؛ الا إذا كانت غير راغبة او غير قادرة على الاطلاع بمثل هذا الدور.

ويرى البعض ان الإحالة الى المحكمة من قبل المجلس؛ من شأنه التقليل من فرص ممارسة المجلس لحقه الوارد في المادة (16) من النظام الأساسي؛ والمتمثل في تعليق الإجراءات امام المحكمة. إن إعطاء المجلس دوراً في تحريك اختصاص المحكمة سيمنع أي تعارض محتمل بينهما نظراً لطبيعة كل منهما؛ الطبيعة السياسية لمجلس الامن والطبيعة القانونية للمحكمة؛ وسيجعل من اختصاص المحكمة يمتد ليشمل جميع الدول سواء مَنْ قَبِلَ منها باختصاص المحكمة أم لم يقبل.

وبالرغم من وجاهة المبررات المؤيدة لإعطاء مجلس الامن مثل هذا الدور؛ مما يجعل اختصاص المحكمة أكثر عالمية؛ الا انها لا يمكن الاخذ بها على عواهنها؛ فمن ناحية؛ لم تكن الإحالة من مجلس الامن لتمنع المدعي العام اخطار الحكومة السودانية فيما يخص قرار المجلس رقم (1593) بخصوص الوقائع المتعلقة بإقليم دارفور؛ وعملاً بنص المادة (18) من النظام الأساسي للمحكمة قام المدعي العام بإشعار الحكومة السودانية واخطارها قبل اصدار قرارات القبض على بعض القادة والمسؤولين؛ وبالمحصلة منح السلطات السودانية ممارسة اختصاصها القضائي في الملاحقة والتحقيق؛ ومن ناحية ثانية؛ فإن مجرد إحالة حالة أو واقعة من قبل المجلس الى المحكمة؛ ليس معناه التزام المدعي العام وتقيّده بالتحقيق وبدء الإجراءات المتصلة بالواقعة المحالة؛ فلقد منحه النظام الأساسي سلطة تقديرية واسعة في هذا المقام؛ فهو يقيّم الحالة المعروضة عليه؛ ويقرر فيما اذا كانت تستحق مواصلة التحقيق واستكمال باقي الإجراءات المطلوبة؛ او التوقف عند مرحلة الاستدلال لانتفاء الأساس القانوني الكافي لمواصلة التحقيق؛ وهو ملزم بموجب نص المادة (13/ب) من النظام الأساسي لإبلاغ الدائرة التمهيدية في المحكمة ومجلس الامن بالنتيجة التي توصل اليها والأسباب التي بُنيت عليها.

والامر البالغ الخطورة من ناحية ثالثة؛ أن صلاحية الإحالة الممنوحة لمجلس الامن؛ من شأنها إحالة افراد الى المحكمة من دول ليست طرفاً في النظام الأساسي للمحكمة؛ وهذا ما حدا بدول ذات وزن في الجماعة الدولية بأن تحجم عن موافقة الانضمام للنظام الأساسي؛ لأن في ذلك إلزام للدولة أن تكون طرفاً في معاهدة دولية لم تقبلها ولم توقع على الانضمام اليها؛ وهذا ينافي بالمجمل الطبيعة الرضائية والاتفاقية للقانون الدولي؛ والذي تأتي المعاهدات الدولية في طليعة مصادره الأساسية وفقاً لنص المادة (38) من النظام الأساسي للمحكمة العدل الدولية.

منتهى القول؛ أن منح مجلس الأمن هذه الصلاحية؛ وفي ظل التركيبة الحالية للمجلس؛ وآلية التصويت فيه؛ لا سيما بمن يتمتعون بالعضوية الدائمة (الخمسة الكبار)؛ سيجعل هذا المجلس مرتهناً للمصالح والاهواء السياسية؛ ونحن نراه اليوم يكيل بمكيالين في تعاطيه مع الوقائع التي تمس السلم والامن الدوليين؛ ناهيك عن الغياب الكلي لأية آلية للرقابة على مشروعية قرارات مجلس الامن بما يضمن نزاهتها وحيادتيها.

* الدكتور موسى شاهر الرحامنة
باحث في القانون الدولي
مستشار قانوني/ مركز الدراسات القانونية والقضائية
وزارة العدل/ دولة قطر











  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :