صورتان وخياران .. أما من خيار ثالث؟!
عريب الرنتاوي
18-06-2011 03:46 AM
لدى الأتراك ما يدفعهم للاعتقاد بأن «الحل السياسي» للاستعصاء السوري قد بات وشيكاً...لا أدري إلام تستند هذه التقديرات المتفائلة...ما الذي حمله الموفد الرئاسي حسن تركماني إلى أنقرة...هل ثمة في «الجراب» السوري من الأوراق ما يمكن أن يوفر مخرجاً من الأزمة السورية...هل ثمة مخارج سياسية ما زالت ممكنة في الأصل...والحقيقة أنه لولا ثقتنا بحسن إدراك وتدبير القيادة التركية، ولولا إيماننا بالطابع المسؤول لمواقفها وتقديراتها، لما وجدنا ما يستحق إعادة طرح مثل هذه الأسئلة والتساؤلات.
على أننا، ونحن في ذروة التشاؤم من فرص «عودة الروح» للعقل السياسي السوري الحاكم، ما زلنا نرغب في رؤية عجلة الحلول تتقدم للأمام...أقله لحقن الدماء وإزاحة الالتباسات التي تحيط بالمشهد السوري، ومنع انزلاق البلاد إلى أتون فتنة تطل برأسها من الشوارع والأزقة و»الزنقات» وغرف الدردشة على الانترنت وبيانات موالين ومعارضين، وفضائيات تبث السم المذهبي في كل الشرايين والأوردة...وأحداث عنف واستقطاب، تنذر بفرز طائفي مذهبي كريه.
لقد تخطت الأزمة السورية «الحل الأمني» بأدواته المعروفة من رصاص مطاطي وقنابل مسيلة للدموع وخراطيم مياه ساخنة وملوّنة...إلى «الحل العسكري» بدباباته ومروحياته ورشاشاته الثقيلة....ما جرى في درعا وجاسم وأزرع وما يجري في جسر الشغور ومعرة النعمان، وما تخللهما من مواجهات دامية في الرستن وتلبيسة وتلكلخ وغيرها، هي نماذج على هيمنة الحل العسكري، لا الأمني، على المعالجات....ودائما في غياب الحلول والمعالجات السياسية.
والحقيقة أنه ما من نظام يلجأ إلى «الحل العسكري» المكلف إن كان بمقدوره الحفاظ على وجوده بواسطة بدائل أقل كلفة...وفي سوريا ثمة من الالتباسات ما يدعو للتساؤل عن سر انتقال النظام السريع إلى «الحل العسكري»، متخطياً التدرج في المقاربات والمعالجات...وفي ظني أن ما يفسر هذا اللجوء المبكر إلى الثكنات والفرق والألوية، إنما يعود إلى وجود تيار عنفي ديني مسلح، حاول أن يفرض «إمارته» على بعض أطراف سوريا، تحت جنح المظاهرات والاحتجاجات، تماماً مثلما حصل في اليمن، حيث نجحت القاعدة و»أخواتها» في بسط نوفذها على زنجبار/إبين تحت جنح الثورة الشعبية اليمنية السلمية، وها هي تتسلل وفقا للسفير الأمريكي في صنعاء إلى محافظة لحج...مع فارق وحيد، أن الحركة الشعبية في اليمن، لا تقارن من حيث طبيعتها المليونية ومن حيث اتساع قواعدها الشعبية وطبيعة القوى المشاركة فيها من احزاب وحركات شبابية ومنظمات مجتمع مدني إلى غير ما هنالك، وهو ما لم نلحظه في سوريا، على ذات النطاق والطبيعة، وحتى الآن على الأقل.
أمس نشرت الصحف والمواقع الالكترونية صورتين لتظاهرتين في سوريا، واحدة على أوتوستراد المزة، مؤيدة للنظام، وفيها كل ما يشير إلى طابعها المدني النخبوي، شبان وصبايا لفحت شمس الصيف وجوههم يتلفعون بالعلم السوري وصور الرئيس بشار الأسد، ليس من بين المشاركات امراة واحدة محجبة...والثانية تظاهرة نسائية في درعا، لنساء متشحات بالسواد، من الرأس حتى أخمص القدمين، ليس من بينهن امرأة واحدة محجبة أيضاً، جميعهن منقّبات، كما لو كن قد هبطن للتوّ من تورا بورا أو قندهار...الأولى مليونية، مع كل التحفظ على مألوف طرائق الأنظمة العربية في حشد الناس وتسيير المظاهرات...والثانية ضمت بضع عشرات فقط منهن...لم أستطع مقاومة إغراء المقارنة...لم استطع مقاومة إلحاح السؤال: لو كنت سورياً، في أي تظاهرة سأشارك أنا وأفراد عائلتي...أصدقكم القول، تمنيت لو أن هناك مظاهرة ثالثة، تليق بسوريا وشعب سوريا وتاريخ سوريا وموقع سوريا ومكانة سوريا.
سننتظر الأيام القادمة، وهي المهلة التي حددها الأتراك للتعرف على محتويات «جراب الحاوي السوري»...ولكننا لسنا متفائلين كما أصدقائنا الأتراك...ونتمنى أن تنتهي الانتفاضة السورية إلى مواجهة بين النظام والسلفيين، فنصبح أمام أمرين أحلاهما مر...نتمنى دخول المجتمع المدني السوري وقوى الشعب السوري الحية والحديثة على خط «صناعة التاريخ»، فلا نكوننّ بين خياري الديكتاتورية والظلامية...نريد مستقبلا أفضل وأرحب لسوريا وشعبها العظيم...لا حباً بالشعب السوري فحسب، مع أننا نحبه كثيراً، بل لأننا على يقين من أن مستقبلنا من مستقبل سوريا.
(الدستور)